رحـلـة مـوت..!!
بقلم: حمدي فراج
2012/2/18

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13488

اعتصرت قلوبنا بما تبقى فيها ألما وحسرة وحزنا وغضبا، ولن ينفع الاطفال الذين قضوا شيئا في امكانية عودتهم الى الحياة، ولن يغني لذويهم واحبتهم وزملائهم الا واجب العزاء، وبدون تكبير القضية الفاجعة ولا تصغيرها كحادث سير، وأن هذا مكتوب عليهم وان اي احتياطات ما كانت ستنفع، فإن المسؤولية الاولى تقع على مديرة المدرسة التي كان يجب ان تنتبه الى حالة الطقس السيئة التي تسود البلاد، والتي اعلنت العديد من البلديات والمحافظات عن استعداداتها لمواجهتها، لكن من الواضح ان المديرة لم تكن مسؤولة بالمعنى الفعلي والحقيقي لهذه الكلمة، إذ كان يجب ان تلغي رحلة الموت، فيتضح على هامشها انها ليست المسؤولة الوحيدة التي لا تتمتع بالمسؤولية الفعلية والحقيقية، فهناك اعلاميا مسؤولا وضع امام الرئيس تقريرا يقول ان عدد الضحيا عشرة، و لكن بعد عدة ساعات اتضح انهم ستة، تعالوا نحاكم هذا المسؤول، ونرى ماذا كانت عليه ردة فعله: اتصل بمتصله وبدأ يصرخ ويشتم ويتهدد ويتوعد، لكنه على جنب بدأ يبحث عن اربعة اطفال آخرين، لربما اختفت جثثهم هنا او هناك، وراء المقعد تحت الشاحنة او بين عجلاتها، وخاصة ان الاجساد بالمجمل صغيرة، وحين لم يجد، بدأ في التفكير ان النيران التهمتهم عن بكرتهم بالكامل، الحمد لله ان قريحته فشلت، لكن على ما يبدو فإن هذا المسؤول لا يعرف الفشل، ولهذا بدأنا نسمع عن ثلاثة اطفال من بين سبعة، موتى في هداسا.

تم اخفاء ان الشاحنة اسرائيلية من قبل معظم وسائل الاعلام الرسمي وغير الرسمي، البعض فسر هذا الاخفاء من تخوف بحدوث ردة فعل انتفاضية كالتي حصلت عام 1987 بعد ان دهمت شاحنة اسرائيلية اربعة عمال فلسطينيين من جباليا فقضت عليهم، والبعض اخفاها من باب صحة انها اسرائيلية لكن سائقها عربي، والتخوف الثاني كان اكثر وهنا وبؤسا، فمن المعروف ان كل انواع العمل الاسرائيلي الاسود يقوم به العرب، فما الجديد في ذلك. وكيف بالتالي يظل هذا المسؤول مسؤولا في موقعه.

المستشفى الذي وصلته الجثث الست الصغيرة، وحتى ساعة متأخرة لم يستطع التعرف على اصحابها، وكأنها ستين، في انتظار تحليل الـ"دي أن أيه"، وهذه ليست نكتة، فقد بادرت صحفية على تلفزيون فلسطين في ساعات الظهيرة ان سألت مسؤولا في وزارة التربية مقدمة بذلك تبريرا لهذا التأخير، فرد عليها ان هذا من مسؤولية وزارة الصحة، وقال اب احدى الطفلات المصابات من شعفاط، ان الطبيب والممرض كان يصرخ في وجوههم عندما ذهبوا للاستفسار عن ابنائهم، متناسين ان هؤلاء فلذات اكباد..!!

التبريرات ازاء القصورات من الشرطة والصحة والاسعاف والمدرسة والاعلام والتربية ستتواصل، وكلما تواصلت، اعرفوا ان الفاجعة التالية في الطريق.

* كاتب صحفي فلسطيني يقيم في مخيم الدهيشة- بيت لحم. - hamdifarraj@yahoo.com

http://www.miftah.org