64 عاما والنكبة مستمرة ..وقصور الأمم المتحدة في تعاظم
بقلم: معتصم عوض
2012/5/14

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13748

عام 1948 هو عام نكبة الشعب الفلسطيني بسبب حجم الكارثة التي ألّمت بالشعب الفلسطيني، فقد تم تهجير 750 ألف فلسطيني من قراهم وبلداتهم ليصبحوا لاجئين في مناطق مختلفة من فلسطين وبعض الدول العربية، ويُحرموا فيما بعد من العودة إلى ديارهم، وتم تدمير حوالي 500 قرية وبلدة فلسطينية.

كانت حرب عام 1948 بمثابة زلزال اجتماعي للفلسطينيين سوّيت على أثرها الطبقات الاجتماعية، وأصبحت طبقة واحدة هي طبقة اللاجئين، تعيش في مخيمات اللجوء، وتتشارك في كثير من الخصائص الاجتماعية والاقتصادية.

لم تنتهِ النكبة عند العام 1948 فالهزات الارتدادية لذلك الزلزال ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا من خلال السياسات والممارسات الإسرائيلية اليومية على الأرض، فقد احتلت إسرائيل باقي الأرض الفلسطينية، 22% منها، في العام 1967، ومنذ ذلك الحين والاستيطان مستمر، ومصادرة الأراضي في ازدياد، وتهجير الفلسطينيين في تعاظم.

مع ذلك فإن للنكبة الفلسطينية تاريخا يسبق 15/5/1948، حيث تعود جذورها إلى ثمانينات القرن التاسع عشر، عندما بدأ المهاجرون اليهود بالقدوم إلى فلسطين والاستيطان فيها بدعم سخي من الصندوق القومي اليهودي الذي أنشئ عام 1901 ليكون الأداة الصهيونية الرئيسية لاستعمار فلسطين. وأدّت الحرب العالمية الأولى إلى تغيير النظام الدولي، فصعدت دول وسقطت دول أخرى. وكانت نتائج تلك الحرب إيجابية لبعض الشعوب، وكارثية بالنسبة لشعوب أخرى. وقدرنا كفلسطينيين أننا كنا من تلك الشعوب التي تأثرت سلبا بنتائجها. فبعد الحرب سارعت الدول المنتصرة إلى توزيع مغانمها، وقسِّمت المنطقة العربية إلى حصص تقاسمتها تلك الدول الاستعمارية، وعملت على نهب مواردها وخيراتها لتطوير بنيتها الاقتصادية والعسكرية على حساب شعوب تلك الدول. كذلك عملت الدول الاستعمارية على حل مشاكلها الداخلية على حساب الشعوب والأمم الأخرى، وهذا ما حدث في الواقع مع الشعب الفلسطيني.

لم يكترث الاستعمار إلى طبيعة المجتمعات، واختلافاتها الدينية، والثقافية، والاجتماعية، والعرقية، فضمت بعض الأقطار الجديدة عناصر غير متجانسة دينيا، ولغويا، وتاريخيا، ولا حتى في المشاعر. وفي هذا السياق شجّع الاستعمار هجرة اليهود إلى فلسطين ليس حبا بهم، بل من أجل محاولة حل مشكلتهم داخل المجتمعات الأوروبية بطريقة جذرية، وتصدير الفاتورة ليدفعها شعب آخر، فكان قدر الشعب الفلسطيني أن يدفع ذلك الثمن. من ناحية أخرى لم يكترث الاستعمار إلى التقسيم العادل للثروة بين المناطق المقسمة، وشتت هذا التقسيم القوة العسكرية والاقتصادية للدول التي وقعت فريسة الاستعمار، فانغمست في حل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية وأصبح التحكم بالأمور المصيرية المتعلق بها بيد القوى الخارجية، وأضحت التبعية هي الإطار النظري الذي يحكم هذه الدول بالمستعمر بأساليب ووسائل مختلفة.

