قانون الضريبة: مَن الفائز؟
بقلم: عبد المجيد سويلم
2012/2/16

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13485

لا يوجد شيء أكثر صحيةً من أن تنخرط كل القطاعات في ورشة وطنية للحوار حول السياسة المالية الجديدة لحكومة السلطة الوطنية وأبعادها الاقتصادية والاجتماعية. وإذا كان الحوار حول هذه المسألة المفصلية الحساسة والتي تمسُّ صلب حياة المواطنة والمواطن وأسباب الصمود وعوامل القدرة على المواجهة هو 'تقليد' لا بدَّ من اعتماده وترسيخه وتحويله إلى تقليد ثابت في حياتنا السياسية والعمل على مأسسته بقدر ما هو متاح فإن النتيجة التي أفضى إليها هذا الحوار هي فوز البلد والوطن بالجائزة الكبرى وفوز التوجه الحكومي بالنقاط وفوز حالة الاعتراض - التي شهدت في بعض الأحيان حدةً لا لزوم لها و'شعبوية' ما كان يجب أن تصل إلى ما وصلت إليه وقبلية سياسية لا بدّ من محاصرتها – بجوائز الترضية.

فقد بات واضحاً إلى درجة لا تحتمل المزيد من الشطط أن الحوار لم يعد يدور حول أهمية ومحورية السياسة المالية الهادفة لمواجهة العجز والسُبل الكفيلة بسدّه بالاعتماد على رزمة متكاملة من القوانين والإجراءات وإنما (وهذا مهم للغاية) حول الشرائح الضريبية.

أن ننتقل في فهم المسألة والتعامل معها من الإقرار والتوافق على وجود أزمة، ثم الانتقال في فهم المسألة من وجود هذه الأزمة وضرورة مواجهتها إلى السبل الأنجع، فهذا يُعتبر بكل المقاييس بمثابة تعبير عن حالة نضج وإنضاج صحّي للحوار، وهو تعبير عن استعداد عالٍ للمشاركة المسؤولة في تحمّل الأعباء والوصول بالبلد إلى أعلى درجة ممكنة من التوازن والاستقرار المطلوبين.

وعندما تتحول المسألة برمتها إلى حوار حول أحقية هذه النسبة أو جدواها الاقتصادية وأبعادها الاجتماعية، فهذا يعني تعافي المجتمع بكل مكوناته وفئاته وقطاعاته من 'الوعكة' الصحية التي ألمّتْ به على مدار الفترة الفاصلة ما بين تبنّي الحكومة للقانون والتوصل إلى التوافقات الأخيرة حول الشريحة الأخيرة (من 30-20%) وحول القبول الطوعي (وهي طوعية محمودة ومطلوبة) بتأجيل الاستفادة من مزايا قانون الاستثمار (والتي هي في الجوهر أشكال مختلفة من الإعفاءات) ولمدة عامين قادمين.

لقد تبيّن الآن أن خلفية ودوافع وأهداف حكومة السلطة الوطنية من هذا القانون لم تكن خاصة كما حاول البعض الإيحاء بذلك، ولم تكن 'سياسية' كما ألمحَ وصرّح البعض الآخر، ولم تكن الدوافع نتيجة لضغوط وإملاءات لا خارجية ولا داخلية، ولم تكن الأسباب رغبات لا للبنك الدولي ولا 'للبنك الإفريقي'.

