فتوى التحريم أدخلت القدس في أتون الانقسام !!!
بقلم: وفا – منير أبو رزق
2012/4/21

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13683

رام الله- لم تسلم دعوة الرئيس محمود عباس لأكثر من مليار ونصف المليار مسلم ينتشرون في أرجاء الأرض شد الرحال إلى مدينة القدس ودعم أهلها ولو بزيت يضيء أسرجتها من المناكفة والتشكيك الذي وصل أخيرا حد وصم علماء الأمة الذين لبوا الدعوة بالخيانة والتطبيع مع مغتصبيها، لتدخل بذلك المدينة الأسيرة بازار المزايدة في فصل جديد من فصول الانقسام، وكأن قدرها أن يواجه من تبقى من أهلها وحدهم ما يتعرض له أقدس مكان في الأرض من تهويد ونفي وتنكيل.

الشيخ يوسف القرضاوي الذي أجاز لحركة حماس التي ينتمي منظومتها الإخوانية الأم، و'بفتوى شرعية' في بداية الانقسام الفلسطيني، هدر دماء أبناء حركة فتح في غزة بدعوى وقوفهم في وجه المقاومة الإسلامية، كان أول من استخدم سلاح الدين لمواجهة نداء الرئيس عباس للمسلمين، من خلال إطلاقه 'فتوى شرعية' تحرم على المسلمين شد الرحال إلى أولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين الشريفين، مسرى النبي الأعظم صلوات الله عليه، ومهد ورفعة سيدنا المسيح عليه السلام.

فضيلة شد الرحال إلى المسجد الأقصى، لم تكن قبل فتوى القرضاوي في يوم من الأيام محل خلاف أو موضع تنازع بين المسلمين، لا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في عصر الصحابة رضي الله عنهم من بعده، وهو الأمر الذي أثار حفيظة نخبة علماء المسلمين الذين سارعوا إلى التصدي لتحريم القرضاوي مستشهدين بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والوقائع التاريخية لتأكيد بطلان التحريم، فيما لجأ مؤيدو القرضاوي إلى استخدام فزاعات التشكيك والتخوين وقبلها المزايدة السياسية بدعوى أن الدعوة لنصرتها بشد الرحال إليها هو تطبيع مع مغتصبيها ليطال أخيرا مفتى جمهورية مصر العربية فضيلة الشيخ علي جمعة، بالتخوين بعد أن طال علماء آخرين بالتكفير.

وزير الأوقاف والشؤون الدينية محمود الهباش، ورغم ما طاله من شذرات لسانية وصلت أحط قعر للانحدار في مسؤولية إدارة الخلاف والتعاطي مع الرأي العام، قد وصف تبريرات تحريم زيارة القدس بالواهية، على اعتبار أن منطلقها أصلا هي فلسفات سطحية فارغة من أي مضمون فقهي أو فهم سياسي. بل ذهب الهباش إلى الجزم بأن فتوى القرضاوي هي تناقض صريح مع السنة النبوية المشرفة، متسائلا، لمصلحة من تصب فتوى تحريم شد الرحال إلى الأقصى في وقت أضحت فيه القدس المباركة في دائرة الخطر الشديد أكثر فأكثر؟ بحيث أصبحت هويتها العربية والإسلامية والمسيحية مهددة بالضياع والتحريف والتزييف على يد المحتلين الإسرائيليين، الذين باتوا يَصِلُون الليل بالنهار، ويبذلون الجهود الهائلة والأموال الطائلة من أجل تهويد المدينة المقدسة، وتغيير وجهها الحضاري والإنساني، وإفراغها من أهلها المقدسيين، مسلمين ومسيحيين، وعزلها عن عمقها الفلسطيني والعربي والإسلامي، بتكريس أغلبية سكانية يهودية فيها، بحيث يصبح ذلك أمرا واقعا يجد العالم نفسه مضطرا إلى التسليم به والتعامل معه.

وفى مواجهة اتهام مناصري التحريم لمفتى مصر الشيخ على جمعة بالعمالة والخيانة بعد أن أم المصلين في المسجد الأقصى، قال إبراهيم نجم المستشار الإعلامي لمفتي الجمهورية المصرية في بيان صحفي 'إن زيارة المفتي لمدينة القدس وصلاته بالمسجد الأقصى ليست بهدف التطبيع مع إسرائيل وإنما بهدف التأكيد على إسلامية وعربية المدينة المقدسة وأن إسرائيل مهما طال بها العمر أو استقوت بالجانب الأمريكي فلن تفلح في إثناء المسلمين والعرب عن الدعم الكامل لبيت المقدس والعودة إلى المسجد الأقصى خاصة بعدما زالت الأنظمة المستبدة التي كانت تدعمهم وتساند وجودهم، وأن حضوره اليوم إلى القدس جاء بمثابة إعلان لإشارة العودة إلى القدس مرة ثانية في ظل حماية شعبية .....'.