يعد إعلان وعد بلفور عام 1917 'وعد من لا يملك لمن لا يستحق' من خلال الرسالة التي أرسلها آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917 إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد والتي أكد فيها تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، إحدى أهم المحطات في التاريخ الفلسطيني، لما تلا هذا الإعلان من نتائج مأساوية على الشعب الفلسطيني، والتي ما زال يعاني منها حتى يومنا هذا. وقد بني على هذا الوعد، فيما بعد، العديد من المحاولات الدولية لإيجاد حل للصراع العربي اليهودي، ومن الأمثلة على ذلك فكرة تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية مع تحديد منطقة دولية حول القدس في تقرير لجنة پيل عام 1937 وتقرير لجنة وودهد عام 1938، وصدر هذان التقريران عن لجنتين تم تعيينهما عن طريق الحكومة البريطانية لبحث قضية فلسطين إثر اندلاع الثورة الفلسطينية التي دارت خلال العامين 1933 و1939.

استحدثت هيئة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وبدأت بالمطالبة بإعادة النظر في صكوك الانتداب التي منحتها عصبة الأمم لدول الاستعمار الأوروبية، ومنها الانتداب البريطاني على فلسطين. وقامت هيئة الأمم بتشكيل لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين (UNSCOP) والتي ضمت دولا متعدّدة باستثناء الدّول دائمة العضوية. وقامت اللجنة بطرح مشروعين لحل النزاع، تمثّل المشروع الأول بإقامة دولتين مستقلتين، واحدة للعرب وأخرى لليهود، على أن تُدار مدينة القدس من قِبل إدارة دولية. وتمثّل المشروع الثاني في تأسيس فيدرالية تضم كلا من الدولتين اليهودية والعربية.

في نوفمبر تشرين الثاني من العام 1947 صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 181 على قرار تقسيم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية، وإبقاء القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية. وقد صوتت مع القرار 33 من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي بلغ عددها في تلك الفترة 57 دولة، في حين صوّتت 13 دولة ضد القرار، وامتنعت 10 دول عن التصويت، وتغيبت دولة واحدة. ووافقت الدول العظمى (الولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي، وفرنسا) على خطة التقسيم، باستثناء بريطانيا التي كانت حينها سلطة الانتداب وبالتالي فضلت الامتناع عن التصويت.

وبموجب قرار التقسيم كان ينبغي على الأمم المتحدة أن تقوم بالإشراف على تنفيذ خطة السلام، حيث تعهدت في قرارها بأن تمنع أي محاولة من الطرفين (العرب واليهود) لمصادرة أراض تعود ملكيتها إلى مواطني الدولة الأخرى. لكن عمليا لم تقم بعثات الأمم المتحدة، وما زالت، سوى بالمراقبة وإرسال التقارير إلى مقراتها في نيويوك وغيرها. وتخلّت الأمم المتحدة عن وعودها، ولم تحترم قراراتها، ووقفت موقف المتفرج بعد 15 أيار 1948 على الفلسطينيين الذين سلبوا أرضهم، وديارهم، وهجروا منها، ومنعوا من العودة إليها.

ويعد القرار 194 الصادر في كانون الأول 1948 من أهم القرارات الصادرة عن الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة والخاصة بالقضية الفلسطينية. فقد أوجب القرار عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجّروا منها وتعويضهم. كذلك دعا القرار إلى وجوب حماية الأماكن المقدسة، والدينية خاصة في منطقة القدس، وأن توضع تحت مراقبة الأمم المتحدة الفعلية. وعلى الرغم من صدور العديد من القرارات الهامة الخاصة بفلسطين عن الجمعية العامة، إلا أن تلك القرارات بقيت حبرا على ورق، ولم يتم تطبيقها إلى يومنا هذا. كذلك من الملاحظ عدم صدور أي قرار جوهري من قبل مجلس الأمن خاص بالقضية الفلسطينية منذ العام 1948 وحتى العام 1967.

