جدوى الإقتراح القطري بالتوجه لمجلس الأمن بشأن القدس!!
بقلم: المحامي إبراهيم شعبان
2012/3/3

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13530

اقترح أمير قطر في مؤتمر الدوحة لنصرة مدينة القدس والذي عقد قبل أيام، أن يتم الطلب من مجلس الأمن الدولي تشكيل لجنة تحقيق دولية للتحقيق في الممارسات الإسرائيلية منذ عام 1967 في مدينة القدس العربية . وقد ثنى على الإقتراح الرئيس محمود عباس، وتبناه المؤتمر في بيانه الختامي. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد: هل القدس تنقصها القرارات الدولية ولجان التحقيق الدولية؟ وبكلمات أخرى ما مدى جدية هذا الإقتراح وفائدته إن خرج لحيز النور وأبصر الحياة؟

بدأت رحلة القضية الفلسطينية ومنها المقدسية مع الهيئة الرسمية الدولية الأولى (عصبة الأمم) منذ عام 1930، حينما قرر تشكيل لجنة تحقيق دولية في أحداث البراق لعام 1929. وقدمت تلك اللجنة المحايدة الموضوعية تقريرا ثمينا، قررت فيه أن حائط البراق ورصيفه ملك وقفي إسلامي خالص، وأن مرور اليهود فيه ليس حق ارتفاق قانوني، وإنما عادة قديمة قاد إليها التسامح الإسلامي ليس إلا. ورغم أن هذا القرار ترجم إلى تشريع انتدابي بريطاني إلزامي، وبقي مطبقا إلى عام 1948 أو بالأحرى إلى يومنا هذا حيث لم يصدر قانون آخر يلغيه، إلا نرى بأم أعيننا كيف عاثت الجرافات الإسرائيلية مسحا وتدميرا بحارة المغاربة بعيد حرب عام 1967 . ولعل موضوع الجسر الموصل لباب المغاربة وخطط البناء داخل ساحة البراق خير دليل على استهتار الحكومة الإسرائيلية بالقرارات ولجان التحقيق الدولية.

وقد يقول قائل، إن ما ذكر آنفا هو أمر قديم ويخص هيئة قديمة ماتت وانقرضت، ولا بد من النظر للمستقبل. ولو تم التوجه والنظر لهيئة الأمم المتحدة وهي الهيئة الرسمية الدولية العالمية الحالية والتي حلت محل عصبة الأمم البائدة، لوجدنا الوضع المقدسي والفلسطيني على رفوفها بشكل مزمن ولكنه غير فعال.

وكان التطرق الأول للأمم المتحدة بشأن القدس والقضية الفلسطينية من خلال الجمعية العامة، وتحديدا من خلال قرارا التقسيم رقم 181 وتدويل مدينة القدس. وجاء قرار التقسيم لفلسطين والتدويل للقدس في عام 1947، إثر تشكيل لجنة خاصة من الأمم المتحدة لدراسة الوضع في فلسطين، واقتراح الحلول الممكنة آخذة بعين الإعتبار المصالح الدينية الإسلامية واليهودية والمسيحية في فلسطين. وأيا كان الموقف من قرار التدويل والتقسيم آنذاك، فإن إسرائيل ترفض هذين القرارين جملة وتفصيلا هذه الأيام.

ويأتيك صوت قادم من بعيد يقول بأن الإقتراح القطري يقضي بعرض الوضوع على مجلس الأمن وليس الجمعية العامة للأمم المتحدة كما حصل في قرار التقسيم، فلا داعي للخلط. ومن المعروف بداهة، أن هناك فرقا بين الجمعية العامة ومجلس الأمن، من حيث العضوية والنصاب والوظيفة والإجتماع والتصويت والقرار وآثاره. ببساطة شديدة، فإن نتاج عمل الجمعية العامة تصدر في شكل توصيات Recommendations ،أما ما يقوم به مجلس الأمن فيأخذ صورة قرارات Decisions. لكن الأمر يبدو مختلفا برمته.

تراوحت قرارات مجلس الأمن بشأن القدس في عام 1948 بين دعوة لهدنة، أو منع لتخفيف الإضطرابات، أو وقف لإطلاق النار، أو المحافظة على الأماكن الدينية وتأمبن الحماية لها ، أوحرية العبادة، أونزع السلاح في القدس، كما حصل مع القرارات رقم 42 و43 و50 و 54 التي صدرت بتواريخ مختلفة عام 1948. وكلها قرارات خرقت في وقتها أو فيما بعد من الجانب الإسرائيلي.

