مشكلة كهرباء غزة أبعد من الضوء
بقلم: د.سفيان أبو زايدة
2012/2/22

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13499

رغم ان مشكلة الكهرباء في غزة عمرها سنوات، لكنها لم تكن يوما بنفس الحدة كما هي اليوم. لم يشعر اهل غزة بهذة الدرجة من الكآبة و الاحباط كما يشعروا خلال هذه الايام. في السابق و منذ سنوات تأقلم الناس على انقطاع التيار لثمانية ساعات متواصلة، كانت مقبولة الى حدا ما، برمجوا حياتهم وفق برنامج شركة الكهرباء و استعانوا بالمولدات الصغيرة المنتشرة تقريبا في معظم البيوت و المؤسسات للتخفيف من هذة المصيبة التي تزورهم كل يوم و احيانا كل ساعة.

هذه الايام استفحلت المشكلة بعد ان توقفت محطة الطاقة عن العمل نهائيا في ظل انعدام السولار، اما المولادات الصغيرة التي استعان بها الناس سابقا فقد تحولت الى جثث هامدة بلا حراك في ظل النقص شبه التام في المحروقات لتغرق غزة و منذ اسبوعين في ظلام دامس ليعيش الناس في حالة من القهر و الاحباط دون ان يكون هناك تفسير واضح و مقنع، بعيدا عن الاتهامات و التخلي عن المسؤليات، يعطي اجابات واضحة ووعود قاطعة بأن هذا الظلام الدامس سيزول قريبا.

اهل غزة لم يعد مهم لديهم كثيرا من المسؤول عن مشكلة الكهرباء، الحكومة المقالة ام الحكومة المستقيلة، سلطة فتح وفياض ام سلطة حماس. لم يعد مهما ان يستمع الناس الى رواية كل طرف، من وجهة نظر الغالبية العظمى فلتذهب كل الروايات الى الجحيم و لتأتي بدل منها الكهرباء بشكل مستديم.

على الرغم من ذلك، و لان الهدف من التطرق الى هذه المشكلة ليس تقييم كل طرف من الاطراف ذات العلاقة او تحميل المسؤولية لهذة الجهة او تلك، من الضروري محاولة فهم مشكلة الكهرباء ضمن سياق متصل مع مشكلة غزة بشكل عام. ما يحدث في موضوع الكهرباء من تعقيدات غير فنية و غير مادية هو جزء من التعقيدات التي لها علاقة في التعاطي مع قطاع غزة من الناحية الاستراتيجية.

قصة غزة، حيث مشكلة الكهرباء ليس اكثر من فصل فيها، لها علاقة بثلاث استراتيجيات لثلاثة اطراف هم القيادة الفلسطينية، مصر و اسرائيل. لكل طرف حساباته المختلفة، كل طرف يحاول ان يرمي كتلة النار هذة من بين يدية بما يخدم مصالحة كيفما يراها.

اولا: الاستراتيجية المصرية

منذ نكبة فلسطين وقضية غزة هي جزء من الاستراتيجية المصرية التي تعتبر ان غزة هي جزء من فلسطين و يجب ان تبقى كذلك من الناحيتين السياسة و الادارية الى ان تتم اللحمة الجغرافية بعد اقامة الدولة الفلسطينية. استرتيجية مبنية على اساس ان غزة ما زالت تخضع للاحتلال الاسرائيلي الفعلي حتى بعد ان انسحبت اسرائيل من داخل القطاع وفككت المستوطنات، و ان اي محاولة لسلخ غزة عن بقية فلسطين او اعفاء اسرائيل من مسؤلياتها تجاه غزة او اي خطوة من شأنها ان تُفسر على ان مصر هي المسؤولة عن حياة الناس هو امر يتناقض مع الاستراتيجية المصرية.

لذلك، تحاول مصر ان توازن بين هذة الاستراتيجية و بين الاحتياجات الانسانية للناس. عندما فرضت اسرائيل حصارا مشددا عل غزة بعد خطف شاليط لم تفتح مصر المعابر التجارية، لكنها سمحت بدخول ليس فقط المواد الغذائية بل كل شيئ تقريبا من خلال الانفاق. من يعتقد ان الانفاق كانت رغم انف الجانب المصري ، خاصة فيما يتعلق بالنواحي الانسانية فهو مخطئ، و الدليل على ذلك الازمة الاخيرة في انقطاع المحروقات حدثت بعد ان كان هناك قرارا مصريا بوقفها.