أصدر مجلس الأمن العديد من القرارات (233، 234، 235، 236،237، 240، 242) جراء العدوان الإسرائيلي على الدول العربية في العام 1967. وقد تميز القرار 242 عن بقية القرارات المذكورة والتي لم تهتم سوى بقضية وقف إطلاق النار، فيما أشار قرار 242 إلى عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب، كما طالب القرار إسرائيل بالإنسحاب من الأراضي التي احتلتها، وتحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين. وقد دعا قرار مجلس الأمن رقم 338 والصادر بتاريخ 23/10/1973 في أعقاب حرب أكتوبر إلى تنفيذ القرار 242 بالكامل. وتعد مشكلة تلك القرارات (242، 338 وغيرها) على الرغم من إلزاميتها كونها صادرة عن مجلس الأمن، أنها لم تصدر بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ما جعل إسرائيل تعتبرها مجرد توصيات، كونها لا تحمل صبغة تنفيذية، أو برنامجا زمنيا للتنفيذ.

على الرغم أن العرف الدولي أقر بالطبيعة الإلزامية لقرارات مجلس الأمن، وإن لم تصدر بموجب الفصل السابع، إلى أن ما يميز أي قرار صادر بموجب الفصل السابع هو إعطاء الضوء الأخضر لأعضاء الأمم المتحدة صراحة في اتخاذ ما يجب اتخاذه من تدابير، من بينها وقف الصلات الاقتصادية، والمواصلات الحديدية، والبحرية، والجوية، والبريدية، والبرقية، واللاسلكية، وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئيا أو كليا، وقطع العلاقات الدبلوماسية. وإذا رأى مجلس الأمن أن تلك التدابير لا تفي بالغرض، أو ثبت أنها لم تفِ به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية، والبحرية، والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي، أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال الحصار، والعمليات العسكرية للقوات الجوية، أو البحرية، أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة.

بعد العام 1967 صدرت عشرات القرارات عن الجمعية العامة، ومجلس الأمن، وكانت في معظمها عبارة عن أسف، وشجب، وإدانة، ودعوة لنبذ العنف، أو لوقف الاستيطان، أو لحماية الأماكن المقدسة، وتأكيدا على بطلان الإجراءات الإسرائيلية في القدس، ودعوة لاحترام اتفاقية جنيف الرابعة. كما أكد بعضها حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني (من ضمنها قرارات الجمعية العامة رقم 2535، 2649، 2672، 2792، 2993، 3089، 3236، 3375، 3376 وغيرها). لكن ما ميز هذه القرارات جميعا أنها بقيت حبرا على ورق، وضربت إسرائيل بها عرض الحائط. ولعل من أحد الأسباب الرئيسية التي أفقدت هذه القرارات قيمتها، خاصة تلك الصادرة عن مجلس الأمن، هو عدم ربطها بموجب الفصل السابع من الميثاق، ما جعل إسرائيل تدعي أنها عبارة عن توصيات غير ملزمة، كونها لا تحمل صبغة تنفيذية، أو جدولا زمنيا للتنفيذ، وبالتالي كان الادعاء الإسرائيلي دوما أن تلك القرارات لا يمكن تنفيذها دون التفاوض عليها.

وقد أنشأت الأمم المتحدة العديد من اللجان الدولية خاصة بالقضية الفلسطينية، ومنها إنشاء اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف في قرار الجمعية العامة رقم 3376 في تاريخ 10 تشرين الثاني 1975، وإنشاء اللجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان لسكان الأرض المحتلة في قرار الجمعية العامة رقم 2443 (د – 23) المؤرخ في 19 كانون الأول 1968، ناهيك عن العديد من اللجان التي تم تكليفها من قبل الأمم المتحدة لمراقبة الوضع في الأرض المحتلة، أو لتقصي الحقائق، والتي كان آخرها لجنة غولدستون لتقصي الحقائق حول العملية العسكرية التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة أواخر العام 2008، وقد خلص تقرير غولدسون أن جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية يمكن أن تكون قد ارتكبت بحق المدنيين الفلسطينيين في القطاع نتيجة الحصار المفروض على القطاع، وأثناء العملية العسكرية.

هذه القرارات لم تؤد إلى نتائج ملموسة على الأرض، فإسرائيل ما زالت تنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني الأساسية يوميا على مرأى ومسمع وكالات الأمم المتحدة المنتشرة فروعها في الضفة العربية، وقطاع غزة. فالاستيطان مستمر، بل ويتزايد يوما بعد يوم، ومصادرة الأرض مستمرة، وهدم البيوت في القدس ومناطق 'ج' في الضفة الغربية مستمرة، وسياسات تهجير المواطنين من تلك المناطق في ازدياد، ناهيك عن نهب المياه لصالح المستوطنات، والقصف الدوري لقطاع غزة، والاعتقال التعسفي،...إلخ.

