هناء وجريمة إبعادها
بقلم: أمجد عرار
2012/4/3

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13623

أخيراً وبعد أربعة وأربعين يوماً من الإضراب البطولي عن الطعام، فرضت “إسرائيل” على الأسيرة المناضلة هناء شلبي جريمة الإبعاد القسري إلى قطاع غزة . وقبل أن نبحر في دلالات هذا المآل لمعركة هناء مع الاحتلال والجوع، لا بد من التذكير أنه في الظروف الطبيعية والاختيارية، تكون زيارة غزة أو الإقامة فيها مبعثاً للسعادة والفخر، إذ إن هذه البقعة الصغيرة التي لا تكاد ترى على الخريطة سجلت مآثر وسطرت صفحات من المجد والصمود والمقاومة، وقدّمت لمسيرة الفلسطينيين نحو الحرية والاستقلال نماذج يباهون بها العالم . لكن السَفَر طوعاً إلى أرض الأشواك متعة، فيما النفي القسري إلى أرض السمن والعسل اعتداء على الحرية ومصادرة لحق الإنسان بالاختيار .

هذا الكيان يزعم بمناسبة ومن دون مناسبة أنه واحة الديمقراطية وسط غابة من الاستبداد . يسوق هذه المزاعم وهو أبشع احتلال في التاريخ، ولا يصدّقه سوى أقرانه وشبيهيه من الاحتلالات المعاصرة ، مثلما لا تشبه سجونه إلا سجونها الممتدة من أبو غريب إلى غوانتانامو مروراً بالسجون السرية في بعض دول أوروبا فاقدة السيادة والكرامة .

هذا الاحتلال كان “ديمقراطياً” جداً مع هناء شلبي، فلم يجبرها على الموت جوعاً، وأصلاً هو يدعي أنه لم يجبرها على خوض معركة الإضراب عن الطعام . هذا صحيح، هو لا يجبر أسيراً على الإضراب عن الطعام أو الزيارة، لكنّه يضعه في ظروف ينعدم فيها الفرق بين الحياة والموت، فهو يدرك أن الكرامة والعزة والإباء بالنسبة إلى الأسير الفلسطيني تساوي الحياة نفسها، ولحماية هذه الثلاثية يختار هذا الأسير طريق النضال وشعاره “نعم لآلام الجوع . . ألف لا لآلام الركوع” .

الاحتلال إذاً لم يكن دكتاتورياً مع هناء، بل خيّرها بين الموت جوعاً أو قبول الإبعاد إلى غزة، وهي اختارت الإبعاد لسببين، أولهما أنها انتصرت على الاعتقال الإداري استكمالاً لزميلها الأسطوري خضر عدنان الذي سطّر ملحمة تاريخية بإضرابه عن الطعام ستة وستين يوماً، وثانياً لأنها آثرت الحياة التي تعني بالنسبة إليها مزيداً من العمر الذي يعني مزيداً من النضال ضد هذا الاحتلال . هي تعلم أن هذا الخيار أيضاً له مداه الزمني وقد يكون مصيرها كمصير الشهيد محمود حنني الذي أبعده الاحتلال إلى غزة بعد تحرره في صفقة التبادل الأخيرة، لكنّه عاد واغتاله مع رفيقه الشهيد زهير القيسي .

في هذا الوجه المقروء من المشهد، أرد على رسالة المناضلة هناء إن كل شرفاء الأمة وأحرار العالم يتفهّمون موقفك البطولي في قراري الإضراب ووقفه، بل يعتبرون أن العشرين كيلوغراماً التي فقدها جسمك النحيل تعوّض أطنان الكرامة التي فقدها المتفرجون عليك وأنت تذوين تحت وطأة الجوع من دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء السؤال “فماذا نحن فاعلون؟” .

لكن في الوجه الآخر نقرأ خسّة ونذالة عالم الدجل والنفاق وكل من يصدّق شعاراته الفارغة عن الحرية والعدل والديمقراطية وعن دعمه الكذّاب لحرية الشعوب . ولن يكون قرار إبعاد هناء سوى واحد من الأدلة الدامغة على عقم مكاييلهم في التعامل مع قضايا الشعوب مثلما يتعاملون مع البورصة والسندات المالية التي نهبوها من جيوب شعوبهم وغذّوا بجزء منها عملاءهم وحروب فتنهم و”إسرائيل” .

كل قوانين الأرض والسماء تعتبر إبعاد الإنسان عن مكان سكنه من دون أن يرتكب جريمة، هو بحد ذاته جريمة حرب، لكن القائمين على هذه القوانين يوقفون تنفيذها إذا كان الفاعل المجرم “إسرائيل”، فهذه المدجّجة بالطائرات والصواريخ والترسانة النووية دخلت في تفاوض مع أسيرة مضربة عن الطعام منذ أربعة وأربعين يوماً لكي تخرج الجريمة على شكل اتفاق .

لا عليك هناء . . ولا عليك فلسطين إن لم تحظي بعد مئة عام من النضال بما تستحقين .

http://www.miftah.org