قصة الكهرباء التي ساهمت مصر في التخفيف من حدتها بعد ان فرضت اسرائيل حصارا على غزة بعد خطف شاليط من خلال تزويد غزة بسبعة عشر ميغاوات يمكن حلها من الناحية الفنية بكل سهولة اذا كان هناك قرارا سياسيا يأخذ بعين الاعتبار الاستراتيجية المصرية بأن لا تُلقى مشكلة غزة ككل في احضانها. هذا الامر ينطبق ايضا على المعبر التجاري و كذلك معبر المسافرين الذي اذل الناس اكثر مما ذلهم الاحتلال و الانقسام معا.

ثانيا: الاستراتيجية الاسرائيلية

مشكة غزة بالنسبة للاسرائيليين ربما تؤرقهم اكثر من مشكلتهم مع ايران. الاستراتيجية الاسرائيلية و منذ سنوات تجاه غزة هي التخلي عن اي مسؤولية تجاه السكان و القاء المسؤولية على اي جهة او طرف سواء كان فلسطيني او عربي او حتى دولي بشرط ان يحفظ لها امنها. لم يعد لاسرائيل اطماع استعمارية في غزة، لان الاسرائيلي ما يهمة هو الارض، و غزة لم يعد بها ارض يمكن ان تقام عليها مستوطنات، كانوا هناك وهربوا.

منذ ذلك الحين تسعى اسرائيل للانفصال التام عن القطاع. لذلك انسحبت من الشريط الحدودي بين غزة و مصر رغم كل ما يحمل ذلك من مخاطر بالنسبة لهم . ذهبوا الى الامم المتحدة ليبلغوهم ان اسرائيل لم تعد هناك وهي غير مسؤولة عن اي شيئ، الامم المتحدة قالت لهم غير صحيح لانكم ما زلتم تسيطرون على سماء غزة و حدودها البرية و البحرية و مازلتم تتحكمون حتى في الهواء الذي يتنفسة الناس.

المصلحة الاسرائيلية ان تفتح مصر كل المعابر و تأخذ على عاتقها توفير كل ما يلزم غزة من كهرباء و محروقات و كل الاحتياجات الاخرى، لكي تغلق هي من جانبها كل المعابر و المنافذ و تعلن التخلي التام عن مسؤولياتها الانسانية مع الاحتفاظ بسيطرتها الجوية و البرية و البحرية.

ثالثا: الاستراتيجية الفلسطينية

في الوقت الذي يوجد به رؤيا مصرية واضحة، خاصة لدى الجيش المصري ، وفي ظل وجود استرتيجية اسرائيلية مبنية على التخلص و التنصل من اي مسؤولية تجاه غزة ، من الصعب القول، و بكل الم و مرارة، ان هناك استراتيجية فلسطينية واحدة في ظل الانقسام الذي يأمل الجميع أن ينتهي بلا رجعة وبأسرع وقت.

على الرغم من ذلك، هناك قواسم ما زالت مشتركة بين الاطراف الفلسطينية المختلفة، او على الاقل يجب أن تكون كذلك، بأن اسرائيل طالما تحاصر غزة و تفصلها عن الضفة، و طالما الاحتلال الاسرائيلي ما زال قائما فأن المسؤولية الاولي تقع على عاتق اسرائيل في كل ما يتعلق بالجوانب القانونية و الانسانية. الامر الاخر ان غزة هي جزء لا يتجزء من الوطن و القضية و ان سلخها و عزلها بأي شكل من الاشكال و تحت اي مبرر كان هو تدمير للقضية الفلسطينية لان غزة ليست مجرد بقعة جغرافية و اكوام من البشر تصل نسبة البطالة لديهم الى 60% ، غزة بالنسبة للقضية و النضال و الهوية الفلسطينية هي اكبر من ذلك بكثير.

خلاصة القول، يجب ان لا يكون هناك تناقض في ايجاد التوازن المطلوب بين احتياجات الناس و التخفيف من معانياتهم بما يعزز صمودهم و بين البعد الاستراتيجي الذي يحافظ على غزة كجزء غير مفصول عن الوطن.

يجب اقناع الجانب المصري ان توفير الكهرباء لغزة و اهلها ليس بالضرورة يتناقض مع الاستراتيجية المصرية بعدم اعفاء اسرائيل من المسؤولية، و ان فتح معبر رفح على مدار الساعة كما يعمل مطار القاهرة و المعابر المصرية الاخرى ليس بالضرورة له علاقة بالامن القومي المصري او الاستراتيجية المصرية و لا يعفي اسرائيل من المسؤولية ايضا. و ان دخول البضائع من فوق الارض و بشكل رسمي افضل بكثير من دخوها عبر الانفاق و في كلا الحالتين لا يعفي اسرائيل ايضا من المسؤولية.

szaida212@yahoo.com

http://www.miftah.org