نكبة ... إستيطان ... وإنقسام !!
بقلم: سليمان الوعري
2012/5/8

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13727

تتوالى النكبات على الشعب الفلسطيني ، فمنذ العام 1948 والشعب الفلسطيني يعاني التهجير والتشرد واللجوء في كافة بقاع الأرض ، ولا يفوت الاحتلال الاسرائيلي أي فرصة للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية ، فبعد حرب حزيران 1967 واحتلال الضفة الغربية سعى الاحتلال الصهيوني الى مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات عليها ، وقد حذرت في مقالاتي عن النكبة منذ العام 2008 من أن الاستيطان سيكون (نكبة الفلسطينيين الجديدة)، بعد أن إستعرت الهجمة الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس تحديدا ، وبدأت إسرائيل في سباق مع الزمن بمصادرة آلاف الدونمات وبناء مئات الوحدات الاستيطانية عليها في محاولة لفرض أمر واقع على الأرض يمنع قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيا وذات سيادة حسب اتفاقات السلام الموقعة .

فالاستيطان بنظر إسرائيل هو إستراتيجية سياسية / أمنية يقوم الاحتلال على أساسه لتحقيق الحلم الصهيوني بأرض إسرائيل الكاملة من البحر إلى النهر ، وقد تعززت بناءً على ذلك مكانة المستوطنين السياسية والبرلمانية وأصبحت لهم قوة تأثير واضحة في الحياة الإسرائيلية، وتحولت حكومة بنيامين نتنياهو إلى حكومة يمين يحكمها المتطرفين اليهود وتسودها العقلية الصهيونية التي لا تؤمن بالسلام.

وتندرج قرارات الحكومة الإسرائيلية الأخيرة لشرعنة المواقع الاستيطانية " المؤقتة " على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية في إطار الحرب الشاملة التي تشنها إسرائيل على شعبنا وأرضه لفرض هجرة قسرية عليه ، بعدما حولت المناطق الفلسطينية لكنتونات ومعازل في إطار منظومة فصل عنصري مخالف لقواعد القانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية ، فمحاولة " شرعنة " البؤر الاستيطانية العشوائية واللعب على حبل القوانين مع المحاكم الإسرائيلية لاضفاء الصبغة القانونية على هذه المستوطنات يعتبر تحديا لإرادة السلام الفلسطينية وتحديا للقانون الدولي ولإرادة المجتمع الدولي أيضا الذي يعارض الاستيطان بكافة اشكاله بشكل رسمي وعلني.

ولابد من التأكيد هنا بأنه لا توجد مستوطنات شرعية أو غير شرعية، أو مستوطنات قانونية

أو غير قانونية ، فجميع المستوطنات غير شرعية وغير قانونية، وسيتم تفكيكها عاجلا أم أجلا كما حدث في مستوطنات سيناء المصرية بعد توقيع معاهدة السلام مع جمهورية مصر العربية.

فالقانون الدولي يحظرالتهجير القسري للمدنيين ونقل المستوطنين ،ومصادرة الممتلكات الخاصة أو تدميرها، و بذلك اصبحت عملية السلام غير موجودة وغير واقعية جراء الممارسات الإسرائيلية اليومية من مصادرة للأراضي وبناء الجدران وتهويد القدس وتضيق الخناق عليها وعلى مقدساتها الاسلامية والمسيحية، وحصارها بكافة الوسائل لترحيل سكانها الأصليين واحلال المستوطنين والقادمين الجدد مكانهم والقضاء على إمكانية ان تكون عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة .

لقد أصبح الاستيطان بالفعل نكبة جديدة تحل على الفلسطينيين بشكل يومي وأصبح كابوساً يؤرق حياتهم اليومية .

وهو يعبر عن سياسة تطهير عرقي تمارسه إسرائيل بحق المواطنين الفلسطينيين منذ العام 1948 عندما دأبت على الاستيلاء على اكبر قدر ممكن من أراضي فلسطين التاريخية وإزالة معظم القرى والأحياء العربية من مستقبل الدولة اليهودية المنتظرة ، فقد ارتكبت مجازر وعمليات طرد جماعي وقتل واغتصاب تنضوي جميعها تحت صفة (التطهير العرقي) .

وبشكل اكثر تحديداً فإن سياسة التطهير العرقي كما عرفتها الأمم المتحدة تهدف الى تحويل منطقه مسكونة من قبل أعراق مختلطة الى مساحة تتميز بالنقاء العرقي ، حيث تعتبر كافة الوسائل مبرره لذلك ، ويصنف القانون الدولي مثل تلك السياسة على انها جريمة ضد الانسانية ، وقد جاء تعقيب وزارة الخارجية الأمريكية في حينه بأن تصحيح تلك الجرائم يتم فقط عبر اعادة كافة الذين هجروا أو طردوا بسبب عمليات التهجير الى ديارهم .

