قراءة قانونية في إتفاق الأسرى الأخير!!
بقلم: المحامي إبراهيم شعبان
2012/6/7

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13824

جاء في الأنباء الصحفية أن إسرائيل وإدارة سجونها ما زالت سادرة في غيها، حيث تقوم بانتهاك إتفاق ألأسرى الموقع في 14/05 /2012 من جميع جوانبه سواء تعلق ذلك بالعزل، أو الإعتقال الإداري، أو الغرامات، أو التفتيشات والمداهمات الليلية، أو الزيارة، أو تقييد الأيدي والأقدام أثناء الزيارة، أو تحسين شروط الحياة في داخل السجون.

وبالقطع، هناك إدانة شعبية ورسمية كبيرة وواسعة، لهذه الإجراءات الإسرائيلية اللاإنسانية والحاطة بالكرامة والقاسية بحق الأسرى، من جميع المهتمين بالأسرى وقضاياهم. ولكن السؤال الجوهري والذي يطرح نفسه بقوة: أين هو اتفاق الأسرى الأخير والذي وقع يوم 14/05/2012 بعد إضراب عن الطعام استمر أكثر من ثمانية وعشرين يوما؟! ولماذا لا تقوم الجهات المختصة بنشره على الملأ، علما أن وسائل النشر كثيرة ومتعددة؟!

ويبدو أن عدم نشر اتفاق الأسرى الأخير بشكل رسمي، وبطريقة رسمية لم يتم. لذا فقد أثار الحيرة والأضطراب والغموض في مضمونه للجمهور الفلسطيني، فالبعض وبخاصة من المحامين أو الأسرى أراد التوسع في تفسيره، والبعض الآخر رغب بذكر الأمر كما فهمه من الإتفاق. والبعض أيد وصفق، وبعض آخر امتدح وأثنى، ولكن بقي الأمر دون بيان رسمي، وبالتالي ضاعت الحقيقة أو أوشكت، وكثرت التعليقات سواء لجر مغنم أو لدرء ضرر.

ويبدو أيضا - كما نشر في وسائل الإعلام - أن هناك رسالة تعهد، قدمها الأسرى الفلسطينيون في 14/05/2012 لمديرية مصلحة السجون الإسرائيلية، ووقعها تسعة مندوبين عن السجناء الأمنيين وبالنيابة عنهم في سجون نفحة، وهداريم، ورامون، وإيشل، وريمون . وقد قرروا فيها، تعهدهم بعدم القيام بأي نشاط أمني من داخل السجون الإسرائيلية، وفي مقابل ذلك تقدم دولة إسرائيل " تسهيلات " في مواضيع مثل احتجاز أسرى أمنيين في العزل الإنفرادي، والسماح لأهالي الأسرى بالضفة الغربية وقطاع غزة بزيارة ذويهم، وأخيرا "بالبدء بنقاش" مطالب المضربين من الأسرى بشأن ظروفهم المعيشية داخل الأسر. واختتمت رسالة التعهد من الأسرى بأن ممارسة أي نشاط أمني داخل السجون الإسرائيلية من الأسرى، أو استئناف إضراب الأسرى في السجون الإسرائيلية سوف يؤدي بالجانب الإسرائيلي إلى إلغاء "التسهيلات" المذكورة آنفا. وفي ظل التعتيم الإعلامي على الإتفاق، فيبدو أنه هو ذاته رسالة التعهد المقدمة من الأسرى الفلسطينيين لمصلحة السجون الإسرائيلية، والموقعة من الطرفين أو هكذا يبدو على الأقل..!

وإذا صح أن رسالة التعهد هذه هي ما يسمى باتفاق الأسرى الأخير، فليسمح الإخوة الأسرى لنا بإبداء بعض النقاط الشكلية، العقلية، المنطقية، والقانونية الهامة من حيث المرجعية. ذلك أن رسالة التعهد هذه مليئة بالثقوب، والإبهام والغموض وعدم التحديد. وإذا ما ثار خلاف حول أحد هذه النقاط، وهو لا بد ثائر، حينها من يملك تعبئة فراغات الثقوب وحل خلافاتها. هل هو الفريق الإسرائيلي الأقوى ماديا والذي يملك آليات القوة بكل مظاهرها، رغما عن القوة المعنوية الكبيرة التي يمتلكها الأسرى أم الفريق الأسير بكل قواه وجوارحه وصدقه. ومن يملك التحقق من هذه النقاط أو الإدعاءات بأن خرقا قد حصل أو ما شابه ذلك.

