نتائج وأبعاد الانتخابات الداخلية في حركة حماس..!!
بقلم: د. نشأت الأقطش
2012/5/31

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13803

السرية التي تحيط انتخابات حركة "حماس" الداخلية تثير حفيظة الإعلام، وتُنشط التحليل والخيال لدى وسائل الإعلام والدوائر السياسية، هذا المقال يهتم بتحليل نتائج وانعكاسات انتخابات الحركة، وفيه بعض الحقائق المتاحة حول طبيعة وطرق اتخاذ القرار داخل الحركة. لا أعتقد أن أحدا من "حماس" أو من خارجها يملك المعلومة الكاملة حول هذا الموضوع باستثناء أعضاء مجلس الشورى وأعضاء المكتب السياسي، فالسرية تامه حول الموضوع، ولكننا نملك القدرة على توقع ما تفكر به حركة "حماس"، وانعكاسات نتائج الانتخابات على الوضع الفلسطيني.

سبب الاهتمام بانتخابات "حماس"؟

ارتبط الاهتمام بنتائج الانتخابات (داخل حركة حماس) بتصريحات خالد مشعل الاخيرة التي قال فيها: "لن أترشح لفترة جديدة". بعد تصريحاته تلك زاد أهتمام وسائل الإعلام بنتائجها، وذلك لسببين:

الاول، نجحت حركة "فتح" (إعلاميا) بإظهار حركة حماس بأنها مقسمة بين مؤيد للمصالحة ومعارض لها، وبتالي اهتمت وسائل الإعلام بمعرفة من سيفوز، لان فوز أحد الفريقين يؤثر على سياسية الحركة في هذا الملف وهذا تفكير غير واقعي ولا علاقة له بالواقع. فقرر المصالحة ليس قرارا فردي يتخذه خالد مشعل ويرفضه محمود الزهار، بل هو قرار إستراتيجي يتخذه المكتب السياسي ويقره مجلس الشورى، وبالتالي هو إستراتيجية موضوعة ومقرة، ودور المكتب السياسي البحث عن افضل السبل لتنفيذه.

والسبب الثاني، ظهور مناكفات (للمرة الاولى) بين قادة "حماس" عبر وسائل الإعلام في عده ملفات (احداها ملف المصالحة الفلسطينية)، وهي خلافات ليس من المعتاد أن تنشر في وسائل الإعلام، على عكس خلافات حركة "فتح" التي تظهر في وسائل الإعلام دائما، ما اثر شهية وسائل الإعلام لمعرفة المزيد عن هذة الخلافات، ومدى عمقها.

اعادة انتخاب مشعل..

إن إعادة انتخاب خالد مشعل رئيسا للمكتب السياسي قد يفهمه البعض على أنه انتصار لفريق على آخر (أنتصار انصار المصالحة ضد معارضيها)، وهو فهم غير دقيق. ان طريقة صنع القرر في حركة حماس مختلفة عن التنظيمات الفلسطينينة الاخرى. اختيار خالد مشعل للمرة الرابعة في رئاسة المكتب السياسي لا علاقة له بملف المصالحة والصراع بين المؤيدين والمعارضين، ولكن له علاقة بـ:

• نجاح خالد مشعل في ضخ أموال (لا تحصى) إلى قطاع غزة، ما ساعد على صمود الحكومة والحركة.

• ولة علاقة بنجاح مشعل في فتح الابواب الموصدة أمام الحركة في العالم العربي والإسلامي.

• وله علاقة بنجاحه في تقديم الحركة للعالم بصورة جديدة.

• وله علاقة بموازين القوى داخل "حماس"، فقد تشكلت قوة خالد مشعل في داخل السجون (حيث صار معظم السجناء من الضفة الغربية)، وفي الضفة حيث القاعدة الحمساوية المقموعة من السلطة والناقمة على سياسية قادة "حماس" في القطاع التي لم تعطي أي أهتمام لهم ولا رعاية، وفي الخارج حيث القاعدة العريضة المؤيدة لمشعل، وحتى في قطاع غزة يشاع أنه قد حصل على نسبة عالية من الاصوات خلال الانتخابات السرية الاخيرة.

• واخيرا نجاح خالد مشعل في كسب ثقة الرئيس الفلسطيني، الشيء الذي خفف الضغط الهائل الذي كانت تعاني منه الحركة في الضفة الغربية، فقد شاركت "حماس" في فعاليات كثيرة، بالضرورة ضمن هذه الظروف سمح بإدخال أموال لتمويل نشاطات الحركة.

هذه بعض الاسباب التي (ربما) جعلت مجلس الشورى يوافق على استثناء فوق الميثاق، وتمديد فترة رئاسية رابعة لخالد مشعل. حسب ميثاق "حماس" لا يجوز انتخاب رئيس مكتب سياسي للحركة لاكثر من دورتين متتاليتين، ولكن خالد مشعل حصل على استثناء لفترة ثالثة خلال الحرب على غزة في العام 2008/2009، وحصل على استثناء (على ما يبدو) في العام 2012.

