الكارثة على المحك في إسرائيل..!!
بقلم: د. فوزي الأسمر
2012/4/26

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13699

إستغلت إسرائيل قبل وبعد قيامها قصص الكارثة التي لحقت بيهود أوروبا على أيدي النظام النازي، والذي قسم العنصر البشري إلى "تحت البشر" و"العرق النقي" الذي يحق له أن يحكم العالم. وللمحافظة على "العرق النقي" كان لا بدّ من التخلص من الذين صنفوا بأنهم "تحت البشر". وكانت هذه جرثومة الفكر العنصري التي تمتع بها عدد من الفلاسفة الغربيين، على غرار توماس مالتوس البريطاني الذي كان يعتقد أنه يجب حل الأزمة السكانية في العالم عن طريق التخلص من الفقراء والمعاقين والمرضى.

وتبنت النازية هذه الأفكار لدرجة أنه على الرغم من الإعتقاد ان العنصر الآري هو "العرق النقي"، إلا أنه كان يجب عليه التخلص من المنحرفين جنسيا والمجرمين والمعاقين عقليا وجسديا ومن الشيوعيين واللبراليين والمعارضين للفلسفة النازية على أساس انهم من المعاقين عقليا ولهذا لا يفهمون هذه الفلسفة المبنية على أساس منطق القوة وعبادة الدولة، وبالتالي يصبح المجتمع الآري "نقي". وطبعا هناك شعوب بكاملها صنفتها النازية بأنها "تحت البشر" وفي مقدمتهم العنصر السامي.

وبما أن اليهود هم من الساميين (وكذلك العرب والأثيوبيين وغيرهما)، ومنتشرين في أوروبا المتحضرة، فقد كانوا أول فريسة يفتك بها الوحش النازي، ويقوم بعمليات إبادة جماعية، الشيء الذي أثار الرأي العام العالمي، وهكذا تكون ما عرف بـ "الكارثة" أو "المحرقة" و"الهولوكوست".

وتزايد العطف العالمي على اليهود ساعد على إنتعاش الفكر الصهيوني، وزيادة الهجرة إليهودية إلى فلسطين. وأخذ الفكر الصهيوني يستغل هذا التعاطف، ليبرر كل ما يقوم به اليهود في فلسطين، وبالتالي على إقامة دولة إسرائيل على أنقاض الشعب العربي الفلسطيني، على الرغم من أن الفكر الصهيوني دعا إلى إحتلال فلسطين وطرد سكانها وإقامة ما سموه بالدولة اليهودية منذ نهاية القرن التاسع عشر، والعالم يبرر لهم كل ما يفعلونه.

وأصبح ما عرف بـ "اللاسامية" سيفا مسلولا ترفعه الصهيونية في وجه كل من يحاول التعرض لها، أو ينتقد إسرائيل. وأستمرت على هذا الحال مستخدمة قصص الكارثة لتستدر بها عطف الشعوب، وبالتالي تغطي على الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني. وأقيمت "متاحف الكارثة" في العديد من المدن الكبىرى في العالم. وحصلت على تغطية إعلامية كبيرة، واصبحت محجا لطلاب المدارس، وللسواح ومسرحا للندوات والخطب (مثلا القى الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطابا في متحف الكارثة في العاصمة الأمريكية يوم 23/4/2012 ووجد من المناسب أن يهاجم دولة عربية من على هذه المنصة).

وقد صلبت وسائل الإعلام، خصوصا الغربية منها، كل من حاول التعرض لهذه الحملة اليهودية المقدسة. ولكن وبعد مرور أكثر من 70 سنة على الكارثة وظهور الجشع الإسرائيلي والصهيوني الذي يستغل كل كبيرة وصغيرة، بدأ التذمر لدى الكثيرين فمنهم من تحدث عن ذلك علنا، ودفع ثمنا لذلك، كان آخرها القصيدة التي كتبها الشاعر الألماني الحائز على جائزة نوبيل للأدب، جونتر غراس، ولم يكن غريبا أن يبدأ قصيدته بعنوان " ما تبقى أن نقول " بقوله : " لماذا سكت طويلا عما هو واضح" . ومنهم من ناقش الموضوع في سراديب سياسية وإجتماعية .

