إحتجاجات الصحافيين الفلسطينيين تدفع السلطة الى إعادة النظر في إجراءات مست الحريات العامة
بقلم: محمد دراغمة
2012/4/12

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13651

كان الصحافي طارق خميس (23 عاما) يجلس في مقر الملتقى التربوي في مدينة البيرة، حيث يعمل متطوعا، عندما دهم خمسة رجال أمن مكتبه قبل أيام، وإقتادوه الى مركز امني، واخضغوه لتحقيق دام أكثر من ثلاث ساعات.

وقال طارق الذي يعمل في موقع "زمن برس" الاخباري بان رجال الامن إقتادوه بخشونة من بين زملاءه، دون أن يعرفوه على انفسهم، أو أن يظهروا له اي مذكرة اعتقال وتوقيف.

وهناك، في المركز الامني، تعرض طارق لإستجواب حول عمله الصحافي، ومصادر دخله، وجرى فحص حاسوبه المحمول. وخلص طارق بعد انتهاء الاستجواب الى أن الإجراءات التي تعرض لها هدفت الى الوقوف على تحقيق صحافي كان يجريه حول الحراك الشبابي في فلسطين لصالح الموقع الاخباري الذي يعمل فيه.

وجاء توقيف طارق ضمن سلسلة عمليات توقيف واحتجاز واستجواب شملت صحافيين ومدونين ومعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي، ما جعل الكثيرين يعتبرونها انتهاكا صارخا للحريات الصحافية والعامة.

ومن بين من تعرضوا لإجراءات التوقيف والاستجواب منسق صفحة "الشعب يريد إنهاء الفساد" على موقع "فيس بوك" الناشط جمال ابو ريحان، والاعلامية عصمت عبد الخالق، والصحافي يوسف الشايب.

وجاء توقيف عبد الخالق والشايب بعد رفع قضايا حقوقية (قدح وذم) ضدهم من قبل شخصيات عامة وافراد.

وفي وقت سابق تعرض الصحافي في وكالة "وفا" الرسمية رامي سمارة للاحتجاز والاستجواب عدة ساعات على خلفيه كتابة تعليقات ساخرة ضد القيادة الفلسطينية على موقع "فيس بوك".

وطلب النائب العام توقيف الشايب وعبد الخالق مدة 15 يوما على ذمة التحقيق. وجرى اعتقالهما وتوقيفهما بعد ان صادقت المحكمة على الطلب.

وأثار التوقيف والاحتجاز والاستجواب الذي تعرض له الصحافيون والمدونون حملة احتجاجات واسعة، قادت الى إعادة دراسة الملفات، واتخاذ المحكمة قرارا جديدا قبلت فيه اعتراض محامي الشايب وعبد الخالف على التوقيف، واطلقت سراحهما، بعد أن أمضيا في السجن حوالي اسبوع.

وقال مدير شبكة "أمان" للنزاهة والشفافية في فلسطين الدكتور عزمي الشعيبي بان النائب العام "يبالغ في استخدام صلاحياته بهدف معاقبة المتهمين حتى قبل أن تدينهم المحكمة".

واضاف: "هناك أشخاص رفعت عليهم قضايا حقوقية، وهم موجودون في البلد، وليسوا خطرين، ولا يهددون الامن، ومع ذلك يصر النائب العام على اعتقالهم، وهذا يدل على انه يريد انزال عقوبة مسبقة بهم".

وقال الشعيبي ان النائب العام لجأ في التعامل مع الصحافيين الى قانون العقوبات الاردني لعام 1960 وهو قانون قديم، ولم تكن فيه الصحافة تتمتع بالحقوق التي تتمتع بها اليوم.

يشار الى أن المجلس التشريعي الفلسطيني بحث مشروع قانون عقوبات جديد. لكنه اوقف البحث بعد الانقسام الذي أسفر عن شل المجلس.

ووصلت الاحتجاجات على اجراءات النائب العام وأجهزة الامن الى الحكومة التي تحركت في الأيام القليلة الماضية لإحداث تغيير في الاجراءات التي يتعرض لها الصحافيون والمدونون اثناء المحاكمة.

وقال الدكتور غسان الخطيب مدير مكتب الصحافة الحكومي بان الحكومة تعمل مع الجهات المختصة مثل مجلس القضاء الاعلى والنيابة على صيغة تضمن ان يكون القضاء هو الجهة الوحيدة التي تتعامل مع الصحافيين.

وقال إن الاقتراح الذي قدمه رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض، وتبنته الحكومة ينص علي: لا إجراءات ضد الصحافي الا من خلال حكم قضائي".

وقال اللواء عدنان الضميري الناطق باسم الاجهزة الامنية بان هناك "اعادة نظر" في الطريقة التي تتعامل فيها اجهزة الامن مع الصحافيين.

وقال ان الاحتجاحات الاخيرة للصحافيين قادت الى نقاش واسع في المؤسسة الامنية. واضاف: "ما توصلنا اليه ان الاجراءات التنفيذية بحق الصحافيين والكتاب يجب ان تكون مختلفة عن تلك الاجراءات التي نقوم بها في قضايا مثل الاتهام بجريمة قتل وما شابه".

وأضاف: "نحن مؤسسة تتعلم من الاخطاء، وتتطور".

لكنه قال بان حق التقاضي مكفول مشيرا الى ان هناك قضايا رفعت في المحاكم ضد الرئيس والحكومة وقادة اجهزة امن.

وجاء توقيف ثلاثة من الصحافيين والمدونين بعد رفع دعاوي حقوقية بحقهم من قبل موظفين كبار وجهاز امني. فوزير الخارجية الدكتور رياض المالكي والسفير الفلسطيني في باريس هايل الفاهوم وزوجته رفعوا دعوى حقوقية ضد الصحافي يوسف الشايب بعد أن نشر تقرير في صحيفة "الغد" الاردنية حمل اتهامات بالفساد والتجسس بحق أركان السفارة الفلسطينية في باريس.

ورفع جهاز الامن الوقائي دعوى مماثلة بحق الاعلامية عصمت عبد الخالق بعد نشرها تعليقات على "فيس بوك" تحمل اتهامات بالخيانة للرئيس والقيادة الفلسطينية.

ورفع موظفون في وزارة الاقتصاد دعوى ضد المدون جمال ريحان على خلفية اتهامه لهم بالفساد على ذات الموقع.

وموقع "فيس بوك" الاكثر انتشارا في الاراضي الفلسطينية. وتشير تقديرات الى ان الغالبية العظمى من مستخدمي الانترنت في فلسطين لديهم حسابات على هذا الموقع.

وقال عدنان الضميري: "هناك فرق بين حرية التعبير، والاتهامات بالخيانة والفساد. حرية التعبير مكفولة، لكن الاتهامات قد تقود الى رفع قضايا حقوقية".

لكن تجربة الاحتجاز والاستجواب التي تعرض لها أخيرا صحافيون مثل طارق خميس تدل على أن حرية التعبير لم تكن دائما مكفولة.

والسؤال المثار بين الصحافيين اليوم هو: هل تعمل المؤسسة الرسمية بما فيها اجهزة الامن والنيابة، على احرام وضمان هذه الحرية، بعد الاحتجاجات الاخيرة التي دفعت رئيس الحكومة الى الاعلان عن نيته العمل على تغيير صيغة العلاقة مع الصحافيين؟!

* صحافي فلسطيني- رام الله. - daraghmeh9@yahoo.com

http://www.miftah.org