البركان الإسرائيلي في عيون ليفني
بقلم: عبد المجيد سويلم
2012/5/3

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13716

على مدى زمني طويل حذّرَ عشرات المثقفين الإسرائيليين من خطورة السياسات الإسرائيلية المتهورة حيال عملية السلام، وبينوا 'حتمية' الانزلاق في مستنقع العنصرية والتحول إلى دولة منعزلة ومنبوذة.. ومعاكسة لمسار تطور التاريخ في هذه المرحلة من تطور البشرية بما تتسم به من رُسُوّ الإنسانية العالمية على قواعد جديدة في العلاقات الدولية، تقوم على مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وما يتصل بهذه المبادئ من أسس راسخة في نبذ ومحاصرة منطق التسلط والاستبداد والاحتلال والعنف والقهر. وغالباً ما كان المجتمع الإسرائيلي يتجاهل هذه الدعوات باعتبارها دعوات تطلق من نُخبٍ 'عاجيّة' الموقع أو يائسة من مسار العلاقات السياسية والاجتماعية في المجتمع الإسرائيلي، وربما تكون واهمة أيضاً وليست واقعية فيما يتعلق بإدراك حقيقة 'المعجزة' الإسرائيلية وحتمية تغلّبها على كل التحديات مهما كانت طبيعتها ومهما بلغت صعوبتها. في السنوات الأخيرة تحولت هذه الدعوات من الحقل الصحافي والثقافي إلى الحقل السياسي المباشر.

كان ملفتاً وبصورة فاقعة ما خرج به ابراهام بورغ في حينه، حيث رسم صورة سوداوية لمسار تطور الدولة والمجتمع في إسرائيل، وكان يبدو بورغ في حينه وكأنه حالم ورومانسي ويحلّق خارج سرب الواقعية المعتادة في إسرائيل.

في تلك المرحلة تابعتُ بشكل خاص ردود الأفعال على رؤية ابراهام بورغ وعلى 'قراءته' للواقع الإسرائيلي وآفاق هذا الواقع مستقبلاً.

كانت صرخة بورغ قوية، ولكن صداها بقي محصوراً في المؤسسات الأكاديمية أو بعضها وفي الأوساط الثقافية والصحافية، ولم تُحدِثْ أية ارتدادات قوية في الأوساط السياسية.

وباستثناء بعض أوساط اليسار الليبرالي لم ينتبه أحد إلى 'خطورة' ما أتى عليه ابراهام بورغ، ولم تتجاوز ردود الأفعال بعض 'التأكيدات' على صحة مضمونها من جانب شخصيات هي أصلاً تشارك بورغ رؤيته السوداوية وتتقاسم معه هموم الخوف والقلق على مستقبل الدولة الإسرائيلية...!

في الآونة الأخيرة كان ملفتاً ما صرح به يوفال ديسكين (ذو الخلفية الأمنية العريقة) من أن السياسات الإسرائيلية الحالية (المقصود سياسة الائتلاف الحاكم) قد تؤدّي إلى تردٍّ كبير في الواقع الإسرائيلي، وهي سياسة مفتوحة على أخطار ذات أبعاد وجودية وأنها بالمجمل سياسات لا تتسم بالمسؤولية (القومية) المطلوبة.

خلاصة استنتاجات ديسكين لها أبعاد حساسة من زاوية دراية صاحبها بالشأن الأمني على المستوى 'القومي'، ومن زاوية خروجها عن المألوف السياسي في إسرائيل على مدى سنوات عمرها كلّه.

هناك مَن يعتقد أن 'قراءة' ديسكين ربما تكون أقرب إلى القراءة الفنية، وهي ربما لا تعكس البعد السياسي العميق الذي يجب توفره في قراءة القضايا المصيرية على خارطة مجمل الاستراتيجيات العامة العاملة. ولكن هناك مَن يعتقد بالمقابل أن تحذيرات ديسكين ربما تعكس الواقع أكثر من أية تحذيرات أخرى بسبب 'تجردها' من البعد السياسي المباشر، وأنها (أي تحذيراته) ربما هي الأكثر صدقاً بسبب تجردها من السياق السياسي المباشر بالذات.