يعتقد البعض أن إعادة إنتخابه للمرة الرابعة يعكس سياسية "حماس" المستقبلية، فهو متفق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس على كثير من النقاط منها: ضرورة انهاء الانقسام، وانجاز شكل من المصالحة التي تمكن الرئيس من الذهاب للمحافل الدولة لانتزاع قرار باقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. وبنفس الوقت تحتفظ لـ"حماس" ما لديها من امتيازات في قطاع غزة، وتحتفظ "فتح" بما لديها من امتيازات في الضفة. وهذه إستراتيجية لا يتفق على جدواها كل قادة "حماس"، بل بعض القادة اصبح لديهم هذا القبول.

انعكاس الانتخابات على المصالحة..

اعتقد أن ما يسمى المصالحة لا يمكن أن يتم، ولكن ما يمكن الاتفاق عليه هو محاصصة أو إدارة للازمة أو إدارة للإنقسام، اتوقع أن تُقدم حركة "حماس تنازلات كبيرة لصالح خطة الرئيس الفلسطيني؛ لان حركة "حماس" (قد يكون) من أهم اولوياتها في المرحلة القادمة أمرين، (في الخطة الاستراتيجية التي سيقدمها المكتب السياسي للسنوات الاربعة القادمة، وهي سرية ولا يعلمها إلا سبعون رجلا هم اعضاء مجلس الشورى) وهما:

الاول، الحفاظ على غزة.. وسلطة "حماس" فيها، وهذا يتحقق من خلال اتفاقية القاهرة بشكل واضح، ثم تقوية قطاع غزة عسكريا وماديا بحيث تستطيع الحركة الصمود أمام موجة الربيع العربي الذي لا يعرف إلا أين قد تصل.

والامر الثاني، الذي سيكون من اولويات المكتب السياسي في خطته القادمة هو: تحسين وضع الحركة في الضفة الغربية. وهذا لا يتحقق إلا بصنع شكل من المصالحة. فقد استطاعات حركة حماس (بعد اتفاق القاهرة)؛ الظهور في مسيرات سلمية، وشاركت في انتخابات مجالس الطلبة، وبدأت تظهر حركة حماس على الساحة بعد أن غابت تماما خلال سنوات الخصام. وهذا يعني ان أموال الحركة قد سمح لها بالدخول مرة أخرى لتمويل الانتخابات والنشاطات ..، اعتقد أن اعادة بناء مؤسسات حماس في الضفة الغربية لا بد وأن يكون من أولويات الحركة في المرحلة القادمة، واعادة انتخاب خالد مشعل قد يكون له علاقة بهذا الموضوع.

طبيعة انتخابات حماس..

ينتخب مجلس شورى مكون من 70 عضوا (تقريبا) وهم موزعون ما بين: قطاع غزة والضفة الغربية والخارج والسجون. ومنهم (أي أعضاء مجلس الشورى) يتم انتخاب خمسة عشر (15) عضوا للمكتب السياسي يكون منهم 7 أو 9 اعضاء فاعلين، والباقي في قائمة الاحتياط يحلون مكان أي عضو يعتقل أو يتم إغتياله.

يضع المكتب السياسي (بعد انتخابه مباشرة)، استراتيجية الحركة للأربع سنوات القادمة، ويقدمها لمجلس الشورى الذي يوافق عليها أو يرفضها. فإذا اقرت الخطة ينفذها المكتب السياسي ضمن وسائل يراها مناسبة، ولا أظن أن المجلس يتدخل بطريقة تنفيذ الخطة بقدر ما يحاسب على النتائج. وفي بعض الامور الطارئة يتم التعاطي معها بشكل مباشر وفي كثير من الاحيان يتم إخضاعها للشورى بعد عرضها على القاعدة الشعبية للستنارة.

تجرى الانتخابات الداخلية كل اربع سنوات، وتجرى في جميع مجالس الحركة واذرعها. يميز انتخابات حركة "حماس" أنها سرية في اجراءاتها ووقتها ونتائجها، وما تم تسريبه في بعض وسائل الإعلام عن نتائج الانتخابات.. تم نفيه من قادة الحركة. فلا تتوفر معلومات حقيقة موثقة عن انتخابات "حماس". وهذه سياسية اتبعت من حركة "حماس" بعد اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي. فقد نفى القيادي في حركة "حماس" صلاح البردويل لدنيا الوطن بتاريخ 2/5/2012، ما ورد في صحيفة "هآرتس" عن فوز إسماعيل هنية بفارق كبير في الانتخابات الاخيرة، واحتفاظ خالد مشعل برئاسة المكتب السياسي مع فقدانه للسيطرة على الميزانية العسكرية. ووصف البردويل ما أوردته "هآرتس" أنه افتراء ولا أساس له من الصحة، وقال: إن الهدف جر حركة "حماس" لكشف أوراقها أمام وسائل الإعلام، مؤكدًا أن انتخابات "حماس" سرية، وستظل كذلك.

الخلاصة:

• سياسة "حماس" لا يصنعها شخص واحد، فقرار الحركة يتم بطريقة ثابتة ومحددة، بالتالي لا تأثير للاشخاص أو الدول عليه.

