ماذا نريد من مؤتمر نقابة الصحفيين الفلسطينيين؟!
بقلم: عاطف سعد
2012/3/7

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13551

بداية أرى أن حال نقابة الصحفيين في شباط 2012 هو غير حالها قبل سنتين. وقد حصل تغيير نسبي يمكن البناء عليه بفضل إلتزام الهيئة الإنتقالية التي تم إنتخابها في مؤتمر شباط 2010 بغربلة العضوية من ناحية وإقرار نظام للنقابة. كما يسجل للأمانة العامة الحالية قيامها بتوثيق العلاقات الدولية والعربية للنقابة و بانشطة وفعاليات تضامنية تسجل لها في ميزان الإيجابيات.

ومن الإيجابيات المرحب بها أيضا، أن مفهوم "نقابة مهنية مستقلة" بات يلقى تفهما وتأييدا في أوساط فصائل وطنية وسياسية مكونه لمنظمة التحرير. ولعل أسطع دليل على ذلك أن الذين أُوكلوا بترتيب القوائم المنافسة هم من زملاء وزميلات المهنة وهؤلاء أسموا قوائمهم المتنافسة بالمهنية. بل وأكثر من ذلك، حيث إتجه حزب الشعب لدعم مفهوم مهنية النقابة وإستقلاليتها دون الإشتراط بأن يكون له حصة مضمونة في أي قائمة تخوض الإنتخابات، كما قامت الحكومة المقالة في غزة بإعادة مقر النقابة للذين كانوا قائمين عليها، قبل الإنقسام، ما يعني إرسال إشارة إيجابية من حركة حماس تفيد بأنها لن تعطل إرادة الصحفيين بإختيار ممثليهم للدورة المقبلة (2012-2015).

ما ذكرته أعلاه هو خطوات مهمة تيسر إنعقاد المؤتمر العام للنقابة يومي التاسع والعاشر من آذار. وآمل أن تصب توجهات وقرارات المؤتمر في دعم وإسناد مشروع مهننة وإستقلالية نقابة الصحفيين. وهي خطوات يمكن إستكمالها إذا ما تم التحقق من عدم تكرار الأخطاء والتجاوزات التي شابت مؤتمر شباط 2010. وهي أخطاء بلغت مستوى الخطايا مثل عدم التحقق من عضوية المشاركين في المؤتمر والطرح الفهلوي للتقرير المالي والإداري للهيئة السابقة، والذي لم يتم مناقشته وفق أبسط الأصول النقابية.

إن أهم توجه أتطلع بأن يخرج به مؤتمر النقابة هو إستعادة الهيبة لمهنة الصحافة والعاملين بها. وتعني الهيبة المهنية، برأيي، جدية الممارسة من قبل الصحفي/ة ومصداقيتها لدى جمهور المتلقين للرسالة الإعلامية. وفي حال نجحت الرسالة الإعلامية بإجتذاب ثقة الجمهور تتحقق هيبة الصحفي/ة.

إن ثقة الجمهور بالصحفي/ة وحكمه على رسالته/ا، يشكلان في نهاية المطاف مصدر القوة والتأثير للمرسل/ة. والجمهور المتلقي يريد ومن حقه الحصول على مادة متعوب عليها بمعايير الدقة والحيادية والمسؤولية. وبالتالي تصبح الهيبة المهنية في موقعها الصحيح وتيسر لمزاول المهنة ممارسة دوره أو دورها في متابعة وظيفة "السلطة الرابعة" فلا تكون تابعة لأي من السلطات الثلاث، أو خانعة لمدير بيروقراطي جل ما يتطلع إليه هو رضى المسؤولين عنه أو لمحرر كسول ينتظر الحصول على تقاعد مريح. كما تعني هيبة الصحفي/ةأيضا الأجر الكريم والمعقول، لا نصف الأجر. وهي لا تعني الصحفي العامل في وسائل إعلام محلية فحسب، إنها تعني أيضا الزملاء والزميلات العاملين في وسائل إعلام عربية وأجنبية.

آمل أن يُخول المؤتمر القادم الهيئة المقبلة التي سينتخبها على وضع أجندة أولويات تُعنى بمسح أجور العاملين في سوق العمل و بالإعلاميين الشباب وبإجتذاب الإعلاميين المحترفين والمخضرمين.