أما تسيبي ليفني باعتبارها سياسية يمينية كانت في مسيرتها أقرب إلى اليمين المتشدد منها إلى اليمين المعتدل أو يمين الوسط، فقد فجّرت قنبلة من العيار الثقيل حين أكدت عقب تقديم استقالتها إلى رئيس الكنيست، أن 'إسرائيل تعيش فوق بركان، والساعة الدولية تدق ووجود إسرائيل كدولة يهودية يواجه خطر الموت'.

عندما تجاهر سياسية كبيرة بوزن ليفني وتتهم قادة إسرائيل بأنهم يدفنون رؤوسهم في الرمال بينما تواجه الدولة اليهودية الديمقراطية خطر الموت، فهذا يعني أن الدعوات والصيحات التي كانت تعتبر نوعاً من النظرة الواهمة أو الحالمة أو اليائسة أو اليسارية، لم تعد كذلك، وأن المسألة لم تعد أيضاً مجرد مناكفات سياسية بين أحزاب تتنافس على قضية انتخابية وإنما تحولت هذه الرؤى إلى قضايا يجاهر بها سياسيون كبار وقادة أمنيون كبار وزعماء في المجتمع، إضافة إلى عدد متزايد من المثقفين والأكاديميين والصحافيين والكتاب والأدباء وغيرهم وغيرهم.

إذاً هناك 'وعي' جديد نبّه له بعض المثقفين والتقطه البعض من الزعماء السياسيين ومحّصه قادة أمنيون وأصبح يجاهر به يمينيون مثابرون وعرفوا دائماً بكونهم متشددين، بل وحتى متطرفين.

وهناك مَن يقرع الجرس في أن الدولة الإسرائيلية تعيش في مرحلة سمتها العامة غياب المسؤولية في تقدير الأخطار وطبيعتها وتأثيرها على مسار تطور الدولة في المستقبل وليس المستقبل البعيد طبعاً.

وهناك مَن يقرع الجرس أن بقاء الدولة أو وجودها شيء مختلف عن وجود الدولة عندما تفقد طابعها اليهودي وطابعها الديمقراطي.

أي أن الخطر الوجودي لم يعد يعني الوجود الفيزيائي للدولة، وإنما تحولت طبيعة الدولة ومضمونها الاجتماعي والسياسي إلى موضوع أساسي في تحديد طبيعة الأخطار المحدقة بها. وبمعنى آخر، فإن ثمة وعيا جديدا أصبح يدعو إلى الفصل ما بين الوجود الفيزيائي للدولة وما بين طابعها ومضمونها السياسي والاجتماعي الثقافي، باعتبار أن الهدف ربما لم يعد حصر الخطر الوجودي على وجود الدولة من عدمه، وإنما –وهذا هو المهم والجديد- توسيع مفهوم الخطر الوجودي ليشمل المضمون السياسي والاجتماعي للدولة.

هذا التشخيص المبكر للعلاقة ما بين وجود الدولة ومضمونها إن صحّ –وأنا أظن أنه صحيح- يحتاج إلى رُؤى جديدة وإلى تحليلات ومعالجات معمقة من قبل دائرة هامة من المتابعين الإسرائيليين ومن قبل الدوائر الفلسطينية المعنية على وجه الخصوص، وقد يطال الأمر بعض الدوائر العربية المختصة أيضاً.

جدير بقسم الدراسات الإسرائيلية في جامعة القدس تتبّع هذا الأمر، وجدير بمؤسسة 'مدار' الاهتمام بهذه العناوين، وكذلك بعض مراكز البحث التي تتابع الشؤون الإسرائيلية، لأن الأمر ينطوي على أهمية فائقة وعلى أبعاد جديدة وهامة.

http://www.miftah.org