ابتعدوا عن أطفالنا
بقلم: عبير زغاري لمفتاح
2012/2/15

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13482

طالعتنا المصادر الإخبارية بخبر وتفاصيل قصة تقشعر لها الأبدان، هي حالة اعتقال الطفل محمود عمر فقيه من قرية قطنة (16 عاماً). فعندما يرى القارئ عنوان الخبر "طفل من قطنة: كسر الجنود ساقيَ وأجبروني على السير عليهما قبل اعتقالي" الذي تصدّر الصحف المحلية والمصادر الإخبارية الأسبوع الماضي؛ يبادره سؤال هو "كيف؟" كيف كسر الجنود ساقيه وأجبروه على المشي عليهما؟ فلا يمكن للقارئ هنا أن يتخطى هذا الخبر الذي يسجل معاناة جديدة لفرد وعائلة فلسطينية أخرى من قبل الاحتلال. وفي تفاصيل القصة ما يؤلم، ففي نهاية الشهر الماضي اعتقل الجنود الإسرائيليون الطفل محمود عندما كان متوجهاً برفقة أصدقائه إلى منطقة الجدار في قرية بيت سوريك، حيث تفاجئوا بكمين نصبه الجنود لهم.

وفي إفادة الطفل محمود عن الحادثة كما ذكرت وكالة معاً، يقول: "قبض جنود الاحتلال عليّ وعلى اثنين من أصدقائي، وبمجرد إلقاء القبض عليّ طرحوني أرضاً على بطني وكبّلوا يداي للخلف بمربط بلاستيكي وشدوه كثيراً، وانهالوا عليّ بالضرب على مختلف أنحاء جسدي... بعدها رفعني الجنود عن الأرض وأوقفوني، فوقعت لأني لم أكن أستطيع الوقوف على ساقاي من شدة الألم، فعاود الجنود ضربي على مختلف أنحاء جسدي وطلبوا مني الوقوف فلم أستطع، فكانوا يرفعونني ويطلبون مني السير، فأمشي قليلاً ثم أقع." مكث محمود عدة أيام قبل أن تأخذه سلطات الاحتلال إلى المستشفى، ليتم تشخيص حالته بكسر في كلتا الساقين. وبعدها قضى 16 يوماً خلف قضبان سجن عوفر، عرض على المحكمة خمس مرات وتم إطلاق سراحه بدفع كفالة.

قصة الطفل محمود فقيه ليست الأولى من نوعها ولكنها تمثل وحشية غير مسبوقة لدى جنود الاحتلال الإسرائيلي. فالطفل الآن معرض لأن يمضي حياته عاجزاً عن المشي بطريقة سليمة جراء إجباره على السير بساقين مكسورين.

تكررت اعتداءات الاحتلال على الأطفال الفلسطينيين، وتركزت في الآونة الأخيرة عليهم، وتعددت أشكال هذه الاعتداءات من ضرب واهانة واعتقال وقتل. هذه الاعتداءات لا تمثل فقط خرقاً جلياً لكل الأعراف والمواثيق الإنسانية الدولية الخاصة بمعاملة الطفل، بل تمثل سياسة وإستراتيجية همجية تتبعها دولة إسرائيل وجيشها غير الإنساني. فهم كالماكينات المصممة لتعذيب الفلسطينيين وأسرهم وقتلهم بدون رأفة أو رحمة، حتى وإن كانوا أطفالاً.

فإسرائيل ترى في الطفل الفلسطيني خطراً على أمنها، ولهذا وأمام أعين كل العالم، بدأت بقتل الطفل محمد الدرة في بداية الانتفاضة الثانية. وها هي تستمر ليومنا هذا في استهداف أطفال فلسطين الأبرياء. فربما براءتهم هي التي تهدد أمن إسرائيل، ولعبهم هو الذي يقهر تلك الدولة، والأهم من ذلك مستقبل هؤلاء الأطفال وهو السبب الذي يجعل إسرائيل تستهدفهم. فدولة الاحتلال تخشى من أن يصبحوا قادة فلسطين المستقلة، ولذلك تسعى هذه الدولة لأن تضحد كل روح ثورية في نفوس أشبال فلسطين، وكل روح تحررية، وكل حس بالانتماء لفلسطين. فإسرائيل تعتقد بأنها عندما تخيف هؤلاء الأطفال باعتدائها عليهم، بأنها أطفأت فيهم شعلة الانتصار لفلسطين مقابل الحفاظ على حياتهم.

وتجلت هذه الممارسات المجحفة بحق أطفالنا من خلال الدعوات العنصرية لقتل الأطفال الفلسطينيين. هذه الدعوات التي يعززها فكر الجيش الإسرائيلي، فهم الذين يلبسون القمصان القطنية المطبوع عليها صورة طفل فلسطيني في مرمى القناصة الإسرائيلي ومكتوب أسفلها أنه "كلما كان أصغر، كل ما كان قتله أصعب". هذه الدولة التي تخشى حتى الأطفال؛ لن تعيش أمناً وسلاماً أبداً، لأن الأرحام الفلسطينية لن تتوقف يوماً عن إنجابهم، وهي لن تتمكن أبداً من إرهابهم لأن ما عانوه وما شاهدوه من دمار وقتل على شاشات التلفاز وعلى أرض الواقع؛ نمى انتماءهم ووطنيتهم وكسر خوفهم من دولة الاحتلال، وهم بالرغم من هذا الواقع الأليم إلا أنهم يحاولون دوماً البحث عن مساحة كافية لممارسة طفولتهم.

إسرائيل ربما لا تدرك بأن قتل روح السلام والمودة في قلوب أطفال فلسطين سيعود عليها يوماً ما بالبلاء، لأنها هي من أراهم العنف، وهل التي عاملتهم بعنف، وهذه دعوة للمؤسسات الحقوقية والإنسانية الدولية الخاصة بالطفل بتوفير الحماية لأطفال فلسطين، من أجل ضمان حياة كريمة هادئة يستحقونها كباقي أطفال العالم.

http://www.miftah.org