المسلمون من غير العرب والذين يزيد عددهم في العالم عن المليار ومئتي مليون مسلم يرقبون معركة أصحاب الرسالة المحمدية من العرب بكثير من الألم والأسف وفى ذلك يقول سفير فلسطين في جمهورية جنوب إفريقيا علي حليمة، 'إن مسلمي جنوب إفريقيا الذين يقدر عددهم بمليون نسمة من سكان البلاد، من أكثر مسلمي العالم تعلقا بفلسطين وإدراكا لموقعها العظيم من الرسالة المحمدية الشريفة، وهو ما يمثل لديهم حافزا دائما لزيارة القدس الشريف، وزيارة المسجد الأقصى المبارك، والحرم الإبراهيمي الشريف ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا'.

وإن كانت لا توجد تقديرات رقمية لعدد المسلمين الذين يذهبون إلى فلسطين تضامنا ودعما وتبركا، فإن السفير الفلسطيني لدى بريتوريا، يقول 'إن الفهم الديني السائد في جنوب إفريقيا، لمسألة زيارة المسجد الأقصى، يتصل مباشرة بضرورة تطبيق المسلمين حديث الرسول الكريم للمساجد التي تشد إليها الرحال'. ويضيف، 'إن معظم مسلمي جنوب إفريقيا يدخلون إلى فلسطين من خلال الأردن عبر معبر الكرامة، وينأون بأنفسهم الدخول عبر الموانئ الجوية لدولة الاحتلال، ويذهب الكثير منهم ضمن مجموعات تنظم رحلاتها شركات سياحية، إلى الأردن وفلسطين ومصر أحيانا'.

السفير علي حليمة يؤكد أن الفطرة الإسلامية تقتضي أن يسير الناس على نهج الرسول محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، التزاما بالأمر والنهي، وهو الأمر الذي تدركه جمعية العلماء في جنوب إفريقيا، والتي تحث المسلمين على زيارة المسجد الأقصى، فمنهم من يذهب بعد الحج ومنهم من يذهب للاعتكاف في رمضان، ومنهم من يؤثر زيارة القدس تعبدا وتضامنا، على زيارة مكة والمدينة المنورة، نظرا لخصوصية الظرف الذي تعيشه فلسطين تحت الاحتلال. بل؛ إن السفير الفلسطيني يقول إن هناك دعما ماديا، يوجهه مسلمو جنوب إفريقيا إلى مدينة القدس تحديدا، للعناية بالأماكن المقدسة فيها، من خلال جمعيات متخصصة، تعمل ضمن العديد من الجمعيات التي ترى في فلسطين وخصوصا في القدس الشريف وقطاع غزة قبلة لعملها الخيري، وبأشكال متعددة.

بعض المراقبين يرون أن انقلاب حركة حماس التي تتبع منظمة الإخوان المسلمين العالمية على الشرعية الوطنية في قطاع غزة ومحاولتهم جذب اهتمام وتعاطف المسلمين نحو كيانهم المستقل الحاكم في غزة قد لعب دورا في فتوى التحريم التي أطلقها القرضاوي. إذ تخشى حركة حماس برأيهم توجيه أنظار المسلمين وقوافل مساعداتهم باتجاه القدس المحتلة في وقت تسعى فيه جماعة 'الإخوان المسلمين' تنظيم قوافل النصرة والمساعدة إلى غزة بتعليلات سُيسأل عنها العبد أمام ربه يوم لا مفر من اللقاء.

وهو أمر أكده وزير الأوقاف والشؤون الدينية في السلطة الوطنية، مشيرا إلى أن نجاح تجربة الحكم لحركة حماس في قطاع غزة قد باتت تمثل أولوية مطلقة للإخوان المسلمين في العالم، إذ تجيش لها الأخيرة القوافل والإعلام رغم وقوعه عمليا تحت الاحتلال في وقت وجد فيه إسرائيل في انقطاع العرب والمسلمين عن شد الرحال إلى بيت المقدس ومسجدها الأقصى ضالتها المنشودة، وفرصتها السانحة ليقوم بتنفيذ مخططاته الرامية لتهويد المدينة المقدسة، والقضاء على الوجود العربي والإسلامي فيها، أو اختزاله إلى أقل قدر ممكن، الأمر الذي يوجب كل غيور على قدس الأقداس دق ناقوس الخطر بعنف، مشيرا إلى أن علماء وفقهاء المسلمين في فترة الحروب الصليبية فعلوا الشيء نفسه، من أجل أن تعيد الأمة بناء حالة إبداعية قوية من التواصل المادي والمعنوي مع مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك والمرابطين فيه وفي أكنافه.

وبين نداء الرئيس عباس وشعبه للمسلمين والعرب إنقاذ ما تبقى من المدينة المقدسة وفتوى القرضاوى بتحريم زيارتها في ظل الاحتلال وإدخالها أتون الانقسام يبقى السؤال المشرع في وجه كل مسلم أين المليار ونصف المليار مسلم من القدس!!!؟؟؟ والى متى ستبقى القدس قدسا في ظل كل ما يجرى من تهويد قد يخشى دعوة ولا توذيه فتوى!!؟؟ .

http://www.miftah.org