'مسيحيو فلسطين لهم كلمة يجب أن تسمع'
بقلم: الاستاذ غسان رفيدي
2012/6/14

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13845

تناولت وسائل الاعلام في الأيام القليلة الماضية أنباء عن اتفاقيات ومفاوضات بين الفاتيكان واسرائيل، وقد تحفظت عليه المؤسسة الرسمية الفلسطينية بلباقة بحكم العلاقات والأعراف الدبلوماسية المتبعة ، وتمنت على حاضرة الفاتيكان إعادة النظر في توقيت الإتفاقية ومضمونها، كونها تمس قضايا جوهرية متنازع عليها، تركت لمرحلة متقدمة من المفاوضات المتعثرة أصلاً.

إن لمثل هذه الاتفاقيات أثراً سلبياً مادياً ومعنوياً على وضع القدس، باعتبارها أراض محتلة ينطبق عليها القانون الدولي الخاص بالمناطق المحتلة ، وعلى وضع المسيحيين المحليين أبناء البلد الذين يتشاركون مع إخوانهم المسلمين الهم والدم، والذين يتناقصون ويهجرون ويتاجَر بهم و بأملاكهم ومقدراتهم ومواقفهم.

هذه الاتفاقيات إن صحت لهي طعنة في خاصرة المقهورين والمستضعفين أصحاب الحق ، وهي هدية مجانية للمحتل تقدمها مؤسسة دينية مسيحية اعتبارية بمثل مقام الفاتيكان لدولة الظلم والإحتلال ، فهل تغيرت رسالة الكنيسة ؟ أم أن الإتفاقيات الاقتصادية باتت الشغل الشاغل للمؤسسة الدينية الكاثوليكية.

لا شك أن تداعيات هذا الموضوع لا تقف عند اتفاقية هنا وهناك ، إنما يعبر عن تغيير حقيقي في موقف الفاتيكان الراسخ منذ احتلال القدس ، والقبول بوضع القدس الشرقية كمدينة تحت سيادة اسرائيلية تامة. هذا الموقف اللاأخلاقي سيبرر في هذه المرحلة الحرجة لدول أخرى القفز على حقوق الشعب الفلسطيني، ويضعف الموقف التفاوضي الفلسطيني المستقبلي.

إن هذا الحراك السياسي لا يمكن أن يكون وليد هفوة ، فما عهدنا من الفاتيكان إلا المواقف المحسوبة بعناية ، وما عهدنا من اسرائيل إلا المكائد المبيته ، فما الذي يدور في الأفق ؟ فالأنظار توجه بعيون الريبة عندما يتعلق الأمر باتفاقيات سرية بين الكنيسة واسرائيل ، خاصة وأن القاصي والداني متأكد من تعمد اسرائيل استهداف الممتلكات المسيحية والاستيلاء عليها بصمت منظم ، ونحن نكتفي بصيحات موسمية سرعان ما تذهب أدراج الرياح . فحينٌ تسرب أراض في القدس لليهود ، وتهرب الأموال إلى اليونان ، يضحى بأبناء الطائفة وتطمر فلسطينيتها ، وحين آخر تباع أراض وممتلكات مسيحية فلسطينية في الضفة لصالح بناء جامعة في الأردن ، أو مشروع جزر القمر!!! ألا قيمة لعقار في بيت لحم عندما يكون المشروع في مادبا ؟!! . أيكون أسهل الطرق التفريط بكل ما هو فلسطيني لخدمة أجندات الأغيار؟ّ

أقف أمام صمت الكنيسة المحلية في القدس ، وكأن الأمر لا يعنيها ، ولسان الحال يقول : نفتقدك يا بطريك القدس " مشيل صباح " ، فما عهدناك إلا حارسا أمينا وصوتا حراً قويا ، ورجل المرحلة والمواقف ، وأستهجن تغييب الشارع المسيحي عن قضاياه المصيرية ، والتعامل مع الموضع على المستوى الرسمي وتجاهل الجانب الشعبي . إن المسيحيين الفلسطينيين لا يمكن لهم أن يسكتوا وأن يسمحوا لهكذا اتفاقيات ومؤآمرات أن تمر ، فتاريخهم النضالي كفيل بأن يبرهن ذلك.

للشارع المسيحي في فلسطين كلمة يجب أن تسمع ، وموقفنا واضح للعيان ، فإن خيرنا بين القدس والفاتيكان ، سنختار القدس ، لأننا الأمناء على كنيسة القدس وعلى أيماننا المسيحي وعلى حقوقنا وحقوق شعبنا.

لذا على المؤسسة الدينية في فلسطين أن تعي خطورة الموقف وتستدرك الأمور قبل فوات الأوان ، وعلى رجال الدين أن يتحرروا من عباءة الموقف الرسمي وأن يشاركوا في كشف المستور وعلى السلطة الوطنية أن تتخذ قرارات حازمة ومواقف واضحة ممن يتاجرون بالحقوق الفلسطينية ، كما على مسيحيي البلاد أن يضعوا مرجعياتهم الروحية أمام مسؤولياتهم وألا يتراخوا في هذه المرحلة ، فهذه معركتهم العقائدية قبل أن تكون معركتهم الوطنية ، في هذه المرحلة ُيشتم فيها رائحة يهوذا التلميذ الذي باع السيد المسيح وأسلمه لليهود والرومان لقاء مصلحة مادية.

http://www.miftah.org