أي ديمقراطية وأي إنتخابات فلسطينية؟!
بقلم: د.ناجي صادق شراب
2012/2/28

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13519

لعل الخطأ الذي وقع فيه الفلسطينيون أنهم لم يحددوا شكل الديمقراطية التي يسعون إليها، ويجاهدون في إقامتها عبر إنتخابات نزيهة وشفافة، وهم في الوقت الذي نجحوا فيه في تنظيم إنتخابات تشريعية ورئاسية إعترف كل المراقبين بنزاهتها ومصداقيتها، إلا أنهم فشلوا في قيام نظام سياسي ديمقراطي في الحالتين اللتين أجريت فيهما الإنتخابات.. الأولى والتي تمت في أعقاب توقيع إتفاقيات أوسلو، والتي بموجبها تم تأكيد سلطة "فتح" على كل السلطة الفلسطينية الرئاسية والتنفيذية والتشريعية، وهي بهذه النتيجة لم تقد إلى نظام حكم ديمقراطي تعددي، والإلتزام بدورية الإنتخابات، لأن تلك الإنتخابات الأولى إستمرت من عام 1996 إلى عام 2006، أي قد تم تجاوز مبدأ دورية الإنتخابات كأحد مبادئ الحكم الديمقراطي. والإنتخابات الثانية التي أجريت عام 2006 لم تؤد إلى قيام نظام حكم ديمقراطي، وهي التي جاءت بحركة "حماس" إلى السلطة بأغلبية كبيرة تؤهلها لتشكيل حكومة مطلقة، وبدلا من أن تؤدي هذه الإنتخابات إلى البحث عن صيغة للديمقراطية التوافقية والتشاركية خلقت أولا حالة من التصادم والتنازع حول السلطات بين السلطة الرئاسية، وبين سلطة رئيس الحكومة التي كانت برئاسة حركة "حماس" الفائزة في الإنتخابات، ولم يقتصر التصادم حول الصلاحيات والسلطات بين رأسي السلطة التنفيذية، بل التصادم والتنافر وهذا هو الأخطر بين البرنامجين السياسيين لكل منهما، فالحكومة تتمسك بالبرنامج السياسي الذي يؤكد على المقاومة وخصوصا المسلحة، والبرنامج السياسي للرئاسة والذى يركز على خيار المفاوضات والسلام. وقد أنتهى هذا التصادم إلى سيطرة "حماس" او الإنقلاب على السلطة والتي هي جوهرها وأساسها لتشكل حكومة منفصلة مستقلة في غزة، وهكذا بات للفلسطينيين حكومتان نقيضتان واحدة في الضفة والأخرى في غزة، وما تلا ذلك من تصادم ونزاع ثقافي وسياسي وإعلامي بينهما، وصل إلى حد التأصيل لثقافة التخوين والإقصاء والإستصال، وثقافة التشكيك في الشرعية السياسية..!!

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ان حالة الإنقسام السياسي قد تجاوزت مرحلة التفويض السياسي التي منحها الشعب عبر إنتخابات لا يشكك أحد في مصداقيتها.

المهم من كل هذا أن الإنتخابات وفي صورتها الثانية كانت أشد سلبية وكارثية على العمل على ترسيخ لنظام ديمقراطي أساسه وجوهره تبني برنامج سياسي توافقي تشارك فيه كل القوى السياسية ويعبر عن المصلحة الفلسطينية، ويكون بمثابة إطار ومرجعية سياسية ملزمة للجميع في أي إنتخابات قادمة.

محصلة هاتين العمليتين الإنتخابيتين فشل الديمقراطية الفلسطينية، اي الفشل في الإتفاق على نظام سياسي ديمقراطي يسمح للجميع بالمشاركة والمساهمة في عملية صنع القرار والسياسة العامة، وبدلا من تعددية سياسية ودورية للإنتخابات ساد شكل من الإستقطاب السياسي الجامد والمقيت بين قوتين سياسيتين متناحرتين متصادمتين.. وبدلا من سيادة مبدأ سيادة القانون وإحترام مبدأ الحقوق والعدالة السياسة والمساواة السياسية وتأكيد روح المواطنة الشاملة والواحدة سادت أنظمة حكم أمنية وسيلتها الإعتقال، وتكميم كل أشكال الحرية والممارسة السياسية الديمقراطية، وأرتفعت نسبة إنتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني، وفقد القضاء إستقلاليته. كل هذه المظاهر غير الديمقراطية تؤكد لنا أن الإنتخابات قد فشلت في الوصول إلى نظام حكم ديمقراطي، علما أن الوظيفة الأساسية للإنتخابات هي بناء وترسيخ أسس الحكم الديمقراطي.

