لأن عليها ما يستحق الحياة ...!
بقلم: أكرم عطا الله
2012/4/3

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13625

هيا نتوسد كما كل عام ألم الحنين إلى الأرض في يوم الأرض ..إلى هناك إلى حيفا ويافا وعكا والجليل ، وكل القرى والوديان والمنحدرات التي تخفي ظلنا الساكن هناك، وتشي رائحتها بنا حين يمر الراحلون في فصول التاريخ المزيف والممهور ببساطير العسكر ووجع الاقتلاع والتشرد ووطأة الغربة عن المدن البعيدة والقريبة إلى الروح .

في يوم الأرض يسافر قطار الذكريات بعيدا هناك إلى الحنين لكل شبر وكل رصيف يحمل غبارنا ، وكل موجة تنكسر دوننا ،وإلى كل الذين كانت الأرض ألحان نايهم العازف طويلا بليل العزبة وكلماتهم التي لا زالت تترنم في كل الأودية والسفوح ... محمود درويش وتوفيق زياد وتوفيق طوبي وكل الذين كتبوا أغنية الأرض في دفاترهم ،وعلى مقاعد الدراسة وتغنوا بها في الشوارع والحارات والشهداء في هذا الطريق الطويل الذين جعلوها فاتحتهم وسفر تكوينهم حين كتبوا سطر النهاية في رواية الوطن بالدم الذي جسد تاريخنا في هذه الملحمة الطويلة كما جلجامش .

في يوم الأرض تتفتح الأسئلة على الذاكرة المثقلة بالتاريخ والحالمة بجغرافيا كل قرية أخذت عهدا بالدم من ساكنيها قبل الرحيل لتوقعه معهم ولم يعودوا بعد ، فقد أورثوا أحفادهم جينات الإصرار على السير في الطريق المزروع بالأشواك لكنه يحمل رائحة الحرية ، أكتب وأمامي صورة جثمان مسجي لأحد الأحفاد الذي لم يكمل الثامنة عشر بعد الشهيد محمود زقوت سقط في الطريق نحو الوطن حين كان يبحث قرب الجدار الشمالي لغزة عما تحمله الريح من رائحة الأرض الوصية ، لينضم إلى هذا الرتل الطويل الذي كان يكفي لهز الضمير العالمي حد الإفاقة .

لم تقم قيامة الوطن بعد وقد طالت حياة اللجوء وطال معها الطابور الطويل الأكثر حزنا في هذه التراجيديا الإنسانية، فالأوطان لا تنسى لأنها تعشش في القلب والعقل ،وللمدن هناك حضن يشبه الأمهات ،وللشوارع قصص متخيلة وروايات لم تكتب بعد ونزوات أحلام مؤجلة إلى حين... يحرقنا الحنين حين نكتشف قسوة حكم القدر بفك ارتباطها معنا رغما عنا وحرماننا حتى من رؤيتها علها بأضعف الإيمان تخفف من هذا الحنين ، كيف لا أكون الآن في يافا حاضرة أحلامي وكاتمة أسرار نزواتي وحيفا التي تحتضن تاريخي وكل المدن المعلقة على جدار القلب كلما عبر الدم من هناك أيقظ سبات الوجع الطويل بإدمانها ، تسافر العواطف دوما إلى المدن البعيدة في الحلم الطويل حين ننام على وسادة آلامنا وانعدام الكهرباء لتنير سماء ذكرياتها وشواطئها اليتيمة عتمة ليل غزة الطويل المجبول بقسوة السياسة والأمن وانعدام أبسط الأشياء حد التعاسة لترحل الذاكرة إلى مدن فيها من فائض السعادة ما يكفي لأن تبتسم كل نساء الكون ،فنهرب من غزة نحو حيفا ويافا من الواقع نحو الحلم في محاولة للتحايل على الذات المطحونة بالقهر من احتلال يغرس أنيابه حد العظم ، ونظامنا السياسي الذي يغرس بؤسه في الصراع على السلطة وترف الحكم حد العظم أيضا ،وتلك قصة تضيف على أكياس الملح التي يحملها هذا الشعب على ظهره ما لا يحتمله من عبث القادة ولعبة الانقسام والتقاسم وتقسيم ما تبقى من أرض كان يجب أن تشكل رافعا لاستعادة ما ضاع لتضيع بين رغباتهم أو لوطنية زائدة أو زائفة سقطت عند أول مفترق للسلطة .

يوم الأرض يحمل الذكرى ويحمل الفكرة أيضا ، ذكرى الإرادة وتحدي الصدور للرصاص أولئك الذين سقطوا في الطريق إلى الصعود خلف أنبيائهم وأقسموا بكسرة الخبز المجبولة بعذاب عقود من القبض على جمرة الوطن وانكسار الآباء نحو ذلك الرابض في سخنين الذي يشهد على العهد بالحرية ويشهد على الجريمة التي تتكرر يوميا على مرأى ومسمع من العالم ، وقفوا أمام الرصاص حين أعلن الغاصب المفتوحة شهيته دوما لسرقة الأرض عن مصادرة أرضهم ، وها هو يفعلها يوميا في الضفة الغربية ويزرعها بسرطان المستوطنات ولا زال العالم يتلكأ ولا زالت الولايات المتحدة دولة " العدالة والحرية " تقف بكل إمكانياتها حلف مشروع الاستيطان دون خجل أو دون أي حساب لا لقوة عربية ولا لإسلامية أيضا سواء في خريف العرب أو حتى ربيعهم أيضا .

مسيرة الزحف العالمية نحو فلسطين انتهت للاشيء .. وكان يوم الأرض يوم الربيع الفلسطيني لكان متأخر ، في بالنا إذا لم يبدأ هذا الربيع بعد ، والخوف أكثر أن يستمر الخريف طويلا بطول هذا الاحتلال الذي عاش الماضي كابوس الزحف الفلسطيني وتفتح زهور ربيعه ، وبعد أن انغلقت الأبواب في وجه المشروع فلا مفاوضات ولا مقاومة لم يبق سوى أن تأخذ الناس مشروعها الوطني الذي يتآكل بيدها وأن تزحف فيما لن يتمكن الاحتلال من الوقوف أمامها وهزيمة جيشه أمام إرادة الحرية وقد أصدر التاريخ حكمه غير القابل للاستئناف بأنه لم ينتصر المحتل على الشعوب المقهورة ، وفي كل معركة من معارك التاريخ كان المحتل يطوي هزيمته ويرحل فهل نحن استثناء ؟أم أن هناك خلل في إدارة الفلسطيني لمعركته؟ لتستمر كل هذا الزمن وكل هذا الدم الذي سال أنهارا !!

لأنها فلسطين بمدنها وقراها وشواطئها جديرة بكل الثمن المدفوع لأنها الأجمل وعليها كما قال شاعرها وكاتب شهادة ميلادها الجديد محمد درويش على هذه الأرض ما يستحق الحياة فليتحرك هذا الشعب زاحفا دفعة واحدة ليثبت للشعوب الأخرى أنه يستحق الحياة على هذه الأرض ...!

http://www.miftah.org