صراع 'حماس' الداخلي
بقلم: حمادة فراعنة
2012/2/20

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13493

وضوح لا لبس فيه كشف محمود الزهار، عن حجم الخلاف السياسي الذي يجتاح حركة حماس ومضمونه، في أعقاب سلسلة التطورات التي تجتاح فلسطين بشكل خاص والعالم العربي بشكل عام في ظل ثورة الربيع العربي التي استفاد منها بشكل أخص التنظيم الأكثر نفوذاً والأقدم تأسيساً والأقدر على حرية المناورة، العابر للحدود حركة الإخوان المسلمين، الذي يشكل المرجعية السياسية والفكرية والحزبية لحركة حماس ولمحمود الزهار.

فلسطين برمتها، وفي تشكيلاتها السياسية الحزبية، تقف عاجزةً أمام تفوّق العدو الإسرائيلي محلياً والمسنود بقوة الولايات المتحدة ونفوذها دولياً، وكلاهما يقف عاجزاً، فتح وحماس، لا طريق المفاوضات العلنية ذات جدوى، ولا من يقولون بالمقاومة، كلاهما غير قادر على جعل الاحتلال مكلفاً، لا هذا ولا ذاك، لا الذي يتحرك بقرار من الاحتلال في الضفة، ولا ذاك الذي يتحرك في نطاق الحصار المفروض على قطاع غزة، كلاهما يقبع تحت الاحتلال، أحدهما بوساطة الدبابات والآخر بوساطة الطائرات، وهوية السلاح واحدة هي 'جيش الدفاع الإسرائيلي'، الذي يُدمر الأخضر واليابس لتبقى إسرائيل سيدة الموقف في فلسطين بل وفي العالم العربي برمته.

كنا نشهد صراعاً فتحاوياً حمساوياً، تحت بصر الاحتلال ورغبته، وربما تتم تغذيته بوسائل استخبارية، والآن نشهد صراعاً حمساوياً حمساوياً، قد يتواصل، وقد يكبر وقد يصغر وفق مسار الأحداث، يقولها محمود الزهار علناً 'هناك خلاف واضح، لكن ليس هناك انشقاق' وينفي وجود خلاف بين الداخل والخارج ولكنه يعترف ويصر ويؤكد أن 'حماس غزة لم تتم استشارتها وهي التي تمثل الثقل الحقيقي لحركة حماس' كما يقول هو ذلك حرفياً تعقيباً على إعلان الدوحة الموقع يوم 5 شباط، ولذلك يخلص إلى النتيجة بقوله 'هذا غير مقبول'.

إذن، نحن أمام مشهد سياسي حزبي مضطرب، متوتر، محتقن، يحتاج لمعالجة، وهذا لن يتم إلاّ في النطاق الحزبي الداخلي، لأن حركة حماس أمام استحقاقات ومراجعة، بعد أن توصلت حركة الإخوان المسلمين لتفاهمات تكاد تكون معلنة مع الولايات المتحدة الأميركية حول مجمل أوضاعها ودورها في المنطقة العربية باستثناء فلسطين ودور حركة حماس فيها، حيث ما زالت هذه القضية معلقةً وخلافيةً، ولهذا يرى مكتب الإرشاد القيادي المركزي للإخوان المسلمين، ضرورة مشاركة حماس في مؤسسات الشرعية الفلسطينية، مؤسسات منظمة التحرير، ومن خلالها تستطيع نيل الشرعية بعد أن فشلت طوال حياتها في تحقيق هدفين أولاً أن تكون بديلاً لمنظمة التحرير، وثانياً أن تكون نداً لشرعية المنظمة أو تتقاسم معها الشرعية، ولذلك عليها أن تدخل الشرعية ومن خلالها، من خلال مؤسساتها تحصل على ما تريد، وعلى ما تتطلع إليه، ولهذا ثمن يجب دفعه، وهو ما فعله خالد مشعل المطل على المشهد السياسي وعلى تفاصيل الوقائع والأحداث والاستحقاقات، فوافق على دخول المنظمة دون شروط مسبقة وجلس إلى طاولة الرئيس أبو مازن مثله مثل جميل شحادة وصالح رأفت وطلال ناجي، ونسي قصة الـ 40 بالمائة والجلوس الندي في مواجهة الرئيس محمود عباس، وهي حصيلة تم استهجانها من قبل جماعة غزة الذين لم تصلهم بعد استحقاقات نجاح الإخوان المسلمين في المغرب وتونس ومصر وتفاهماتهم مع الأميركيين الذين عبروا عنها بإعلانهم العلني عن احترامهم للاتفاقات الدولية بما فيها اتفاقية كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية، مع احتفاظهم بحق مراجعتها إذا خالفت المصالح الوطنية المصرية.

الصراع الداخلي في حركة حماس، ليس اجتهادا أو تعبيراً عن رؤية فردية قادها خالد مشعل، وتصدى لها محمود الزهار، بل هو صراع بين نهجين ورؤيتين للتعامل مع الأحداث ومع المستجدات، وما عبر عنه الزهار قول صحيح عندما يقول إن الثقل الحقيقي لحركة حماس هو قطاع غزة أي الداخل وليس الجاليات الفلسطينية في العالم، وهناك قطاع واسع من القيادات لم يفهم بعد درسين من التاريخ الفلسطيني، وكلاهما يُسجل للرئيس الراحل ياسر عرفات.

الأول: حينما اصطدمت منظمة التحرير مع الموقف الأردني بشأن التمثيل الفلسطيني، حين لجأ ياسر عرفات قبل قمة الرباط عام 1974 للشخصيات الفلسطينية بالداخل المحتل لممثلي الضفة والقدس والقطاع محمد ملحم وفهد القواسمي وعبد الجواد صالح وبسام الشكعة وسميحة خليل وحنا ناصر وسليمان النجاب وحصل منهم على وثيقة 106 شخصيات، السياسية والنقابية والاجتماعية، وقدم مذكرتهم الموقعة لقمة الرباط والتي أكدوا فيها ومن خلالها أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، فما كان من القمة العربية إلا أن تجاوبت مع صلابة موقف هذه الشخصيات وصدر القرار العربي بحق المنظمة في تمثيل شعبها.

والدرس الثاني: حين نقل ياسر عرفات الموضوع الفلسطيني من المنفى إلى الوطن بعد اتفاق أوسلو 1993، حيث لم يعد الوطن الفلسطيني ساحة من ساحات النضال أو الصراع، بل هو ساحة الصراع وساحة النضال ولا ساحة غيره، ولم يعد المنفى هو المكان الذي تجري في فضاءاته الإبداع والانتصار ودفع الأثمان، بل أرض الوطن بأدوات الشعب وصدوره العارية إلا من الإيمان بأهمية الوطن والولاء له والإخلاص لمتطلبات استقلاله وحرية شعبه، وتحول المنفى برمته إلى ساحات جانبية عملها يتركز على دعم وصمود الشعب على أرض الوطن ومواصلة نضاله وبناء مؤسساته في حضن الوطن ومن سواعد أبنائه ولخدمة شعبه، وهكذا يجب أن نفهم تصريحات محمود الزهار، ليس باعتبارها معبرة عن وجهة نظره فقط، بل هي تعبير موضوعي عن أن أغلبية الشعب الفلسطيني وقياداته وحركته الوطنية هي على أرض الوطن وصراعه مع عدوه هو على الوطن وأرضه واستقلاله.

http://www.miftah.org