• حصول خالد مشعل على استثنائين من مجلس شورى الحركة أمر لافت للانتباه، ويثير الكثير من التحليلات. كأني أرى سياسة الانظمة العربية (سياسة الرجل المقدس، شيخ القبيلة الذي لا يبدل لا من الله..) تتجسد في الحركة، وهذا نهج خطير يعبر أزمة مستقبلية تنتظر الحركة، وخاصة علاقة غزة بالضفة.

• ديمقراطية "حماس" وانتخاباتها الداخلية تخص "حماس"، ولا تنعكس على طريقة حكمها للناس، فمن يعارض سياستها لا يُرحم، وهي ديمقراطية لا تهمني كمواطن.. بل تخيفني. لانها ديمقراطية تنتج دكتاتور في معظم الأحيان.

• الانتخابات في حركة "حماس" دورية ومستمرة، وتجري في جميع الدوائر والمؤسسات، ولكن اهتمام الإعلام هذه المرة كان ملحوظا أكثر من المرات السابقة؛ بسبب ظهور خلافات بين قادة "حماس".

• من هو ليس "حماس"، لا رأي له في قررات الحركة. وهذا موضوع النقاش مهم: كيف يمكن المقاربة بين قرارات حركة حماس التي تتعلق بالوطن ومستقبل المواطن إذا كان المواطن رأي له؟ لا ننكر على "حماس" ديمقراطيتها الداخلية، ولكن عندما يتعلق الامر بقضية عامة فالامر مختلف، ويجب أن يكون للناس رأي، فقد وافقت حركة "حماس" على قيام دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967، (وهو مشروع حركة "فتح") وتمت الموافقة على هذا المشروع من خلال انتخابات على مستوى القاعدة، ومر القرار على دوائر مختلفة مثل مجلس الشورى والمكتب السياسي. ولكن الفئة التي تم استشارتها لا تمثل رأي الشعب كله. صحيح "فتح" و"حماس" حزبان كبيران، ولكنهما ليس كل الشعب، بالتالي ليس من الديمقراطية أن تقرر الاقلية عن الاغلبية. "فتح" لم تشاور الشعب في مشروعها، و"حماس" ايضا لم تسأل الشعب، فهو قرار تتخذه شريحة من الناس، وتتخذ قرارات مصيرية (ربما) بسبب مصالح حزبية. وكأن 80% من الفلسطينيين غير المؤيدين لـ"حماس" و"فتح" لا يعنيهم الامر. كنا سننظر بعين الاحترام لانتخابات "حماس" الداخلية لو انها شاورت الشعب الذي تتحدث باسمه في اتخاذ سياسياتها وقراراتها الاستراتيجية. هذه ديمقراطية في شكلها، ودكتاتورية بشعة في جوهرها، وهو ما يجعل انتخابات "حماس" الداخلية لا تعني أكثر من تكليف شخص أو أشخاص (من الحركة) للحديث في أمور الناس ومستقبلهم دون استشارتهم. وبالتالي انتخابات "حماس" الداخلية في الاصل تعني "حماس"، ولا تخول رئيسها لاتخاذ قرارت تتعلق بقضايا مصيرية. فالمصالحة بين "فتح" و"حماس" على سبيل المثال امر عام يقرر فيه شخص (قد) يقدم مصالح الحركة على المصلحة العامة. والامر اخطر في حركة "فتح" حيث يعين الاشخاص بحكم مركزهم أو تاريخهم في الحركة ولا يتم انتخابهم حسب علمنا من الشعب.

• صحيح أن حركة "حماس" وحركة "فتح" قد فازتا في انتخابات عامة ولكن هذا الفوز لا يعطيهما تفويضا مفتوحا للبت في: مستقبل اللاجئين، ولا القدس، ولا مساحة الدولة الفلسطينينة الموعودة، ولا التنازل عن شبر من فلسطين التاريخية إلا بعد عرض الامر على الشعب.

• الامر الخطير والاخير، تستغل الانتخابات الداخلية (احيانا) لتعديل سياسية عامة، فقد استغلها المؤيدون للمشاركة في الانتخابات للدخول في الانتخابات، واستغلها آخرون لقبول خطة حركة "فتح" السلمية والتي بموجبها تم التنازل رسميا عن 78% من فلسطين مقابل قيام دولة على 22% من الارض الفلسطينينة. والمهم أن إسرائيل أخذت من الاتفاق شرعية دولية بوجودها، وبعد ذلك بدأت تفاوض القيادة الفلسطينينة على ما تبقى. إذا كان فشل خطة السلام واضحا للجميع (حيث سمعنا الرئيس الفلسطيني يصرح ويلمح بأن السلام مع إسرائيل فشل)؛ كيف زجت "حماس" نفسها في مشروع فاشل؟ كيف حللت لنفسها ما حرمته على "فتح" بعد اتفاق أسلوا؟ لقد تم بالانتخابات.

* استاذ الإعلام في جامعتي بيرزيت والقدس. - naqtash@aqtash.ps

http://www.miftah.org