ويمكن لهذه الهيئة أن تقوم بإجراء دراسة أو مسحا اوليا عن حجم العاملين بالقطعة الإخبارية في وكالات الأنباء الأجنبية والقنوات الفضائية العاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة: كم هم؟ ما هو مستوى أجورهم؟ ما هي نوعية عقود العمل التي يُفرض عليهم توقيعها؟ وما هو المرجع القضائي لهذه العقود؟ هل هو قانون العمل الفلسطيني؟ أم قوانين أخرى؟ وهل هي محاكم عمل محلية أم خارجية؟ وما هو حال الخريجين والخريجات من كليات الإعلام؟ كم يعمل منهم وبأي أجور؟ أين هم؟ وهل يعملون بشهاداتهم؟ ولماذا هي عديدة المؤسسات المحلية، ولا أقول الأجنبية، التي لا تولي الإهتمام بشهادات الإعلام التي تصدرها جامعاتنا المحلية؟

ما أكتبه هنا ليس مجرد مطالب عامة تقال وتصلح لكل فصول السنة. أو مجرد رمي حِمل على القيادة النقابية المقبلة. إنها خلاصة ملاحظات ميدانية و خلاصة تجربة شخصية في مهنة المتاعب مضى عليها بعض الزمن. إن إستعادة الهيبة للعاملين الأعضاء في المهنة يعني ربحا صافيا للمنظمة النقابية وسمعتها ومكانتها في المجتمع فتستعيد ثقة كثيرين من الإعلاميين المرموقين غير المنضوين فيعودوا للإنضواء في صفوفها فيتعزز دورها أكثر. كما تضمن الهيبة المهنية، جودة المادة الإعلامية المرسلة. لأنه لا يعقل تقبل ما نلمسه يوميا من تخبطات وقلة مصداقية في الأداء الصحفي المحلي التي تتكرر للأسف لأنه لا توجد مراقبة منهجية تضبط العمل الرديئ وتحاسب عليه. وأعتقد أن نقابة الصحفيين هي المرجعية الشرعية للمساءلة والمحاسبة ولتكون العنوان الذي يلجأ إليه من يريد التقدم بشكوى بحق من يستخف بجودة المادة الإعلامية المحلية. تماما مثلما تقوم نقابة الأطباء بضبط تصرفات أي طبيب عضو يخالف الإلتزام بأصول المهنة! مثل هذه الضوابط تعيد الهيبة للمهنة وترد لنا جمهورنا الذي بات يستقي معظم معلوماته، كما تفيد إستطلاعات رأي موثوقة، من وسائل إعلام عربية أو أجنبية، فنتخلص بذلك من وضعية المشاهد الواحد والمستمع الواحد والقارئ الواحد. وهذا من واجبات النقابة على صعيد الإرتقاء بمستوى المهنة.

إن وضعية الصحافي الحر ،المهني والمستقل يشبه وضعية الحصوة غير المرئية Unnoticed Stone التي تجعل من يمشي عليها، يتعثر قليلا فيعيد النظر بمشيته. يعرض الحقيقة حتى وإن كانت لاذعة!

جميعنا يتذكر موقف الرئيس الراحل ياسر عرفات مع الشاعر سميح القاسم، عندما قال له،"لا تغضب منا يا ابو عمار اذا ما انتقدناك" فرد عليه الرئيس بحركة مفاجئة حيث طلب من أحد حراسه أن يأتيه بمسدسه ليقدمه للشاعر ويقول له ،"لك الحق بأن تقومني بهذا!"

إن "مهننة النقابة" مشروع يقوي المنظمة ولا يضعفها. إن مسؤولية منظمة التحرير وواجبها حيال نقابة الصحفيين هي بتوفير الحماية لمزاولة عملها وعمل أعضائها لا الوصاية عليها وعليهم؛ لأن ما يميز نقابة الصحفيين، عن باقي زميلاتها من النقابات المهنية الأخرى، هو أنها ترتبط ارتباطا وثيقا بمبادئ تعنى بالحريات العامة والدمقراطية وبناء الرأي العام والرقابة على عمل القطاعين العام والخاص في الأراضي الفلسطينية.

وبإمكان فصائل العمل الوطني والسياسي من داخل وخارج منظمة التحرير، ومن مصلحتهم أن يدعموا مشروع إصلاح نقابة الصحفيين، كنقابة وطنية، مهنية ومستقلة. إنه مشروع دمقراطي بإمتياز. يقوم على مبدا الإختيار الحر للأعضاء ممن تنطبق عليهم شروط العضوية، يصلح برأيي، ليشكل سابقة، يمكن إعتمادها لإصلاح المؤسسات النقابية والشعبية المنضوية في إطار منظمة التحرير.

* صحافي فلسطيني من مدينة نابلس. - atefsaed@hotmail.com

http://www.miftah.org