اسئلة محرجة حول الراتب...
بقلم: د.أحمد رفيق عوض
2012/7/9

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13914

لم يعد خافياً على أحد أن أزمة الرواتب في السلطة الوطنية الفلسطينية انما هي أزمة تظهر وتختفي حسب الظرف. فهي أزمة للاستخدام والتوظيف والابتزاز، وهو ابتزاز مهين ومذل تماماً، ذلك أنه يجعل من الشعب الفلسطيني بمعظمه رهن الحصار والتجويع والاذلال وابتزاز المواقف وتحويل الاهتمام وفرض الوقائع، ولم يعد يخفى على أحد أن الأطراف التي تشترك في هذه العملية المهينة انما تهدف قطعاً الى اختزال المطالب المشروعة الى مطالب حياتية، وتحويل الحياة اليومية الى حياة من الجحيم الحقيقي.

وعندما نشير الى الاطراف فهي ليست اسرائيل وحدها، وليست الولايات المتحدة وحدها، وانما هناك منظومة سياسية منسجمة فيما بينها للضغط على الشعب الفلسطيني بحيث يضطر هذا الشعب الى تخفيض المطالب والسقوف وحتى التضحيات. ان الاطراف التي تتذرع بالانقسام حتى لا تمنح الشعب الفلسطيني عشر ما تدفعه في جبهات اخرى انما تقوم حقاً بتجويع هذا الشعب، وان الاطراف التي تريد معاقبة الشعب الفلسطيني لأنه لا يدور في فلكها انما تنفذ عمليات عقاب جماعية، وان الاطراف التي تخشى أو تخاف الاقتراب من القضية الفلسطينية وشعبها بسبب البعد الجغرافي أو الانشغال الذاتي أو الضغط الخارجي انما ترتهن قرارها القومي والديني والاخلاقي والسياسي لارادات اخرى وسياسات اخرى، وان الاطراف الدولية التي تضع شروطاً تعجيزية للمساعدات التي تقدمها انما تنفذ اجندة سياسية أمنية ليس الا. مرة أخرى، يجتمع العالم علينا، تماماً كما حدث ذات مرة في العام 1917 وفي العام 1947، حيث وافق العالم على تمزيق الوطن والشعب، وها نحن اليوم، نرى هذا الاجماع ضدنا، نحاصر في بيوتنا و في ارزاقنا و في ثرواتنا، بحيث اصبح رفع حاجز هنا أو هناك أو ازالة مكعبات الاسمنت على مدخل احدى القرى أو نزول الراتب في البنوك اقصى الاماني و اعلاها واغلاها.

ان المنظومة السياسية الكاملة التي تمارس عملية الابتزاز هذه انما تهدف ايضاً الى تحويل السلطة الوطنية الى وظيفتين لا ثالث لهما:أمنية و اقتصادية بحيث تتحول هذه السلطة فعلاً الى تنفيذ ما لا يستطيع الاحتلال تنفيذه، وهذه اهانة اخرى لا يمكن التصور بان السلطة والشعب يقبلهما أبداً. ان الارتهان لهذه الدائرة الشيطانية من الاهانة و الابتزاز و تخفيض المطالب و الاستخدام المهين يطرح اسئلة كثيرة ومؤلمة، فاستمرار الانقسام يعطي الفرصة لكل المتخاذلين والضعفاء ان يغسلوا ايديهم من القضية الفلسطينية بحجة وجود هذا الانقسام، وترشيد الانفاق وضبطه وتغيير أولوياته سيعطي الفرصة للاهتمام بقطاعات محرومة في التشغيل والدمج، و تنشيط الزراعة و القطاعات الأخرى التي تم نسيانها أو تناسيها سيزيد من نسبة الدخل الفردي والقومي، ومحاربة الفساد و الترهل والبيروقراطية والمحسوبية سيعزز الثقة في الجهازالحكومي و التعامل معه و دعمه، و العمل على ايجاد شبكة امان دائمة عربية اسلامية سيعفينا من الارتهان لشروط الاحتلال والشروط الدولية التعجيزية، و ان اعادة النظر في العلاقة الاقتصادية مع المحثل كفيل بأن يعدل من ميزان هذه العلاقة الاقتصادية التي أقل ما يقال فيها انها ظالمة.

وبرأيي المتواضع، فإن القول أو الاعتقاد بربط تقدم العملية التفاوضية باستمرار تدفق الاموال علينا انما هو قول أو اعتقاد خاطئ. فالاموال التي تقدم الينا ليست منّه من أحد.انما هي أموالنا و من حقنا، ثم ان السلطة الفلسطينية لم تنشأ من أجل عيون أو خدمة اسرائيل انما من أجل خدمة المنطقة وأمنها و سلامتها ومن أجل خدمة الشعب الفلسطيني و ليس اذلاله أو تحويله الى شعب من الفقراء و المتسولين، كما أن تجويعنا أو اذلالنا ليست الطريقة لدفعنا الى نسيان مطالبنا أو حقوقنا أو اسكاتنا، بل على العكس من ذلك تماماً، فالجوع هو السبب دائماً في تغيير الأوضاع، وهذه النصيحة ليست بجمل أو بدجاجة، وانما هي مجاناً، فالجوع والاذلال مقدمة للثورة دائماً، الآن و في الماضي كما في المستقبل أيضاً...

وأزمة الرواتب المتكرة تطرح أسئلة كثيرة مؤلمة و محرجة أيضاً، فهذه الأزمة تعري المواقف و تعري السياسات و تعري الوعود، فما هو حجم جاهزيتنا؟ و ما هي مصادر الدخل القومي؟ و ما هي اساسات اقتصادنا الراسخة؟ و الى متى سنبقى رهن الامزجة و الظروف و الاستقطابات الاقليمية و الدولية؟! و ماذا صنعنا طيلة عشرين عاماً من أجل هذه الدولة؟! و أي احتلال نعاني و ما هي تحولات هذا الاحتلال و مشاريعه المستقبلية!! و ماذا عن ادائنا الحكومي و المؤسساتي؟ اين الجمهور الفلسطيني و ما هي اولوياته و تفضيلاته و اتجاهاته بعد عشرين عاماً من اتفاق اوسلو؟! بهذا الصدد لا بد من القول انه و بعد عشرين عاماً من اتفاق أوسلو، فقد تغيرت أشياء كثيرة، فقد تركت القضية الفلسطينية للاحضان الاسرائيلية تماماً، وحيّد التأثير العربي و الدولي، و استطاع الاحتلال ان يتقدم كثيراً على مستوى الاستحواذ و التملك و شيطنة الفلسطيني أو استخدامه بكفاءة عالية، و قدم للعالم صورة وهمية عن سلام بدرجة كافية بين الفلسطينين و الاسرائيلين،و الأهم، تغير مزاج الفلسطينين و تغير سلوكهم، و ساد شعور بالضعف و الهزيمة و التفكك و الانانية و العنف الداخلي و استفحال ظواهر الاستهلاك و المتعوية مع ما رافق ذلك من هجرة العقول و الكفاءات.

ازمة الرواتب ليست أزمة السلطو الوطنية أو حكومتها فقط!! انها ازمة المحيط العربي ايضاً و ازمة المجتمع الدولي، ذلك ان ابقاء هذه السلطة معلقة بهذا الراتب و مواعيد نزوله انما يعني ان هناك اتجاهاً ما نحو اعادة النظر في كل الأوضاع من جديد، فهل فكرنا نحن كفلسطينين أو اعددنا العدة لما هو قادم؟! هذا هو السؤال؟!

http://www.miftah.org