وكان لا بدّ أن يشعر الإنسان الإسرائيلي بذلك، ففي الوقت الذي إعتقدت فيه الصهيونية أن التركيز على الكارثة سيعطي الأجيال اليهودية قوة ومناعة، وجدت أن العكس هو الصحيح. فقد أعطى إستغلال الكارثة مجالا للكراهية وضعفا ظاهرا لدى الأجيال الإسرائيلية، (واليهودية بشكل عام) والتي أرادت التخلص من هذه الصورة الضعيفة والخروج إلى العالم بصور الإنسان القوي الذي يواكب بقية البشر بدون الإعتماد وإستغلال الشعور بالذنب لدى الشعوب الأخرى. هذا هو السبب في الهجوم الكاسح، الذي شنته الصحافة العبرية، على خطاب بنيامين نتنياهو أمام مؤتمر اللوبي الإسرائيلي "إيباك" الأخير، عندما أبرز وثائق تدين أمريكا لرفضها قصف المعتقل النازي "أويشفيتس". كما رفضت وسائل الإعلام هذه منطق نتنياهو بتبرير الهجوم على إيران لمنع "حدوث كارثة جديدة".

ولكن الأمور تطورت أكثر من ذلك خصوصا أثناء الإحتفال السنوي الإسرائيلي بيوم الكارثة . فقد نشر أحد كبار الأدباء في إسرائيل، يورام كانيوك، مقالا قال فيه أنه حان الوقت لإنهاء الحداد، والإحتفال في يوم الكارثة بمئات الآلاف الذين بقوا على قيد الحياة. وقد وصف كانيوك الكارثة: "عندما يقولون كارثة فإنهم يقولون أنها تفاحة طعمها سيء" (هآرتس 18/4/2012).

وفي هذا اليوم أيضا ،قررت أربع مدارس ثانوية في منطقة تل ــ أبيب أخذ الطلاب إلى أحد المسارح الكبيرة في إسرائيل "كامري" لمشاهدة تمثيلية بعنوان "غيتو" والتي تتحدث عن الفظائع النازية في معسكر "فيلنه". وهاكم ما نشرته صحيفة "معاريف" يوم 23/4/2012:

"لم يُستقبل الممثلين، كما هي العادة عندما يقدمون هذه الرواية، بالدموع والعناق والآهات. السبب هو الكلمات المتوحشة وعدم الإصغاء من جانب الحضور والذي كان مركبا من طلاب ينتمون لأربع مدارس في المنطقة الوسطى.. هذه الرواية تقدم على المسرح منذ عشرات السنين خصوصا في يوم الكارثة.. وطيلة الساعتين وخلال طول الرواية لم يتوقف الكثيرون منهم عن الكلام والصراخ والضحك بصوت عال على الممثلين. وعلت هتافات تؤيد النازيين والإعراب عن رأيهم (الإيجابي) بصوت عال بالنسبة للوحشية النازية. وعندما قام الممثل عودد لوبولود (دور النازي) بضرب الممثل رامي باروخ (اليهودي) بوحشية على ظهره صرخ الطلاب: نعم.. نعم أضربه على رأسه مع إحترامنا الكبير.. كما قاموا بالضحك بصوت عال عندما قام جندى نازي بإطلاق النار على رأس اليهودي من مسافة صفر". ويقول كاتب المقال ان المعلمين وبقية الجمهور لم يحركوا ساكنا.

ونشرت صحيفة "هآرتس" (18/4/2012) إفتتاحية تحت عنوان "السنة ليست 1938" هاجمت فيها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإستغلاله الكارثة لدفع سياسته قدما. قالت أنه لم يكن من الحكمة تعليق نتنياهو على قصيدة جونتر غراس بإتهامة بالنازية. كما أشارت كيف يقوم نتنياهو بمحاربة النووي الإيراني عن طريق إستغلال الكارثة مقتبسة من أقواله: "السنة هي 1938 إيران هي ألمانيا.. يجب عدم السماح لإيران في الحصول على سلاح نووي تخوفا من وقوع كارثة ثانية تلحق مصيبة في الشعب اليهودي" تقول الصحيفة.

وبالإضافة إلى ذلك، فقد ظهرت شعارات على النصب التذكاري للقتلى الإسرائيليين في الحروب، أثارت ضجة كبيرة. من بينها "جونتر غراس كان على حق" و"الصهيونية أم الكوارث والأخطاء" (معاريف 23/4/2012).

إن إستغلال الكارثة بهذا الشكل ينزع عنها البُعد الإنساني، الذي فرض نفسه على الرأي العام العالمي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، خصوصا وأنها تستغل من جانب إسرائيل والصهيونية لتنفيذ أعمال غير إنسانية بحجة منع وقوع كارثة جديدة. هذا العمل أصبح غير مقبول، فالجرائم والمجازر التي إرتكبتها إسرائيل، ولا تزال، في فلسطين واطلاع الرأي العام عليها من خلال التكنولوجيا الحديثة، ساعدت كثيرا في فهم أبعاد إستغلال إسرائيل للكارثة.

* كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن. - FAsmar1@aol.com

http://www.miftah.org