هل يمنع تشكيل الحكومة المؤقتة 'نعوة' اتفاق المصالحة الأخير وملحقاته؟
بقلم: صادق الشافعي
2012/3/31

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13615

تبدو الاتهامات المتبادلة بين حركة حماس وحركة فتح أو السلطة الوطنية في الأيام الأخيرة على خلفية أزمة الوقود وانقطاع الكهرباء في قطاع غزة وكأنها 'نعوة' لاتفاق المصالحة في طبعته وملحقاته الأخيرة.

جوهر اتهامات 'حماس' لـ'فتح' والسلطة الوطنية ـ كما تصر على عدم التفريق بينهما ـ يتركّز على اتهامين:

- الاتهام الأول، مسؤولية السلطة عن أزمة الوقود والكهرباء في غزة.

فقد اتهم القيادي في 'حماس' خليل الحية قيادات من السلطة بالمشاركة مع قيادات أميركية وإسرائيلية وأمنية عربية في بلورة خطة لخنق قطاع غزة وتشديد الحصار عليه. مؤكداً أن لدى حركته محاضر اجتماعات تثبت ذلك وأنها ستنشرها لاحقاً (لم ينشر أي محضر وبقي الاتهام كلاماً خطابياً مرسلاً)

مشير المصري أضاف: إن السلطة تورطت بشكل مباشر في أزمة الوقود والكهرباء التي تعانيها غزة من أجل فرض شروط الاستسلام على حركة حماس؛ كي تقبل بالاتفاقات الموقعة مع العدو الصهيوني. وأنها، أي السلطة، نهبت الأموال المخصصة لمحطة الكهرباء وحولتها إلى رواتب موظفيها في رام الله ووزرائها الفاسدين.

- الاتهام الثاني هو ما أعلنه خليل الحية من حصول حركته على تعميم داخلي يتضمن ما وصفها بفصول مؤامرة تحريض وبث إشاعات بهدف قلقلة الأوضاع، ويتضمن تعليمات بخروج مسيرات تبدو عفوية يتلوها عصيان مدني لإسقاط حكم حماس (يا الله، المنطق نفسه، وحتى تعبيرات الأنظمة نفسها في الرد على أي تحركات شعبية ضد حكمها).

يمكن للبعض أن يفسر اتهامات حماس بأنها لإبراء الذات من الفشل في حل الأزمة ورميها على أكتاف السلطة. ويمكن ملاحظة أنها خرجت فقط عن قيادات حماس في الداخل ولم يشارك فيها أي قيادي من الخارج، بما يعيد إلى الأذهان الحديث عن مشكلة الداخل والخارج فيها، وعن رفض قيادات الداخل المصالحة كلها.

من جهتها، نفت حركة فتح وعلى لسان الناطق الرسمي باسمها السيد عساف في برنامج 'حكي على المكشوف' صحة اتهامات 'حماس' المشار إليها. واتهمتها في المقابل بأنها:

- تتحمل المسؤولية الكاملة عن أزمة الوقود والكهرباء الأخيرة في القطاع، فهي ومنذ سنوات، تشتري المحروقات من مصر بسعر مخفض ومدعوم وتوصله إلى المواطن بأعلى من السعر العالمي. وأنها راكمت من وراء ذلك ثروات كبيرة لها وللتجار المحسوبين عليها.

- أنها تمنع محطات الوقود ومخازنه من بيع الوقود أو الإقرار بوجوده على الرغم من توافره بكميات كافية؛ حتى تخلق أزمة تستغلها لأغراض سياسية وتحقيق أرباح خيالية.

ثم أعاد طرح ما كان أعلنه رئيس الوزراء السيد فياض بشكل صريح حول:

- عدم تسديد حركة حماس بوصفها حكومة الأمر الواقع في غزة إلى السلطة ما تحصّله فعلاً من المستهلكين في القطاع من أثمان الكهرباء التي تشتريها السلطة، لصالح القطاع من إسرائيل وتدفع ثمنها.

- موضوع المقاصة، وهي بمئات الملايين سنوياً، حيث ترفض 'حماس' تسليم فواتير مشتريات غزة من إسرائيل إلى السلطة لتجري المقاصة عليها مع إسرائيل وتستعيد قيمة الضريبة المضافة، فتحرم بذلك منها السلطة وتوفرها على إسرائيل.

الاتهامات كبيرة وخطيرة تصل إلى التشكيك الوطني والمس باحتياجات الناس الحيوية والتربح من عذاباتهم. وهي اتهامات لو حصلت في الأوضاع العادية فإنها تستدعي التحقيق على أعلى المستويات، وقد تسقط وزارات وتدفع بوزراء ومسؤولين إلى السجون.

لكن غياب المجلس التشريعي المنوط به المساءلة والحساب والعقاب، وحضور سطوة الانقسام وقوانينه بديلاً عنه، يبقيان الأمور في مجال رمي الاتهامات الجزافية والمرسلة لخدمة أهداف وأجندات سياسية.

ويبقى المواطن، ومعه الوطن، هو من يدفع كل الثمن.

الأكيد أن طريقة معالجة الانقسام وتحقيق المصالحة التي استمرت سنوات والقائمة على اللقاءات والحوارات والوساطات ثم الاتفاقات قد انتهت صلاحيتها، وأن الأمر أصبح يتطلب طرقاً جديدةً، بدلاً من الاستكانة والتعايش مع واقع الانقسام إلى فلسطين الشمالية وفلسطين الجنوبية وانتظار المجهول.

وفي هذا المجال يمكن طرح تساؤل: أليس من المفيد والملائم أن يقوم الرئيس أبو مازن بتشكيل حكومة الكفاءات المستقلة المؤقتة مستفيداً من وجود اتفاق شامل عليها وعلى طبيعتها ومهامها، لم يتراجع عنه أي طرف حتى الآن؟ وأن يصدر بعد ذلك مباشرة مرسوم الدعوة إلى الانتخابات العامة؟

إن ربط تشكيل الحكومة بتوافر الإجراءات والترتيبات الضرورية للانتخابات بما يؤشر إلى الجدية والالتزام، هو الفكرة السليمة لجهة المبدأ والمسؤولية، والتي أخذت مداها الكافي. لكن مع وصول الوضع إلى ما وصل إليه فإن معالجته أصبحت تحتاج إلى هزة.

وقد تفتح هذه الهزة الباب على تحركات جماهيرية ضاغطة ومؤثرة.

إن خطوة تشكيل الحكومة بقدر ما تبقي على بعض الحياة والأمل في الاتفاق الأخير، فإنها تضع الجميع أمام مسؤولياتهم كأمر واقع، وتكشف عن حقيقة موقف أي طرف بعيداً عن المناورات والادعاءات والتلطي وراء النصوص العامة الخالية من أي ترجمة عملية. وهي توحد الشرعية على مستوى رئاسة الوزارة وتنهي، رسمياً على الأقل، وجود حكومتين، وتفتح الباب لانتخابات تعطي الشرعية ووحدة الحكم لمن يفوز، وتشكل المدخل الصحيح لإعادة ترتيب وتنظيم أمورنا كلها على قاعدتي الوحدة والديمقراطية.

http://www.miftah.org