مزايدات سياسية
بقلم: حمادة فراعنة
2012/2/23

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13505

مزايدة شعبوية لا قيمة لها في المعايير السياسية العملية، تلك التي قالها وسلكها وعبّر عنها رئيس الوزراء الفلسطيني السابق النائب إسماعيل هنية، بقوله إن 'فلسطين وقف إسلامي لا يجوز لأحد التنازل عن شبر منها، وإن المصالحة الفلسطينية يجب ألا تكون على حساب الثوابت والمبادئ' وهو قول قديم من قدم القضية الفلسطينية سبق أن قالته جدتي قبل وفاتها وحث عليه والدي قبل رحيله حينما التقى الرئيس الراحل ياسر عرفات وهو يقلدني 'وسام القدس' بحضور الراحل عبد الله الحوراني الذي ذكّر أبو عمار بضرورة الاستماع لصوت اللاجئين المتمسكين بحق العودة وتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني.

تصريحات إسماعيل هنية، تتقدم التصريحات، لأنها تستهدف المزايدة على بعض قيادات حركة حماس وتعكس التفاوت والصراع قبيل الانتخابات الداخلية للمكتب السياسي ومجلس الشورى في شهر أيار المقبل، ويمكن تلخيص دوافع هنية في سببين:

أولهما: لأن خالد مشعل سلك طريق الحوار مع الرئيس محمود عباس، ووقع على وثيقة المصالحة التي أعدها الوسيط المصري، وصولاً نحو الشراكة في إطار منظمة التحرير مع مختلف الفصائل والقوى الفلسطينية العاملة والفاعلة، وهو خيار يشكل مكسباً لحركة حماس بعد فشلها في أن تكون البديل لمنظمة التحرير أو الند لها، خلال السنوات الخمس الماضية، أي منذ الانقلاب في حزيران 2007، وجاءتها النصيحة من مركز قرار حركة الإخوان المسلمين وقيادتها، بأن لا شرعية يمكن أن تحصل عليها حماس وهي خارج مؤسسات منظمة التحرير أي خارج الشرعية الرسمية الفلسطينية، وهي النصيحة نفسها التي سمعها خالد مشعل من قطر وتركيا، ولولاها لما تم استقباله في عمان التي رفضت استقبال أي من رموز الانقلاب طوال السنوات الخمس الماضية وخاصة هنية والزهار، ورفضت استقبال مشعل نفسه حتى وقع على وثيقة المصالحة يوم 4/5/2011 وجلس إلى طاولة القيادة الفلسطينية برئاسة أبو مازن يوم 22/11/2011.

وثانيهما: لأن تطلعات إسماعيل هنية تسعى نحو المنافسة على موقعي المراقب العام لحركة الإخوان المسلمين الفلسطينية وعلى رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس، بعد انتهاء ولاية خالد مشعل الذي عبر عن عدم رغبته في الترشح مرة أخرى، فأراد إسماعيل هنية ركوب موجة التطرف اللفظي والمزايدة الكلامية، لأنه لن يدفع ثمن تصريحاته، بل إنها ستضعه في موقع الصقر السياسي بما يلبي رغبة وتطلعات العناصر المتنفذة على الأرض في قطاع غزة والمشدودين إلى رفض المصالحة لأنها ستُعيق مصالحهم ونفوذهم ومصادر تمويلهم التي توفرها الأنفاق والتهريب لهم.

إسماعيل هنية يفتقد للمهنية السياسية، مثلما يفتقد للمقومات القيادية، فقد قاد قطاع غزة ضعيفاً، وفشل في توسيع قاعدة حكومته الحزبية الضيقة مما يُشير إلى أنه شخص يفتقد للكفاءة وشخصية غير جامعة لا تجيد تأطير الناس وتنظيم صفوفهم وتوطيدهم، ويبدو أن هذا هو سبب عدم تصفيته على أيدي الإسرائيليين كما حصل مع الشهداء من قادة حماس أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي والعشرات، فوجدوا فيه شخصية ضعيفة، بدلالة عدم نجاحه ليكون عضواً فاعلاً في المكتب السياسي لحركة حماس، بينما الأشداء في مواجهة الإسرائيليين، وفي تنظيم صفوف شعبهم وحركتهم السياسية التنظيمية، حرص الإسرائيليون على التخلص منهم وتصفيتهم مبكراً، قبل وأثناء اجتياحهم قطاع غزة في أواخر 2008 أوائل 2009.

إمكانات إسماعيل هنية متواضعة وخبراته كذلك، وعلاقاته محدودة، وهذا أثّر على تكوينه وسلوكه ومواقفه، وها هي زياراته خارج فلسطين ستفتح آفاق التعلم واتساع الأفق، لعله يوظفها لخدمة حركته السياسية وانتمائه الحزبي، لا أن تدفعه للعمل لتقويض ما تم التوصل إليه من نجاحات مهما بدت محدودة على صعيد العلاقات الفلسطينية الفلسطينية، بين فتح وحماس، وبين أبو مازن وخالد مشعل.

خالد مشعل لم يتغير، وكذلك أبو مازن، وحماس لم تتنازل لفتح، وفتح كذلك، ولكن المعطيات والظروف السياسية المستجدة هي التي تغيرت وفرضت نفسها، ليس فقط على خالد مشعل بل وعلى أبو مازن كذلك، على فتح مثلما هي على حماس، ولا أحد يستطيع التهرب من الاستحقاقات المطلوبة منه وعليه، بعد ثورة الربيع العربي، وبعد انسداد الأفق أمام الحركة الوطنية الفلسطينية برمتها، وفي مواجهة التفوق الإسرائيلي الملموس.

وحدة الشعب الفلسطيني القائمة على وحدة البرنامج السياسي والمؤسسة الواحدة الموحدة، والأداة الكفاحية المناسبة في وجه الاحتلال، هي السلاح المجرب فلسطينياً وعربياً وأممياً، ودونه لن يستطيع الشعب العربي الفلسطيني تحقيق تطلعاته وإنجاز حقوقه وانتصاره على العدو الإسرائيلي الصهيوني المتفوق، هذا ما يجب قوله، وهذا ما يجب فعله، وهذا ما يجب تعلمه والعمل به ومن خلاله.

h.faraneh@yahoo.com

http://www.miftah.org