واليوم يعود الفلسطينيون إلى التأكيد على العودة إلى الإنتخابات كوسيلة وأداة لمعالجة الكثير من السلبيات والنواقص التي خلقتها حالة الإنقسام السياسي التي تحولت إلى حالة بنيوية مركبة يصعب إستصال قيمها في إنتخابات واحدة. ولا خلاف على أهمية الإنتخابات ووظيفتها بعد مرحلة الإنقسام، وأول هذه الوظائف هلى يمكن إستعادة بعضا من قيم الثقافة الديمقراطية التي من أبرزها التسامح السياسي، والإعتراف بالآخر، والقبول بإدارة الخلافات في أطر من الديمقراطية السلمية البعيدة عن القوة، والوظيفة الأخرى التوصل إلى رؤية سياسية توافقية مشتركة بعيدا عن الرؤية التنظيمية لكل قوة أو تنظيم فلسطيني، وبناء منظومة من المؤسسات الملزمة البعيدة عن الشخصنة والفردانية وحتى التنظيمية.. هذه بعضا من الوظائف المطلوبة من الإنتخابات القادمة، فهي ليست كسابقتها ـ بل قد تكون أصعب بكثير لأنها تتم في أجواء من عدم الثقة، وسيادة ثقافة الرفض والقوة، وفي أعقاب بناء منظومتين أمنيتين متعارضتين في الرؤية والوظيفة الأمنية. وتبقى معضلة العلاقة بين السلطة السياسية والأذرع العسكرية لكل تنظيم، وهنا تبرز مشكلة القدرة على التوفيق بين معادلة السلطة الثلاثية: السياسية والأمنية والعسكرية.. كل هذه التحديات مطلوب من الإنتخابات الفلسطينية البحث عن حلول لها.

يبقى أن أشير أن ما يجب على الفلسطينيين البحث عنه ديمقراطية تتوائم والإحتلال الإسرائيلي، وهي خاصية لم تواجه أي من التجارب الأخرى في العالم.. فالديمقراطية كنظام متكامل تحتاج توافر دولة وسلطة كأملة، وفي الحالة الفلسطينية يوجد إحتلال وتوجد سلطة ناقصة غير متكاملة، وهنا ينبغي البحث عن شكل من الديمقراطية التي تتوافق وهذه الحالة، وبالتالي يحتاج الفلسطينيون إلى شكلين من الديمقراطية الأولى الإنتقالية والتي قد يتخلى فيها الفلسطينيون عن بعض مظاهر ومقومات الديمقراطية، والديمقراطية الكاملة وهي التي تبدأ بإنهاء الإحتلال، ومن هنا فإن أحد أهم وظائف الإنتخابات الفلسطينية ليس فقط بناء نظام ديمقراطي كفاحي، بل العمل على إنهاء الإحتلال، أي نريد إنتخابات تنهي الإحتلال الإسرائيلي وليس إنتخابات تعمل على ديمومته.

وحتى لا تتكرر نتائج الإنتخابات السابقة من سيطرة "فتح" في الأولى، و"حماس" في الثانية لا بد من التوافق على صيغة توافقية لتوزيع وإدارة السلطة بصرف النظر عن نتائج الإنتخابات طالما أننا نتكلم عن شكل من أشكال الديمقراطية الإنتقالية والتي يمكن تجاوز بعض النتائج الديمقراطية ولكن بالتوافق السياسي الديمقراطي، وأقصد بذلك ماذا لوفازت حركة "حماس" في الإنتخابات القادمة في مستوياتها الثلاث الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، هل نعود إلى الحالة السابقة من الصراع والتنازع والإنقسام؟ وهذا يتعارض مع الهدف الأساسي من الإنتخابات.

في هذا السياق يمكن التوافق على توزيع رئاسة السلطات الثلاث ليس فقط بين حركة "فتح" و"حماس" ولكن بين كل القوى السياسية الفلسطينية المشاركة في الإنتخابات، كأن تكون رئاسة المجلس الوطنى لـ"حماس" في حال فوزها أو حتى عدم فوزها، ورئاسة السلطة التشريعية لمن يفوز في الإنتخابات، والحكومة مثلا لحركة "فتح" أو بإئتلاف من كل القوى السياسية ومنظمة التحرير تكون رئاستها بالدورية السنوية.. والهدف من هذه التركيبة السياسية التي تحتاج إلى مزيد من الوضوح تتناسب والمرحلة الإنتقالية من الديمقراطية الفلسطينية والتي وظيفتها الرئيسة هي إنهاء الإحتلال ثم يأتي بعدها بناء نظام حكم ديمقراطي متكامل لكنه مستحيل بدون الشكل الأول من الديمقراطية الإنتقالية.

هذه مجرد رؤية شخصية تحتاج إلى مزيد من النقاش والحوار..!!

* استاذ العلوم السياسية في جامعة الآزهر- غزة. - drnagish@hotmail.com

http://www.miftah.org