وبذلك تتحمل اسرائيل المسؤولية عن خلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وأنها وحدها تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن تشريد شعب بأكمله عن أرضه ووطنه ، وعلى القيادة الفلسطينية التمسك بموقف مبدأي فيما يخص قضية اللاجئين الفلسطينيين باعتبارها عملية تطهير عرقي من أجل ضمان أن لا يتجاهل أي حل سياسي جذور الصراع ، والأخذ بتجربة جنوب افريقيا بهذا الخصوص ، بالاضافة الى تطبيق القرار الأممي رقم 194 والذي يقضي بالعودة غير المشروطة للاجئين الفلسطينيين وأسرهم الى موطنهم الأصلي ( وبيوتهم حيث كان ذلك ممكناً) ، اضافة الى ان مبدأ التعويض يقوم على القانون الدولي الذي يلزم الدولة التي تنتهك حقوق الملكية وحقوق الأفراد ، بارجاع الحال الى ما كان عليه قبل ارتكاب تلك الأعمال غير الشرعية ، وعلى تلك الدولة أن تزيل كل الآثار الناتجة عن ذلك واعادتها الى الوضع الذي كانت عليه ، واذا استحال ذلك فان للمتضرر الحق في التعويض المادي عن ذلك بقيمة تساوي إصلاح الضرر او ارجاع الحال كما كانت عليه ،أي أن لكل لاجئ الحق بالعودة بالاضافة الى التعويض، ولا يلغي أحدهما الآخر .

ان الإدعاء بأن فلسطين هي الوطن الموعود لليهود هو إدعاء كاذب ، وقد أكد ذلك الحاخام اليهودي (يسرائيل ويس) من مجموعة اليهود المتحدون ضد الصهيونية في مقابلته الشهيره مع محطة (فوكس نيوز)الامريكية ، حيث أعلن صراحة أن التوراة تقول (أن المفروض في اليهود ألا تكون عندهم دولة ، لأنهم منفيون بأمر الله ) ، وأن فلسطين لم تكن الخيار الوحيد في بداية توجه الحركة الصهيونية لانشاء وطن لليهود، ففي داخل صفوف الحركة جرى طرح إنشاء وطن قومي لليهود في الارجنتين أو كندا أو موزنبيق أو الكونغو أو اوغندا وغيرها ، وأن طرح مثل هذه البدائل يعني فيما يعنيه زيف مقولة ذلك الارتباط الروحي لليهود في فلسطين ، أما خيارات اقامة الدولة في فلسطين فجاء نتيجة صفقة بين الحركة الصهيونية والدول الاستعمارية ، حيث بحثت في مؤتمر كامبل_ بنزمان في العام 1908 عن حليف لها يمكن زرعه في فلسطين لمنع وحدة شطري الوطن العربي في آسيا وافريقيا ولم تجد افضل، أكثر من الحركة الصهيونية !! .

إن انسداد الأفق السياسي نتيجة التعنت الإسرائيلي، وتوقف العملية السياسية واستمرار الاستيطان وتهويد القدس ، دفع القيادة الفلسطينية الى البحث عن خيارات أخرى للدفع بالمصالح الفلسطينية وتحريك المياه الراكدة ، فكان التوجه للأمم المتحدة لطلب العضوية في سبتمبر الماضي أحد هذه الخيارات ، وبرغم عدم نجاحها الا انها استطاعت احداث حراك محلي ودولي واسع ، مما جعل إسرائيل تستنفر حول العالم وتطعن في قدرة السلطة الوطنية على إنشاء دولة بحجج وذرائع كثيرة أهمها الانقسام الداخلي وعدم قدرة الفلسطينيين على الاتفاق فيما بينهم، ومن سيحكم هذه الدولة حركة فتح ام حركة حماس الدينية المتطرفة على حد قولها .

إن قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 يتطلب توحيد الجهود وإنهاء الانقسام وإتمام المصالحة الوطنية وتوحيد الوطن جغرافيا وسياسيا للوقوف أمام الهجمة الإسرائيلية الشرسة على السلطة الوطنية الفلسطينية وكيانها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فالانقسام الداخلي الفلسطيني كان بمثابة (نكبة أخرى) في تاريخ الشعب الفلسطيني، ونقطة سوداء في صفحة نضالاته ضد الاحتلال ، بعدما اصبحت اسرائيل تستخدم هذا الانقسام ذريعه للتهرب من مسؤولياتها السياسية والقانونية وتنفيذ التزاماتها ، وأخذت تشوه موقف السلطة الوطنية ومنظمة التحرير أمام العالم بعدم قدرتها على الحكم واقامة دولة ذات سيادة مستقرة ، وعمدت اسرائيل على تغذية هذا الانقسام وزرع بذور الفتنة بين الأشقاء وأبناء الوطن الواحد لعدم تنفيذ اتفاق المصالحة فيما بينهم ، وأعتقد أن معركة الامعاء الخاوية التي يخوضها أسرانا البواسل حاليا في سجون الاحتلال ضد الظلم والطغيان ودفاعا عن وطنهم وقضيتهم العادلة ، ويتوحد حولهم الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه بالداخل والخارج ، يجب أن تكون حافزا قويا لإتمام المصالحة وإنهاء الانقسام حفاظا على مشروعنا الوطني الفلسطيني .

فالرد الفلسطيني على هذه النكبات المتتالية يجب أن يكون بإتمام المصالحة فورا بين حركتي فتح وحماس وإعادة اللحمة لشطري الوطن، ثم التوجه بموقف فلسطيني – عربي موحد لكافة الهيئات والمحافل الدولية واللجنة الرباعية، بأن هذه الانتهاكات وهذا العدوان المستمر على الحجر والبشر لا يمكن أن يستمر الى ما لا نهاية، وعلى المجتمع الدولي إلزام اسرائيل باحترام قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم حسب الاتفاقات الموقعة وإنهاء الصراع والعيش بدولتين مستقلتين جنبا الى جنب بإستقرار وأمان .

http://www.miftah.org