ومضة: الريادة..هل نحن أمام تقليعة جديدة؟
بقلم: د. صبري صيدم
2012/4/11

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13648

في سنوات خلت اجتاحت بعض المفاهيم حياتنا الفلسطينية بتساوق كبير مع أموال المانحين وأهوائهم، فانتقلنا من الحديث عن الديمقراطية إلى حقوق الإنسان وصولا إلى مفاهيم الحكم الرشيد وما بينهم مجتمعين من صيحات وتقليعات أهدرت فيها دولارات المانحين بين ورش عمل وجلسات للعصف الفكري ومؤتمرات لم تنته إلا مع انتهاء الأزمنة التي استلزمت استحضار هذه الموضوعات.

الوافد الجديد في حياتنا هو الريادة وهو المصطلح الذي لا يفهمه كثير من الناس فيشعرون بأنه أمر جديد يحاكي تطور التقنيات وعالم التكنولوجيا دون أن يعرفوا أننا مارسنا ونمارس الريادة في كل يوم، فتنطلق المشروعات الفردية والجماعية بمساهمات مالية تشاركية أو بفعل قروض مختلفة.

لكن عالم الريادة هذا وما غلف به من تنميق وتزويق استجلب ويستجلب اهتمام المانحين ومؤسساتنا على اختلافها حتى اتضح بأن هناك 74 مبادرة تتمحور حول الريادة اليوم في فلسطين!.

ومع قناعتي الذاتية بأن هذه الظاهرة إذا ما أحسنت إدارتها ستعود بفائدة عامة وستساهم في رعاية الإبداع لكن خارج نطاق الموضة والصيحات واجتذاب المال في إطار الشعارات البراقة وضياع هذا المال دون حسيب أو رقيب. الأمل هو أن تجتمع تلك المبادرات وتتكامل في عملها لا أن تصبح كما السياسة والفصائل مقسمة ومتناحرة.

إن عالم الإبداع اليوم يستوجب الاهتمام بالمبدعين أنفسهم معنويا ورياديا، فعندما طرح البعض أفكاره في عالم أفلام الخيال في الماضي ضحكنا عليه. وفي كل مرة جاء أحدهم بفكرة خاف الحديث عنها لاعتقاده أنها مدعاة لضحكنا ضحكنا عليه، لكن عندما فهمنا الفكرة تحركت عواطفنا فضحكنا معه، وعندما رأينا أننا بتنا فخورين به أردنا أن نضحك له حتى نشجعه.

المعركة اليوم وفي عالم الريادة القديم الحديث يجب أن تتمحور حول انتقالنا بمبدعينا أصحاب الأفكار المجنونة من الضحك عليهم إلى الضحك معهم إلى الضحك لهم حتى يصبحوا أكثر إبداعا وأكثر قدرة على كسر التقاليد للوصول الأسرع للإنجاز.

فالإبداع هو العملية التي نسعى من خلالها إلى تحسين مقومات الحياة وتطويرها باستحداث مكونات جديدة وهو العملية التي تتطلب المجازفة والتغيير وكسر الحواجز والإيمان بالذات وبقدرات أبنائنا الذين لا يستوجب عالم الريادة منهم أن يكونوا أصحاب مال أو جاه.

فأهم المبدعين تاريخيا لم يكونوا ممن امتلك الجاه أو المال فكثير منهم بدأ بالجامعة أو في كراج منزله كريتشارد برانسون صاحب شركات فيرجن، ومارك زوكربيرغ أحد مؤسسي الفيسبوك، وبيل جيتس نجم شركة مايكروسوفت، وأحمد زرويل، وفاروق الباز، وهم بدؤوا بالقرار والرؤية والحلم والإرادة.. نعم والبيئة الحاضنة ثم وصلوا إلى المال على أرضية أن البقاء للأفضل ولمن يحقق عوامل الاستدامة والقدرة على التغيير.

لهذا تخيلوا لو أن عالم الريادة الفلسطيني الجديد يستطيع أن يحقق التجانس والتكامل فيوفر حاجات كل المبدعين: مال، ومختبرات، وعلاقات عامة، وتسويق، لا شك عندها بأننا سنكون أمام تغيير اقتصادي وطني سره الإبداع.

الرسالة الأهم اليوم أنه وفي هذا العالم المجنون الذين نحتاج فيه مع ضيق الجغرافية وازدياد السكان إلى أن نجد حلولا خلاقة للبيئة والزراعة والغذاء والمال، وبالتالي لا مكان سوى لشيء واحد هو الإبداع لأن الحلول التقليدية ما عادت مجدية.

فلو أن البشرية تباطأت في عالم الحاسوب مثلا لما حلت كثير من مشاكلنا، اليوم لدينا في هاتفنا المحمول كل الإمكانيات الحوسبية التي وجدت على وجه الأرض قبل 5 أعوام . واليوم حاسوب واحد يعمل لعشرة آلاف ثانية لحل مشكلة بدولار واحد .. مقابل .. 10 آلاف حاسوب عملوا في الماضي لحل نفس المشكلة في الثانية الواحدة بالتكلفة ذاتها أي دولار واحد.

لذا لا بد لنا من إنقاذ 'موضة' الريادة من سقوطها في المسار الذي اعتلى سابقاتها من الموضات وإبعادها بالمطلق عن عالم التقليع حتى نمكن أبناءنا وأخوتنا من كسر حواجز التقليد وتحفيز أفكارهم الإبداعية المجنونة، فناسنا وأهلنا بعد طول إجهاد يبحثون عن التطبيق لا التقليع!.

http://www.miftah.org