المطلوب الآن هو الدولة وليس العضوية في الأمم المتحدة
بقلم: السفير نبيل الرملاوي
2012/5/7

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13722

مضى زمن طويل منذ أن فرغنا من العمل مع الأمم المتحدة لنيل العضوية الكاملة، وبدأت مرحلة جديدة كان ينبغي أن نتوجه خلالها الى الجمعية العامة لنيل مكانة الدولة غير العضو بصفة مراقب لدولة فلسطين. بمعنى آخر، توقفت مرحلة العضوية في الأمم المتحدة لتبدأ مرحلة الدولة كشخص من أشخاص القانون الدولي.

الدولة كشخص من أشخاص القانون الدولي

في الحالات الطبيعية تتوجه الدولة الناشئة الى الأمم المتحدة لطلب العضوية فيها، وهو ما ينتظره العالم من هذه الدولة في خطوة تؤكد من خلالها الدولة التزامها بمبادئ الميثاق ومقاصد الأمم المتحدة، والعمل على إعلاء شأن القانون الدولي، وحل النزاعات بين الدول بالطرق السلمية ورغبتها في تحقيق ذلك وقدرتها عليه، وفقا لأحكام الميثاق.

أو حتى ممنوعة من الوجود لأسباب سياسية كما هو واقع بالنسبة لدولة فلسطين، ودول المنع في هذه الحالة متحكمة بمصدر قرار العضوية الكاملة، لذلك يصبح التوجه الى مصدر قرار اكتساب الدولة لشخصيتها القانونية أي إلى (الجمعية العامة)، وأخذ مكانتها في الأمم المتحدة كشخص من أشخاص القانون الدولي هو الضرورة السياسية، ليس لأنه هو الممكن في هذه المرحلة فقط، بل لأنه هو المطلوب وطنيا وسياسيا بالنسبة لدولة فلسطين لسبب هام جدا وهو تجسيد الدولة كحق للشعب الفلسطيني من ناحية، وتفعيل تعامل المجتمع الدولي معها كدولة من أشخاص القانون الدولي، وهو أمر بالغ الأهمية في هذه المرحلة.

حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والدولة المستقلة

أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة وجميع المحافل الدولية الأخرى حق الشعب الفلسطيني في ممارسة تقرير مصيره وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة على أرض وطنه، بدءا من القرار رقم 181 لعام 1947 الذي طلب من الشعب الفلسطيني أن يقوم من جانبه بالعمل على تنفيذ أحكام القرار المذكور وينشئ دولته، وبالتالي عبر العشرات من القرارات التي أصدرتها الجمعية العامة في جميع دوراتها العادية، كما أكدت هذا الحق مختلف أجهزة الأمم المتحدة والمحافل الدولية الأخرى. إلا أن هذا الحق لم يفعّل بسبب الهجرة القسرية عام 1948، وتشتت الشعب الفلسطيني في مختلف بلدان العالم بعيدا عن وطنه، وغياب القيادة الوطنية عنه الى أواسط الستينيات من القرن الماضي.

إسرائيل والولايات المتحدة تعارضان الدولة الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره

كانت إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية معارضتان بشدة لأي قرار يشير الى حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته أو حقه في تقرير مصيره، وكان ذلك واضحا ومتكررا على مدى عشرات السنين في جميع المحافل الدولية كالجمعية العامة، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والوكالات المتخصصة وباقي أجهزة الأمم المتحدة كلجنة حقوق الإنسان، وبالتالي مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وسائر الأجهزة الأخرى التي كانت تتحدث عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني باعتباره مبدأ دوليا وحقا لجميع شعوب العالم بدون استثناء، ولأن ممارسة هذا الحق يعني في النهاية إقامة دولة الشعب المعني إذا أراد هو ذلك وفقا لأحكام المادة الأولى والمادة الخامسة والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة، والمادة الأولى المشتركة في العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، وفي مقدمة هذا كله ما يشكله حرمان أي شعب من الشعوب من هذا الحق من جرم يهدد السلم والأمن الدوليين بالخطر وفقا لقرارات الجمعية العامة ولجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ذات الصلة.