بعد عام 1967، كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة هي السباقة في المبادرة لتبني قرارات خاصة بالقدس، بينما تأخر كثيرا بل كثيرا جدا تبني مجلس الأمن أي قرار بشأن القدس. فقد أصدرت الجمعية العامة قرارها الأول رقم 2253 في الرابع من تموز/يولية 1967، بينما أصدر مجلس الأمن قراره الأول رقم 252 بشأن القدس بتاريخ 21 أيار/مايو 1968. ويجب أن نشير إلى أن قرار مجلس الأمن الشهير رقم 242 الذي صدر في 22/11/1967 لم يأت على ذكر مدينة القدس لا من قريب ولا من بعيد. ويجب أن نشير أيضا إلى أن مجلس الأمن في قراريه رقم 250 و 251 الهزيلين، طالب إسرائيل التوقف عن إقامة عرض عسكري في القدس عام 1968 .

على أية حال فإن أول قرار موضوعي لمجلس الأمن يخص القدس كان القرار رقم 252 في عام 1968 أي بعد عام ونيف على احتلال القدس. وقد أكد هذا القرار على السلام الدائم والعادل، وعلى رفض الإستيلاء على الأراضي بالغزو العسكري. واعتبر جميع الإجراءات الإدارية والتشريعية وجميغ الأعمال التي قامت بها إسرائيل في القدس باطلة ولاغية، بما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك، ولا يمكن لكل ذلك أن يغير الوضع القانوني لمدينة القدس. ودعا إسرائيل إلى الإمتناع عن القيام بأي عمل أو إجراء من شأنه أن يغير الوضع القانوني لمدينة القدس. وقد اتخذ القرار 252 بدون أي معارضة، فقد أيدته 13 دولة بما فيها ذات المقاعد الدائمة ما عدا أمريكا، وامتنعت كل من الولايات المتحدة وكندا عن التصويت، أي أن الولايات المتحدة لم تستعمل حق النقض- الفيتو، وبالتالي تم تبني القرار.

وتلا قرار رقم 252 الخاص بالقدس قرارت أخرى كثيرة، نذكر منها القرار رقم 267 الصادر بتاريخ 3/07/1969 حيث أعاد التأكيد على القرار رقم 252 ومضمونه. وجاء قراره رقم 271 في 15/09/1969 ردا على إحراق المسجد الأقصى على يد الأسترالي مايكل دينيس روهان. ودعا إسرائيل فيه إلى تطبيق اتفاقيات جنيف الأربع، والإعتراف بالمجلس الإسلامي وخططه في صيانة وإصلاح الأماكن الدينية الإسلامية. ثم جاء القرار رقم 298 في 25/09/1971 الذي أيد القرارات السابقة ولم يعترف بالتغييرات الإسرائيلية الجارية في مدينة القدس بل اعتبرها باطلة، حتى أن هذا القرار الأخير اتخذ بموافقة الولايات المتحدة وليس امتناعها، ومعارضة سوريا بحجة أن القرار ضعيف ولا يرتقي لمستوى الحدث.

هذا النهج الأممي في مجلس الأمن والذي عبر عنه بقرارات متعاقبة، بدأ بالتراجع منذ عام 1995. فقد نقضت الولايات المتحدة الأمريكية مثلا مشاريع قرارات قدمت لمجلس الأمن في 17/05/1995،و 7/03/1997، و 21/03/1997، والتي دعت لتأكيد عدم شرعية استيلاء إسرائيل كدولة محتلة على الأرض الفلسطينية في القدس الشرقية، والتوقف عن عملية الإستيلاء على العقارات المقدسية في الحاضر والمستقبل، وأن عملها يعتبر خرقا لإتفاقية جنيف الرابعة. ويجب أن نشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية آثرت نقض هذه القرارات الهشة والمكررة مع أنها كانت قد قبلت قرارات مشابهة، رغم اقترانها بفقرات جديدة تدعو إلى المفاوضات والتسوية السياسية . واستمرت الولايات المتحدة في تبني هذا النهج الجديد وطلقت النهج القديم. وغدت قرارات مجلس الأمن الأخيرة خطيرة وتدعو لوقف أعمال التحريض والإرهاب والعنف والتدمير وأخذ الحاجات الأمنية الإسرائيلية بعين الإعتبار، وإدانة أعمال العنف التي تجري في كل الأماكن المقدسة بشكل مطلق وبغض النظر عن الفاعل وعن السبب وعن المحتل، كما بين القراران رقم 1322 و 1544 .

