مطار اللُد ومطارات العالم بين مبادرتي العودة والعيشُ المُشّترك وفلسطين تُرحب بِكم
بقلم: ناصر دمج
2012/4/21

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13680

ما يحدث الآن في مطار اللد،ومطارات العالم كافة،من سعي حثيث من قبل المتضامنين الدوليين،لزيارة فلسطين ضمن الحملة الوطنية التي أطلقتها أكثر من 25 منظمة أهلية فلسطينية،بأسم Welcome to Palestine من 12-14/نيسان/2012م،يعد أمراً مثيراً للغبطة والسرور في نفس كل عربي وفلسطيني،ويُعبر عن شّجاعة المُتضامنين أنفسهم،وعن إيمانهم العميق بعدالة القضية التي قّرروا الوقوف الى جانبها،ومؤازرة أصحابها،وهذا طبعاً يُثير في نُفوسنا كل الإحترام والتقدير لهم ولشعوبهم.

يحدث ذلك على الرغم من القيود والإجراءات الإسرائيلية المنتهكة لحقوق الإنسان التي تخطت حدودها،وأصبحت تطال حريات أفراد أخرين من دولً عديدة،وأبرز مثال أمامنا هنا هو تلك الإجراءات التي نفذتها إسرائيل بحق العديد من المتضامنين الدوليين الذين شاركوا في حملة التضامن مع شعبنا في العام 2011،عندما قام جهاز الشاباك الإسرائيلي بإعداد قائمة سوداء بأسماء ثلاثماية وأثنين وأربعين متضامناً،تمهيداً لمنعهم من السّفر والوصول إلى فلسطين،وسلمت إسرائيل أيضاً شركات الطيران في أوربا وأمريكيا وأسترالياً كشفاً بتلك الأسماء لمنع صعودهم الى الطائرات .

فضلاً عن ذلك فأن إسرائيل وفي كل مرة تقرر فيها المنظمات الفلسطينية المحلية دعوة المتضامنين الدوليين الى زيارة فلسطين فأنها تحول مطار اللد إلى ثكنةٍ عسكريّة،وتقوم بإعتقال العشرات منهم،كما قامت سابقاً بإعتقال أكثر من مئة وسبعة وعشرين متضامناً في العام 2011م،واحتجزتهم لأيام طويلة في سجن الرملة،لكنّ إسرائيل جوبهت برفض وتصدي أولئك المتضامنين لما تقوم من إجراءات،وأصروا على إنفاذ ما عقدوا العزم عليه،وهو زيارة فلسطين،وكان من نتائج هذا التصدي أن العديد من الشركات الأوروبية تحديداً، لم تلتزم بتعليمات الشاباك الإسرائيلي،بتقييد حريّة سّفر بعض ركابها،وأعتقد بأنها لن تستطيع ذلك مستقبلاً .

لهذا السبب فأننا نشهد اليوم عودة للمتضامنين السابقين ومعهم متضامنون جدد الى نفس المطار،ضمن فعاليات المشاركة بحملة Welcome to Palestine ،وما يدور الآن في ساحة مطار اللد،وكذا المطارات العالمية يذكرني بتلك بالمبادرة الإبداعية التي سبق وأن طرحها الأخ المناضل زياد أبو عين في بداية العام 2008م،وكانت تحمل أسم Return and Coexistence Initiative كمحاولة سلمية لتسليط الضوء على حق العودة وعلى القضية الفلسطينية برمتها،وكانت قائمة على الدعوة الى تنظيم مسيراتٌ سلميةٌ محلياً وعربياً ودولياً،في الخامس عشر من آيار من ذاك العام،نحو حدود فلسطين،ليحمل المشاركون فيها يافطات وأعلام ونماذج مكبرة من بطاقات الإغاثة ومفاتيح وأقفال البيوت المتروكة في فلسطين المحتلة،وقد لاقت تلك المبادرة القبول والترحاب من قبل الأوساط السياسية المحلية والعالمية،وخاصة أعضاء ورئاسة البرلمان الأوربي وأعضاء الكنيست الإسرائيلي من كتل اليسار والعرب.

ولعلها فكرة كان منبعها الإيمان المطلق بحق عودة أبناء شعبنا الى ديارهم،وهو الحق الذي كفلته وعززته المواثيق والقرارات الدولية،وإدراكاً مبكراً من قبل الأخ زياد لأن هذا الإحتلال الإسرائيلي البغيض لن يسمح للشعب الفلسطيني بممارسة هذا الحق مهما كانت الظروف،لأن تجلي ذاك الحق سيهدم الأسس التي أنشأت عليها إسرائيل،لذا وفي ذاك الوقت كان من المناسب التحول الى إعتناق أفكار نضالية خلاقة،وذوات قدرات عالية على استقطاب التأييد العالمي.

فما يحدث الآن وما حدث بالأمس،أرى فيه تلاقحاً بناءً ومثمراً،لأفكار ثورية تنشد الإنعتاق،مدعمة بمستويات تأييد جماهيرية كاسحة على مستوى العالم، وهي مبادرات تولدها حاجة الإنسان الملحة والدائمة للخلاص،وتبرهن على أن سعي الإنسان للخلاص من الاستعمار والاستبداد حاجة بيولوجية ملحة تفرضها طبيعته الإنسانية الصافية،والرافضة للقيد،فالإنسان منذ خلقه الأول يسعى للإنتقال من وضع أضيق الى أخر أرحب،وبسبب هذا المسعى الفطري يلقى غالبية بني البشر حتفهم على حافة تلك المحاولة.