أميركا وإسرائيل ترفضان الدولة الفلسطينية وليس العضوية في الأمم المتحدة

في معركة العضوية الكاملة خلال الدورة الماضية للجمعية العامة كانت معارضة الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل للدولة الفلسطينية وليست للعضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وإن كان رفضهما يبدو وكأنه رفض للعضوية. لذلك عندما توقفت مسألة العضوية في هذه الجولة انبرت الدولتان إسرائيل وأميركا لمقاومة التوجه الفلسطيني إلى الجمعية العامة لنيل مكانة الدولة غير العضو بصفة مراقب لدولة فلسطين، ووصل الأمر الى التهديد بقطع المساهمة الأميركية في ميزانية الأمم المتحدة إذا توجه الفلسطينيون إليها لإحراز هذا الهدف. وفي هذا السياق وتأكيدا لما ذكرناه كان قرار الكونغرس الأميركي رقم 1734 المؤرخ في 19 نوفمبر 2010 برفض أي اعتراف أميركي بدولة فلسطينية قد يجري الإعلان عنها بصورة أحادية، ويلزم الإدارة الأميركية باستخدام حق النقض (الفيتو) لعرقلة أي قرار لمجلس الأمن في هذا الخصوص.

إسرائيل تخشى التوجه الفلسطيني الى الأمم المتحدة

أما إسرائيل فهي لا تخفي رفضها القاطع لإقامة دولة فلسطينية ليس عن طريق رفضها لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في المحافل الدولية فقط، ولكن من خلال ما تنشئه على الأرض الفلسطينية التي تقع في قبضة احتلالها، من استيلاء على الأرض وإقامة المستوطنات اليهودية عليها، وتغيير جغرافي وديمغرافي ومؤسساتي أيضا، خصوصا في مدينة القدس، ما من شأنه جعل إقامة دولة فلسطينية على الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة في حدود عام 1967 أمرا غير قابل للتطبيق، لذلك يصبح بالمقابل في هذه المرحلة بلوغ الاعتراف الواسع بالدولة الفلسطينية من دول العالم وتعامل المجتمع الدولي معها كدولة، أمرا يجب أن يحظى بالدرجة العالية من الأهمية، كما يجب أن يحظى بالدرجة العالية من الأولوية على القائمة السياسية الفلسطينية. ومن هنا يفهم التخوف الإسرائيلي من إنجاز هذه الخطوة الهامة ووصفها إسرائيليا بالحرب على إسرائيل أحيانا، وكأنها تهدف الى نزع الشرعية عن إسرائيل كما قال نتنياهو أحيانا أخرى.

دعوات مختلفة لنيل موقع الدولة غير العضو بصفة مراقب

توالت الدعوات للتوجه الى الجمعية العامة من أجل نيل وضعية الدولة غير العضو في الأمم المتحدة، ومن بينها كانت دعوة الرئيس الفرنسي ساركوزي، غير أن دعوته كانت مشروطة وغير مقبولة فلسطينيا، ثم جاء اقتراح لجنة العضوية نفسها التابعة لمجلس الأمن في مسودة تقريرها الى المجلس وهو التقرير الذي يشير الى عدم إجماع اللجنة على عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، حيث يقول التقرير بتبني الجمعية العامة قرارا تصبح بموجبه فلسطين دولة ليست عضوا بوضعية مراقب في الأمم المتحدة.

بعد ذلك أعلن السيد لويس مورينو أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أنه لا يتعامل مع طلب فلسطين لأن فلسطين ليست دولة، وقال على الفلسطينيين أن يتوجهوا الى الجمعية العامة للحصول على وضعية الدولة غير العضو في الأمم المتحدة، وبعد ذلك يمكنهم التقدم بطلب الانضمام الى جمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية.

وهنا تجدر الإشارة الى أن السيد أوكامبو قد تعامل مع الطلب الفلسطيني الخاص بالانضمام الى جمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي والشروط المطلوبة لصحة الطلب نفسه، ولم يتعامل مع الجانب الآخر والأهم، وهو ما يتصل بالمضمون المتعلق بارتكاب قوات الاحتلال الإسرائيلي لجرائم الحرب وغيرها من الجرائم المعددة في القانون الدولي خلال حربها على قطاع غزة سنة 2008 و2009 والتي تجيز له أحكام نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية أن يبدأ بالتحقيق من تلقاء نفسه في أية قضية تتوفر لديه بشأنها الأدلة الكافية والتي تشير الى احتمال وقوع جرائم حرب وغيرها من الجرائم التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة، وذلك وفقا لأحكام المادة 15 من النظام المذكور. ونحن على يقين بأن السيد المدعي العام قد وصله من التقارير والمعلومات وأدلة الإثبات ما يكفي من مصادر الأمم المتحدة وأجهزتها المختلفة، والمنظمات الحكومية الإقليمية، والمنظمات غير الحكومية المهتمة بشأن حقوق الإنسان من مختلف الدول، وإشعاره باحتمال وقوع جرائم حرب وغيرها من الجرائم المعددة في نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية خلال الحرب الإسرائيلية المذكورة على قطاع غزة وهي الأفعال والجرائم التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.