كما بات واضحاً أن الفئات المستهدفة لم تكن الفئات المحدودة أو متوسطة الدخل، وأن منحى ونزعة القانون إنما كان يستهدف أعلى درجة ممكنة في هذه المرحلة من العدالة الاجتماعية. وسيتبيّن ومن خلال بنود صرف الموازنة أن هذا المنحى وهذه النزعة إنما هو الاستهداف الأهم في إطار البحث عن التوازن الممكن في أدوات التدخل الحكومي وفي توفير أعلى درجة ممكنة من هذا التوازن ما بين الموارد والنفقات. ومن المفترض أنه بات واضحاً لمن يبحث في الحقيقة وعنها أن هدف الحكومة لم يكن تعقيد مهمة 'الحكومة القادمة' وإنما العكس تماماً هو الصحيح، إذ لم يكن منتظراً من حكومة هي الأداة التنفيذية للسلطة الوطنية الفلسطينية في الأراضي المحتلة إلا مواجهة المشكلة أو الأزمة بكل صراحة ووضوح، وبكل مكاشفة وشفافية، بغض النظر عن أن حساسية المرحلة السياسية، وبغض النظر عن أية اعتبارات، بما فيها الاعتبار الانتخابي، وبغض النظر عن ردود الأفعال المنتظرة والتي كانت متوقعة ومرئية.

كما بات بحكم المسلّم به أن الأمر لا يتعلق بتبرير أهمية المساعدات ولا يتعلق مطلقاً بتحميل 'المواطن' ما لا يجب وما لا طاقة له عليه، وإنما يتعلق أساساً بتحمّل هذا المواطن المسؤولية عن توفير مقومات الصمود وعدم رهن توفير هذه المقومات بالقرارات الخارجية.

وباختصار وتكثيف ليست السياسة المالية الجديدة إلا أحد أشكال تمكين فلسطين من أسباب المناعة والتحرر من الارتهان بالتدريج وفي إطار سياسات تدخلية مدروسة ومتوازنة لتوفير هذه الأسباب.

ويمكن افتراض أن الحكومة قد تسرعت في 'الإعلان' عن القانون قبل إجراء مشاورات كاملة وكافية، ويمكن افتراض أن الحكومة لم تقدّر حساسية الظرف السياسي في ظل مظاهر متداخلة في الأزمة الاقتصادية بما فيها قضايا الأجور والأسعار وشبكة الحماية الاجتماعية، كما يمكن افتراض الكثير الآخر من هذا القبيل، إلا أن كل هذه الافتراضات والتي يمكن اعتبارها صحيحة ومشروعة لم تَحُلْ دون إدراك ووعي كافة الفئات والقطاعات لمسؤولية الحوار الجاد ومسؤولية التوصل التوافقي إلى حلول مبتكرة وبنّاءة ومتوازنة لقضايا الخلاف.

وفي ضوء جولة غير مسبوقة من النشاط المكثف مع وسائل الإعلام ومع كافة القطاعات بما فيها الحوارات مع عشرات الشخصيات التي لها صفة تمثيلية بالنسبة للفئات المختلفة، فقد أصبحت الأمور أكثر وضوحاً وأكثر تفهماً مما كانت عليه.

لقد أدرك معظم القائمين على ورشة الحوار الوطني الشامل الذين شاركوا بفعالية وبمسؤولية فيه أن قانون ضريبة الدخل لم يأت بجديد حقيقي إلا في إطار الشرائح، وأنه لم يأت بأي جديد بالنسبة للمزارعين وبالنسبة لأصحاب الدخل المحدود، وحتى المتوسط ولا حتى بالنسبة للضريبة على الأرباح الرأسمالية والودائع.

لقد وصلنا إلى برّ الأمان بكثير من الجهود وضبط النفس والصبر والواقعية، واستطعنا في ظرف دقيق فيه الكثير من 'مناخات التربص والتصيد' أن نضع الكلّ الوطني أمام المسؤولية المطلوبة.

لقد نجحنا في وضع الأمور في نصابها في ظرف دقيق وحساس، ولهذا فإن الفائز الأول هو الوطن ولم يخسر أحد وفُزْنا جميعاً في الحوار المسؤول.

لم يعد أمام القائمين على الحوار سوى الاتفاق على أن تكون هذه التجربة فاتحة أمل وخير للوقوف المشترك والاصطفاف الجماعي في مواجهة التحديات وفي صياغة ما هو جوهري بالنسبة لحاضرنا ومستقبلنا.

http://www.miftah.org