بسبب ذلك يبدو لي بأن لتلك المساعي فرصة كبيرة من النجاح،لأنهما ولدتا في المكان المناسب واللحظة التاريخية المناسبة، فعند النظر الى الجوار العربي سنرى بأن المشهد المادي الثابت منذ زمن تغير بحركات سلمية قوامها زحف الجماهير التي قررت الخروج من سجنها،لأن حركة الشعوب ومطالبها العنيده في التحرر والخلاص بالضرورة هي مساعي محقة وعادلة، لهذا فأنها تكون مؤيدة بقوة الحق التاريخي والإنساني،وسمعنا الكثير عن أفكار ومساعي كانت أدواتها بسيطة ومتواضعة لكنها أسست لحالة حاسمة من التغيير في مصير شعوباً وأمماً عظيمة كنضال الزعيم الهندي غاندي،الذي بدأ كفاحه بمقاطعة تجارة وسلع المحتل البريطاني،وكان في مقدمة تلك السلع الإمتناع عن شراء الملح،ومسيرات السود في الولايات المتحدة الأمريكية،التي قادها الزعيم مارتن لوثر كينغ،وأدت الى تغيير مصير السود في الولايات المتحدة بشكل كلي،وكفاح العمال الأيرلنديين بقيادة الزعيم العمالي ليخ فاليسا الذي أسقط واحداً من أقوى الأنظمة العسكرية في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية،والمسيرات السلمية المجردة من أي قوة مادية في ألمانيا التي أسقطت جدار برلين،وكذا كان نضال المحتجين في تيمور الشرقية وغيرها من الدول التي أسقطت حكامها وطغاتها بالسبل السلمية في تسعينيات القرن العشرين.

ولم تكن فلسطين ببعيدة عن كل تلك الحركات الثورية التي غيرت وجه الأرض،بل أستطيع القول هنا بأنها كانت الملهم لهبات تلك الشعوب،وستبقى فلسطين كذلك حتى تتحقق كامل تطلعات الشعب العربي الفلسطيني في نيل الحرية والإستقلال،وفي هذا السياق كان لفلسطين دوراً تبصيراً هاماً في إنارة المساحة المخصصة لحرية الشعوب العربية،وحثهم على الوصول أليها،وكانت فلسطين بسبب ذلك حاضراً مقيماً في ثورات الربيع العربي،لأن كل الشعوب العربية التي هبت في وجه ظلامها كانت ترفع شعار تحرير فلسطين،وأنها قامت بثوراتها من أجل مستقبلها أولاً،وفلسطين ثانياً،من هنا يأتي القلق الإسرائيلي والإمبريالي بشكل عام من كل ما يتصل بفلسطين .

ولعل ردة الفعل الإسرائيلية المنفلتة في قمع المتضامنين الدوليين ومنعهم من الوصول الى فلسطين،وتوقيفهم في مطار اللد،يعبر عن حالة القلق التي تعيشها حالياً،وتهديدها لشركات الطيران الناقلة لهم بإلحاق أضرار واسعة النطاق بمصالحها،وإجبار الضيوف القادمين الى فلسطين عبر المعابر الإسرائيلية البرية والجوية التوقيع على تعهدات تلزمهم بموجبها بعدم التضامن مع الشعب الفلسطيني،واحتجاز الشرطة الإسرائيلية لأكثر من أثنان وأربعون متضامناً أجنبياً وصلوا الى مطار اللد يوم 15/4/2012م، للتضامن مع شعبنا ضمن حملة ( فلسطين ترحب بكم )،ووصل بإسرائيل الأمر الى إعتقال سبعة وعشرون متضامناً فرنسياً،وإيداعهم سجن جدعون بالقرب من تل أبيب،كل ذلك يأتي انسجاماً مع رأي وتوجه حكومة اليمين الإسرائيلي التي يقودها بنيامين نتنياهو،الذي دعا بدوره المتضامنين الدوليين مع فلسطين الى زيارة غزة وإيران، قبل أن يأتوا الى إسرائيل،مدعياً بأن إسرائيل تشكل واحة ودولة السلام الوحيدة في المنطقة،وعلى المتضامنين التوجه الى سوريا ومساعدة الناس هناك في تجنب رصاص بشار الأسد،أو الذهاب الى إيران لوقف رجم النساء بالحجارة،أو الى غزة لوقف إستخدام الأطفال كدروع بشرية تحمي "الإرهابيين" وفقاً لزعمه، الذين يطلقون الصواريخ بإتجاه المواطنين الإسرائيليين .

اليوم وغداً فأن فلسطين ماضية بإلهامها المثير الى تحويل العالم أجمع الى إنتفاضة واحدة في وجه الطُغيان العالمي،وأرى ذلك من خلال الأثر الهام والفعال للمبادرات النضالية الخلاقة في تجديد وتحفيز أوجه وأشكال النضال الفلسطيني،والجهد الدولي المتضامن معه،وأرى بالفعل بأن تلك المبادرة التي طرحت من قبل الأخ زياد ابو عين،في العام 2008م، ودعت الى تحويل مطارات العالم الى ساحات للتضامن ألأممي مع فلسطين قد أتت أوكلها،ومنذ ذلك الوقت فأنه تم البناء المحلي والعالمي عليها كمبادرة ثورية واعدة ومثمرة مستقبلاً .

بعد أن تحول مطار اللد ومطارات العالم إلى ميادين للتظاهرات المناصرة للشعب الفلسطيني، ونحن نرى تنافس المتضامنين فيما بينهم،من أجل الوصول الى بلادنا،في أكبر تظاهرة عالمية موحدة ضد الإحتلال الأخير في التاريخ،وأن إسرائيل لن تربح أبداً معركتها ضد الشعب الفلسطيني ومناصريه.

كاتب ومحلل سياسي n-damj@maktoob.com

http://www.miftah.org