'بطل من هذا الزمان' خضر عدنان
بقلم: مهند عبد الحميد
2012/2/22

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13500

ستة وستون يوماً من المواجهة الضارية بين خضر عدنان المناضل من أجل الحرية والسلطة الأمنية الإسرائيلية. مواجهة غير متكافئة بكل المقاييس. سلطة الأمن بآلة قمعها المتجددة دوما، وبوسائلها الجديدة والقديمة، وبخبرات التعذيب والحرب النفسية، وبمنظومة قوانين عنصرية، وبنفاق النظام الدولي الصامت دوماً على انتهاكات الدولة المحتلة المتربعة فوق القانون. وفي الجهة الأخرى يقف خضر عدنان المناضل من أجل الحرية، المتسلح بإرادة وعزيمة مصممة على رفض المذلة والقهر والحط من الكرامة الانسانية، إرادة الصمود والظفر بالحرية، إرادة مستمدة من نضال وتضحيات وصمود شعب فلسطين، ومستمدة من تضامن أحرار العالم وفي مقدمتهم رفاق وشعب المناضل الايرلندي بوبي ساندز الذي سقط في معركة تحد مع الجلاد العنصري لكنه أسقط معه القبضة البوليسية الحديدية عن رفاقه المعتقلين وعن الشعب الايرلندي المناضل.

بدأ خضر عدنان معركة الإضراب في اليوم الأول وحيدا، ولكن ومع كل يوم مضى كبر جيش المناضلين من أجل الحرية، مخترقا حواجز التنظيم، والتنظيمات، مستعيدا وحدة الشعب على هدف كبير هو الحرية، حرية خضر ورفاقه وإخوانه وأخواته، حرية الوطن والشعب. هكذا انتقلت قضية خضر من مبادرة فردية بطولية فائقة الشجاعة، إلى قضية مناضلين من أجل الحرية، الى قضية شعب ينشد الخلاص من أبشع أنواع الاحتلال، الى قضية الحرية التي جذبت أحرار العالم للدفاع عنها.

خضر عدنان، بطل من هذا الزمان، أقرن الأقوال بالفعل، وزعزع عجرفة القوة، كنا بحاجة لهذا الصنف من المناضلين الشجعان الذي أعطى كل شيء بتفان منقطع النظير. كنا بحاجة لخضر عدنان ليذكرنا بعناصر القوة الهائلة المعطلة، وبأشكال النضال التي تجسد تفوق الشعوب الأخلاقي والإنساني في مواجهة المحتلين والمستعمرين.

اعتقدت دولة الاحتلال أنها بإذلال المناضلين وبالحط من كرامتهم وبترهيبهم تستطيع أن تكسر إرادتهم وتنال من عزيمتهم وتخضعهم، توطئة لاخضاع الشعب الذي يقف من خلفهم. لهذا السبب صعدت حكومة الاحتلال من قمعها وتضييقها على المعتقلين خلال السنوات الأخيرة، فسلبت منهم كل الانجازات السابقة التي انتزعوها بنضالهم الدؤوب وبتضحياتهم الغالية، وفرضت عليهم قيودا أشد كمنع الزيارات والعزل الانفرادي وعمليات الإذلال والحط من الكرامة الانسانية التي كان آخرها، "قيام أحد المحققين الإسرائيليين بالدوس على ذقن المناضل خضر عدنان بقدمه. وكان الرد على هذا الاعتداء السافر إعلان المناضل الاضراب المفتوح عن الطعام، تحت شعار " كرامتي أغلى من الطعام".