ودور الأمم المتحدة هو توثيق لتلك الانتهاكات المستمرة منذ أكثر من 64 عاما، وإرسال التقارير ذات العلاقة إلى مقراتها لتنتهي بالدرج، أو بجلسة للجمعية العامة، أو لمجلس الأمن، أو لمجلس حقوق الإنسان كأبعد تقدير، وتنتهي تلك الجلسات أيضا بقرار، أو بيان يشجب، ويستنكر، ويدعو، ولا يسمن ولا يغني من جوع.

لقد حصلنا على عضوية اليونسكو مؤخرا، فهل ستحمي هذه العضوية الأماكن المقدسة والتاريخية الفلسطينية من التهويد والتخريب؟ أم أن هذه العضوية ستكون هي الأخرى حبرا على ورق، وستكتفي اليونسكو هي الأخرى ببيانات الشجب والاستنكار والدعوة إلى احترام القانون الدولي؟.

بقي أن نعرف أن الدولة هي اللاعب الأساسي في العلاقات الدولية، وأن المنظمات الدولية ما هي إلا أماكن تجتمع فيها تلك الدول لتنفيذ مصالحها الذاتية، حتى لو كانت على حساب حقوق ومكتسبات الشعوب الأخرى. وفي هذه الأماكن توضع القيم والأخلاق على الهامش في حال تعارضها مع مصلحة الدولة. فكما قال توفيق الحكيم، 'المصلحة الشخصية هي الصخرة التي تتحطم فوقها أقوى المبادئ'. وهذا ما علمنا إياه التاريخ وتجربة 64 عاما من الظلم والهوان.

هذا لا يعني أننا لسنا بحاجة إلى الأمم المتحدة لنصرة قضيتنا العادلة، لكن المهم أن نعرف كيف نوجهها لتحقيق نتائج عملية على الأرض بعيدا عن العاطفة والشعارات. إن قرار التوجه للأمم المتحدة لنيل عضوية دولة فلسطين هو خطوة في الاتجاه الصحيح، ويجب مواصلة هذا المشوار الصعب والمعقد. من ناحية أخرى فإن طلب إصدار أي قرار جديد من الأمم المتحدة خاص بالقضية الفلسطينية، مثل قضية الاستيطان، أو الأسرى يجب أن نناضل من أجل أن يصدر بموجب الفصل السابع من الميثاق، ولو كان ذلك حلما بعيد المنال بسبب وجود الفيتو الأمريكي. مع ذلك يجب أن نضمن على الأقل أن يكون هناك وضوح لعملية تنفيذ القرار وإطار زمني لتنفيذه. نحن لا نريد إصدار قرار من أجل إصداره، فهناك مخزون جيد من قرارات الأمم المتحدة التي أكدت ضرورة تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وحق العودة، ووقف الاستيطان ولكن للأسف لم تحرك هذه القرارات ساكنا لعدم جدية الدول بتنفيذها.

كذلك نحن بحاجة إلى مراجعة جدوى وجود بعض هيئات الأمم المتحدة في فلسطين، أو على الأقل مراجعة وظيفتها وكيفية عملها. فهذه الهيئات تعمل وتأخذ ميزانيتها من الموازنات التي ترصدها الدول للشعب الفلسطيني، وبالتالي من حقنا مراجعة عملها للتأكد من ضرورة وجودها من عدمه. ولنكون عمليين بعيدين عن العاطفة يجب أن نعمل على الاستفادة من وكالات الأمم المتحدة العاملة في فلسطين في تنفيذ خطط السلطة الوطنية الفلسطينية خاصة في المناطق التي لا تستطيع السلطة الوصول إليها مثل القدس، ومناطق 'ج' في الضفة الغربية من أجل تعزيز ودعم صمود المواطن للبقاء على أرضه، وهذا أضعف الإيمان.

http://www.miftah.org