من سيحارب عن غزة؟
بقلم: ناجي صادق شراب
2012/4/3

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13622

في البداية لا بد من القول إن “إسرائيل” نجحت في أن تحوّل العلاقة مع المقاومة الفلسطينية في غزة إلى شكل من أشكال الحرب، وهذا ما ينبغي أن تدركه المقاومة، وهو ليس في مصلحتها، فالمقاومة ليست مجرد إطلاق صاروخ، واستدراج “إسرائيل” إلى مواجهة عسكرية شاملة نتائجها وتداعياتها على الشعب الفلسطيني في غزة ستكون كبيرة . فالمقاومة الحقيقية هي مواجهة شعب بما يملك من إرادة مقاومة ورفض للاحتلال على المواجهة المباشرة، لذلك كانت الانتفاضة الأولى أرقى أشكال المقاومة الفلسطينية، وتعاملت معها “إسرائيل” بالوصول إلى اتفاقات أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية التي كانت الوسيلة التي نجحت فيها “إسرائيل” إلى احتواء المقاومة .

وإدراكاً من “إسرائيل” بأن المقاومة الحقيقية لا تستطيع أي قوة عسكرية أن تقف في وجهها، قامت بالانسحاب الأحادي من غزة، ولا شك أنه كان للمقاومة المباشرة دور كبير في ذلك، لكن الهدف الرئيس هو التخلص من المقاومة المباشرة . ونفس الصورة وإن كانت بدرجة أقل في الضفة الغربية . ونتيجة لذلك لم يبقَ أمام المقاومة إلا أحد هذه الخيارات: التهدئة الشاملة والمستمرة، وهو خيار مستبعد ويتناقض مع منطق الصراع مع المحتل “الإسرائيلي”، وخيار التصعيد العسكري المحسوب، وأيضاً هو خيار مستبعد لأنه لا يمكن السيطرة والتحكم في عملية التصعيد العسكري المنخفض، والخيار الثالث المواجهة والحرب الشاملة وهو خيار مرتفع، وليس في مصلحة المقاومة .

وهنا تبرز أكثر من ملاحظة: الأولى أن خيار الحروب هو خيار دول، وخيار جيوش مسلحة بكل أنواع الأسلحة المتقدمة والمتطورة، والثانية أن نتيجة الحروب غالباً ما تكون صفرية، صعب إن يفرض طرف هزيمة كاملة على الآخر، والثالثة أن الحرب قد تتحول إلى احتلال أرض الغير، وهنا تبرز المقاومة .

الملاحظة الرابعة أن الحروب تبقى قصيرة خصوصاً أن الحروب طويلة الأمد لم تعد قائمة اليوم لأسباب كثيرة منها تطور اسلحة الدمار الشامل، وكثافة حجم الخسائر، والتدخلات الدولية، وأخيراً كلفة الحروب التي لم تعد الدول قادرة على تحملها، وهذا ينطبق على الحالة الفلسطينية إذ إن خيار الحرب مكلف وخارج عن قدرة المقاومة، لضعف الموارد والإمكانات المتاحة . والملاحظة الأخيرة أن المقاومة ليست مجرد مواجهة قصيرة وتنتهي من دون هدف سياسي وإلا تحولت إلى مقاومة عقيمة . المقاومة ترتبط بقدرتها على إنهاء الاحتلال ، وهذا مقياس نجاح أي مقاومة . فالمقاومة وسيلة وليست غاية في حد ذاتها . وقوة المقاومة في الدعم الدولي وتعاطف شعوب العالم حتى من داخل الدولة المحتلة، وهذا قد تحقق في الانتفاضة الأولى . وترتبط بالمقاومة ملاحظة أخرى مهمة جداً هي أن المقاومة قد تفقد كل رصيد إذا ابتعدت في أسلوبها وآلياتها المشروعة والإنسانية .

ماذا لو شنت “إسرائيل” حرباً جديدة على غزة؟ هل سنرى دولاً تسيّر جيوشها وتعلن الحرب إلى جانب غزة؟ ومن هذه الدول؟ هذه الدول أحصرها في ثلاث بشكل مباشر: الدول العربية وخصوصاً دول الجوار مثل مصر والأردن، والثانية تركيا، والثالثة إيران . ولا دولة من هذه الدول يمكن أن تحارب نيابة عن غزة لسبب بسيط وبديهي هو أن فلسطين بشكل عام وغزة بشكل خاص لا تشكل مكوناً رئيساً لمفهوم المصلحة القومية لأي منها . فالدول العربية منشغلة بقضاياها الداخلية، أما إيران فهي تدعم من بعيد وفقاً لمصالحها، ولا تشكل فلسطين قضية أمن قومي بالنسبة لها، هي تريد أن تملك قدرات نووية، وأن تصبح دولة مركزية ولها مناطق نفوذ إقليمية، وأما تركيا فأيضاً تحكمها عوامل داخلية وأوروبية ودولية، وهدفها أن تصبح دولة إقليمية مركزية وقوية تؤثر بها في علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولذلك غزة ليست مكوناً أساسياً من مكونات الأمن القومي التركي . لهذه الأسباب لا أحد سيحارب عن غزة، وهذا ما ينبغي أن يكون مفهوماً على المستوى الفلسطيني، وعلى مستوى المقاومة الفلسطينية .

http://www.miftah.org