غير ان معركة خضر كانت في الأساس حول الاعتقال الإداري التعسفي الذي اتبع بحقه وبحق اكثر من 300 معتقل إداري آخر. وكان خضر قد اعتقل تسع مرات بينها ثلاث اعتقالات إدارية. الاعتقال الإداري الذي أجيز استثناء في القانون الدولي كحالة شاذة او كوسيلة أخيرة تستهدف منع خطر يهدد حياة شعب ولا يمكن إحباطه بوسائل أقل سوءا. الطارئ والاستثناء تستخدمه سلطات الاحتلال بشكل تعسفي وغير مبرر. بل لقد أصبح الاعتقال الإداري هو اللعبة المفضلة لدى السلطة الأمنية الإسرائيلية، التي تفننت في دعمه بمجموعة قوانين أخرى. كقانون صلاحيات الطوارئ الموروث من عهد الانتداب البريطاني الذي يجيز لوزير "الدفاع" اعتقال اشخاص إداريا لمدة نصف عام قابلة للتمديد بدون تحديد او تقييد عدد مرات التمديد. واستصدرت السلطات الأمنية عام 2002 "قانون سجن المقاتلين غير القانونيين" الذي ينزع عن المقاتلين الفلسطينيين مكانة أسرى الحرب، ولا تنطبق عليهم اتفاقيات جنيف. وجرى تعديل القانون في العام 2008 بحيث يتيح الاعتقال المستمر بدون محاكمة للكثيرين. القوانين الاسرائيلية متناقضة مع القانون الدولي الذي يمنع اعتقال الإنسان او سجنه تعسفياً، والذي ينص على ضرورة إعلام المعتقل بأسباب الاعتقال بخصوص كل تهمة منسوبة له. وفي حالة الطوارئ يجب على الدولة المعنية إبلاغ السكرتير العام للأمم المتحدة بكل انتقاص او مس بالقانون مع تبرير ذلك بالاستناد لنصوص القانون. وفي الوقت ذاته تخضع إجراءات الدولة لرقابة وفحص لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. الحكومة الإسرائيلية تتلاعب بالقانون وتستصدر قوانين عسكرية بمرجعية أكثر القوانين انحطاطا ورجعية التي تعود لمرحلة الاستعمار البريطاني لفلسطين.

دائما تتذرع السلطات الامنية بأهداف واهية كالحفاظ على سرية الأدلة او الادعاء بعدم كفاية الأدلة، للتنصل من مهمة تقديم المتهمين للمحاكمة، وتحويل قضاياهم الى لغز. في قضية خضر عدنان تدعي السلطات الامنية ان لديها ملفاً سرياً لا ترغب بالإفصاح عنه. ورغم الإضراب المفتوح الذي دخل يومه السادس والستين الذي أعلنه المناضل خضر والخطر الجدي الذي يهدد حياته بشكل غير مسبوق لا تزال الحكومة الإسرائيلية متمسكة بموقفها وروايتها المتهافتة. ولم تكترث ايضا لمناشدة منظمات حقوق الانسان الدولية (الهيئة الدولية للصليب الأحمر، وهيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، وأطباء من اجل حقوق الإنسان، ومركز كارتر ومنظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والإسرائيلية) المطالبة بالإفراج عن المناضل المعتقل أو إخضاعه للمحاكمة والسماح له ولمحاميه بالدفاع عنه.

لقد خسرت الحكومة الإسرائيلية الجولة وبدت جعبتها خاوية وفارغة إلا من الادعاءات. وظهرت أمام العالم مفلسة إنسانياً وسياسياً وأخلاقياً. في كل ساعة إضافية تمر على إضراب المناضل المتفاني خضر عدنان تخسر الحكومة الإسرائيلية الكثير. في كل ساعة إضراب ينضم متضامنون جدد مع حرية خضر والأسرى وفلسطين. في كل ساعة إضراب جديدة تتوطد وحدة الشعب والوطن في النضال ضد الاحتلال والعنصرية.

بدأت أشكال من التضامن والنضال في كل مدينة وبلدة ومخيم، وفي العديد من العواصم، بدأ النضال من داخل السجون. مبادرات فردية وجماعية مواقف رسمية وشعبية كلها في الاتجاه الصحيح. بعضها مرتجل وبعضها يأتي كرد فعل وهذا يستدعي اعتماد مرجعيات تخطط وتقدم المبادرات وتشرف على تنظيم العملية وتطويرها بعد ان تحول خضر الى رمز وبطل من هذا الزمان، وتحولت قضية حرية الأسرى إلى حرية الشعب الفلسطيني من ابشع أنواع الاحتلال الكولينيالي. لقد فتح المناضل خضر عدنان الستارة عن مشهد جديد وصعدت الى جانبه جموع على خشبة بطول وعرض الوطن.

http://www.miftah.org