الألفاظ هي وعاء المعاني، وهي الوسيلة الرئيسة لتفسير أي اتفاق، لأن الغوص في النوايا وإثباتها أمر شائك وعسير. من هنا كانت كلمة "تسهيلات" الواردة في الإتفاق كلمة فضفاضة، مبهمة، غامضة، مرسلة، نكرة، عامة، غائمة وعائمة أو قل ضبابية. وتذكر بنصوص مثيلة وردت في إتفاقية أوسلو. وواضح أنها تفيد التبعيض وليست جميع التسهيلات. ولا تعرف زمانا لهذه التسهيلات، ولا تعرف لها مضمونا محددا. أضف أن التسهيلات كلمة تعني التبرع والمنح والإسترداد إذا أراد المانح، وهي لا تعني الديمومة ولا الواجب ولا الحق، على عاتق وعلى كاهل الملنزم. ولا أخال الأسرى قصدوا هذا المعنى بأي حال من الأحوال بل قصدوا التزاما.

الأمر الدائم الذي يطالب به الشعب الفلسطيني وقياداته وقواعده هو تطبيق القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان على الأرض المحتلة وعلى سكانها. لكن حينما يتم التوصل لإتفاق ما سواء أكان في أوسلو أو في السجون، يتم تناسي وتجاهل هذا الأمر كليا، وبشكل يثير الإستغراب وعدم الفهم. وإذا كان مطلوبا ومفهوما ومبررا للإسرائيليين أن يتجنبوا مواثيق القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان التي وقعتها وصادقت عليها إسرائيل نفسها، فإن من العسير للفلسطينيين وبخاصة للقانونيين الفلسطينيين أن يفهموا عدم ذكر كلمة واحدة تتعلق بالقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان ومبادئه في صلب الإتفاق وبخاصة في ظل تنكر العالم للحقوق الفلسطينية.

بكلمات أخرى، لماذا لم يشر الإتفاق إلى إتفاقيتي جنيف الثالثة الخاصة بأسرى الحرب والرابعة الخاصة بالأراضي المحتلة الموقعتين في 12/08/1949 كمرجعية لهذا الإتفاق، وقد صادقت إسرائيل على كليهما عام 1951 وبالتالي نفذا بحقها. لماذا لم يشر الإتفاق إلى ميثاق الحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 ،وميثاق الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية لعام 1966 ،كمرجعية لهذا الإتفاق، وقد صادقت إسرائيل على كليهما عام 1991، وبالتالي نفذا بحقها. لماذا لم يشر إلى مرجعية بروتوكول 1977 المكمل لإتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949. إن عدم الإشارة هذا يقتضي فحصا وتأملا وعلامة استفهام فيما يتداوله الكثيرون عن كيفية طرح مسألة الأسرى الفلسطينيين على مجلس حقوق الإنسان في جنيف، أو أمام محكمة العدل الدولية في ظل تجاهل ذكر هذه المواثيق الدولية من الإتفاق؟! إن وجود المرجعية أو السند أو المصدر أمر على درجة عالية من الأهمية وبخاصة لحسم الخلافات.

وإذا كان مفهوما أن إسرائيل لا تريد أن يقيدها قواعد القانون الدولي الإنساني الممثل باتفاقيات لاهاي لعام 1907 وعام 1949 ولا تريد الإعتراف به، بل هي تنكره وتعتبر الأسرى الفلسطينيين مجرمين وتطبق عليهم القواعد الجنائية، فلماذا لم يشر الإتفاق – كإحراج لإسرائيل - إلى القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في جنيف عام 1955، وأقرها المجلس الإقتصادي والإجتماعي بقراريه 663 جيم المؤرخ في 31 تموز/ يولية 1957 و2076 المؤرخ في 13 ايار/ مايو 1977 كمرجعية ومصدر، رغم أن هذا الطرح مرفوضا أساسا وغير مقبول لأنه يجعل من الأسرى الفلسطينيين مجرمين عاديين.