لذلك يتوجب التوجه مجددا من جانبنا وبسرعة إلى السيد أوكامبو ليتحمل مسئولياته ويبدأ بالإجراءات القانونية المطلوبة وفق أحكام المادة 15 من نظام روما الأساسي، ومتابعة هذا الأمر معه بشكل دائم، والعمل مع المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية لمتابعته من جانبها أيضا.

182 دولة من أصل 193 دولة في الأمم المتحدة تصوت لصالح حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في شهر ديسمبر 2011

جاء التصويت المذكور أعلاه مؤشرا واضحا على توجه الرأي العام الدولي في الجمعية العامة بشأن مسألة حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، أي في مسألة دولة فلسطين باعتبار أن حق تقرير المصير مرتبط بحق الشعب في إقامة دولته، وقد جاء هذا التصويت بعد فترة وجيزة من إخفاق لجنة العضوية في مجلس الأمن في التوصل الى توصية ايجابية تجاه عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، ومن هنا يكتسي هذا التصويت أهميته البالغة باعتباره يعبر تعبيرا حقيقيا عبر الديمقراطية الدولية المعمول بها في النظام الداخلي للجمعية العامة ،عن موقف دول العالم والمجتمع الدولي شبه التوافقي المؤيد بقوة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة على أرض وطنه. وإن أي موقف آخر يصدر عن أي جهاز من أجهزة الأمم المتحدة لا يعتد به باعتباره ينشأ عن اعتبارات سياسية ولا ينشأ عن أسس موضوعية وقانونية.

بعض النتائج الهامة المترتبة على اكتساب فلسطين صفة الدولة غير العضو في الأمم المتحدة

1- دحض الفكرة الصهيونية القائمة على نظرية البديل (إسرائيل بديل عن فلسطين، واليهود بديل عن الشعب الفلسطيني)، باعتبار أن المستبدل في النظرية الصهيونية هو فلسطين والشعب الفلسطيني، في حين أن هذا المستبدل كان موجودا في الماضي موجودا، وما زال موجودا وبقوة اليوم من خلال شبه الإجماع الدولي عليه، ومن خلال تعامل المجتمع الدولي معه كأرض محتلة، وكشعب له الحق في تقرير مصيره، وكدولة تتمتع بالشخصية القانونية ضمن أشخاص القانون الدولي، وتحظى باعتراف الغالبية العظمى من دول العالم وهو ما يؤكد بطلان نظرية البديل الصهيونية التي نشأت إسرائيل على أساسها.

2- فتح أبواب الأجهزة والوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، كمنظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية والمنظمة العالمية للملكية الفكرية على سبيل المثال وغيرها كجمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، وكذلك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لانضمام دولة فلسطين إليها، كاتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية وغيرها من الاتفاقيات الدولية، الأمر الذي يعزز من مكانة دولة فلسطين الفاعلة في المجتمع الدولي، ويكسبها المزيد من ثقة الدول بها.

3- أ- استكمال إجراءات الانضمام الى اتفاقيات جنيف الأربعة المعقودة سنة 1949، وهو ما بدأنا العمل به سنة 1989 حيث توقف آنذاك لأسباب سياسية، وهي الاتفاقيات المؤسسة للقانون الدولي الإنساني، وهذا من شأنه أن يعزز الوضع القانوني والسياسي لدولة فلسطين باعتبارها من أشخاص القانون الدولي، وإبراز فاعليتها في أكثر المجالات حيوية واهتماما على الصعيد الدولي سياسيا وإنسانيا.

ب- استكمال العمل للانضمام الى منظمة الصحة العالمية حيث بدأنا في ذلك سنة 1989، ثم علق العمل بطلبنا الى وقت آخر حيث استمرت المؤتمرات السنوية لجمعية منظمة الصحة العالمية كل سنة تأجيل البت في هذه المسألة الى اجتماع قادم.

4- مع تعامل المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة مع فلسطين كدولة تصبح دولة فلسطين هي التي تحت الاحتلال وليس الأرض الفلسطينية، وبالتالي تبطل المزاعم الإسرائيلية ومقولة أرض متنازع عليها وليست أرضا محتلة.

5- في هذه الحالة يصبح من حق الدولة أن تطلب إشراف الأمم المتحدة على المفاوضات مع إسرائيل بخصوص الانسحاب من أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة، والتمسك الشديد بمرجعية مبادئ القانون الدولي وأحكام الميثاق وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، والعهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان لهذه المفاوضات.

http://www.miftah.org