وإذا نظرنا لجميع قرارات مجلس الأمن الصادرة بشأن القدس منذ بداياتها وحنى اليوم، لوجدناها تخلو من الربط بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالجزاءات الدولية. في حين أن أكثر من ثمانية عشر قرارا قد صدر عن مجلس الأمن بشأن الغزو العراقي للكويت، وجميعها مربوطة بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة . بل أنشئت لجنة لوضع الجزاءات ودراستها ووضعها موضع التنفيذ. وهذا ما جرى فعلا وفعليا.

ويبدو أن سمو أمير قطر من المؤمنين أن الجمعية العامة للأمم المتحدة ما هي إلا صراخ لا يخلق آثارا قانونية، أما مجلس الأمن فقراراته ملزمة للمجتمع الدولي. ومن هنا اختار التوجه لمجلس الأمن وليس الجمعية العامة من أجل استصدار قرار تشكيل لجنة تحقيق في ممارسات إسرائيل في المديتة المقدسة. ولا يبدو أن القرارات الخاصة بالقدس السابقة لمجلس الأمن قد دخلت زمن النسيان ولكن الأمير القطري راغب في تأكيدها بعد أن علاها الغبار والصدأ.

ليست بضعة من القرارات الخاصة بالقدس بل مجموعة، ولكنها عاجزة عن التطبيق بل مشلولة بسبب التعنت الإسرائيلي والرفض الإسرائيلي وبسبب عدم الربط بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. فقد رفضت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على الدوام وبإصرار عجيب وغريب، استقبال أية لجنة تحقيق دولية في شأن فلسطيني أو مقدسي أو عربي أو إسلامي أو تركي وحتى أمريكي. فقد رفضت استقبال اليهودي غولد ستون ولجنته بشأن الهجوم على غزة، ورفضت استقبال البروفسور ريتشارد فولك اليهودي كمندوب عن الأمين العام للأمم المتحدة للتحقيق في قضايا حقوق الإنسان، ورفضت لجنة التحقيق الدولية في أحداث السفينة التركية مرمرة، ورفضت لجنة التحقيق في مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، ورفضت التحقيق في أحداث مخيم جنين، بل رفضت التحقيق في أحداث سفينة التجسس الأمريكية ليبرتي عام 1967 والتي أسفرت عن عشرات القتلى الأمريكيين. أضف أن إسرائيل ترفض السماح بانتظام منذ عام 1970 وحتى اليوم للجنة الدائمة لحقوق الشعب الفلسطيني التي أنشأتها الأمم المتحدة للتحقيق في الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة ومنها القدس.

بعد كل هذا التاريخ المستمر الأسود لإسرائيل في رفضها للجان التحقيق في ممارساتها بالقدس والأراضي المحتلة،هل هناك ذرة أمل في قبول وتنفيذ إسرائيل لمثل هذا القرار الأممي الصادر عن مجلس الأمن لو نجح، وتخطى الفيتو الأمريكي المتوقع في سنة الإنتخابات الأمريكية. أغلب الظن أن هذا مجرد سراب.

وإذا ما قدر لهذا الإقتراح أن يخرج إلى حيز النور، فليرفق بالربط بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إذا لم تقم إسرائيل بالسماح للجنة دولية بالدخول لإجراء تحقيق في ممارساتها بالشأن المقدسي الفلسطيني. ولعلي أضيف إليه طلبا يقضي بالتوجه لمحكمة العدل الدولية في هولندا، بطلب رأي استشاري حول الممارسات الإسرائيلية بشأن حقوق الإنسان الفلسطيني في القدس الشرقية.

لقد عوملت قرارات مجلس الأمن التي تخص القدس باستهتار وإهمال شديدين، بينما عوملت ذات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والخاصة بنزاعات دولية أخرى معاملة مختلفة وباحترام أكبر. ونظرة واحدة على قرارات مجلس الأمن الخاصة بجنوب أفريقيا والعراق وكوريا ويوغسلافيا تؤكد عدم تساوي هذه القرارات من الناحية التنفيذية، ويجب تحويلها إلى قرارات تنفيذية عملية.

وأخيرا كان بود القارئين لبيان الدوحة، أن يرددوا دعوة قكرية لكافة القوى الإقليمية والإسلامية والأوروبية والأمريكية لمقاطعة ثقافية واقتصادية وسياسية ودبلوماسية وسياحية وتكنولوجية لإسرائيل ورجالاتها ومنشآتها وبضائعها في شتى المحافل، تماما كما حدث مع جنوب أفريقيا ومن أدمن قرع الباب لا بد من أن يفتح له وإن ظلام العالم كله لا يستطيع إطفاء نور شمعة.

* الكاتب محاضر في القانون في جامعة القدس ورئيس مجلس الإسكان الفلسطيني. - ibrahim_shaban@hotmail.com

http://www.miftah.org