ما شكل اتفاقا أو سمي هكذا، لا يعدو أن يكون رسالة تعهد من الأسرى ومن ممثليهم مرسلة لمديرية السجون، أو هكذا تبدو الأمور في الأدبيات، وإن كان هناك أمر مختلف، فلتنشره الجهات المعنية، فأي أمر سري تثور حوله الشبهات. على أية حال "الرسالة" أمر مختلف اختلافا بينا عن "الإتفاق" أو "ألعقد". فالأول لا يحتاج موافقة اثنين أو ثلاثة، بل إرادة منفردة وحيدة، وهي لا تلزم إلا مرسلها أو موقعها ولا تلزم غيره. أما الإتفاق أو العقد فهو انعقاد إرادتين على موضوع ما، وملزم لكليهما. وهو يعني التكافؤ والندية والتماثل والمساواة. ويبدو الخبث الإسرائيلي واضحا في هذا السياق، فهي لم توقع اتفاقا ولا تعهدا، وإنما اكتفت برسالة تعهد من الأسرى الفلسطينيين، وكأنها تقول أن هذا التزام فردي وهو من طرف واحد، ولا يلزمها في شيء، وتستطيع أن تنفذ ما تريد وأن تنكر ما تريد، وإذا ما نفذت أي أمر فهي لا تقدم سوى أمر تبرعي غير ملزم. ولعل ما جرى من خروقات في شأن هذا "الإتفاق" بعد توقيعه ما يؤكد هذا التحليل.

أي اتفاق حتى يعمل به وبخاصة مع إسرائيل أو شخص يملك كثيرا من أوراق الضغط واللعب، يجب أن يكون له ضامن وإلا تركنا الجانب الفلسطيني في العراء ومن غير وجود ضامن. وبالفعل خلا هذا الإتفاق من أي ضامن لتنفيذه، إلا إذا قبلنا واعتبرنا حسن النية من قبل الجانب الإسرائيلي ضمانا، وهذا أمر يجب أن يستبعد ويرفض برمته. وما دامت قد دارت إشاعات أن الجانب المصري كان وراء هذا الإتفاق، فقد كان مفضلا أن يضمن تنفيذه وأن يذكر ذلك صراحة دون لبس أو مواربة، وهذا يقوي الجانب الفلسطيني. وإذا ما رفض الجانب المصري، فليكن أي شخص اعتباري آخر كالصليب الأحمر الدولي أو الإتحاد السويسري باعتباره راعيا لإتفاقيات جنيف الأربع أو دولة أخرى تقبل بذلك الأمر.

جاء بند الزيارات للسجون من قطاع غزة والضفة الغربية في الإتفاق مبهما وغامضا وغير محدد، ويترك فتحه بهذا الشكل للسلطة الإسرائيلية المحتلة شهيتها للتلاعب والتهرب من مسئولياتها الأخلاقية والأدبية والأهم القانونية. اللغة القانونية مختلفة تماما عن لغة الأدب والشعر والنثر، فهي محكمة، دقيقة، مباشرة، بدون تزيد، لا تعرف للعواطف وللغيب مكانا.

قديما قيل، أن الشيطان يكمن في التفاصيل، وأن الكليات هي المرجعيات. لذا بدل الدخول في نقاش لا أول له ولا آخر ورحلة التيه، لتعتمد اتفاقية جنيف الثالثة أو الرابعة كمرجعية في حقوق وواجبات الأسرى، وأن يقوم الصليب الأحمر، بالتفتيش على السجون الإسرائيلية، وهذا واجبه الأول.

صحيح أن جلد الذات أمر صعب، لكن أخاك من صدقك لا من صدّقك. وصحيح أن الترف الفكري موجود خارج السجون والمعاناة والألم داخل السجون، لكن لا يندم من استشار مرشدا ونشر اتفاقا، فالشفافية عماد الحكم السليم. ومن أعجبته آراؤه غلبه أعداؤه..!!

* الكاتب محاضر في القانون في جامعة القدس ورئيس مجلس الإسكان الفلسطيني. - ibrahim_shaban@hotmail.com

http://www.miftah.org