جدول الأولويات وسلم الويلات
بقلم: د.أحمد رفيق عوض
2012/7/23

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13958

اتصل بي صديق عزيز وعاتبني بشدة على عدم الاشارة الى الاولويات الفلسطينية التي تتمثل أولاً بالانقسام الظالم الذي نعيش، و اضاف هذا الصديق قائلا ان على الجميع ان يتجند من اجل انهاء هذا الانقسام و القضاء على أثاره ودواعيه و أسبابه. واصرّ الصديق على مسئولية النخب السياسية والثقافية في محاربه التعصب و التطرف للفصيل أو الجهة او القبيلة او الحارة أو الفريق الرياضي أو حتى للمقاهي و أصحابها. و مع احترامي و حبي لهذا الصديق، الا ان مشكلة صديقي هذا و اشخاص كثيرين مثله انهم يقعون في مثالية تشبه المرض او تعصب من نوع آخر يجعلهم غير قادرين على رؤية الصورة بجميع تفاصيلها.

فالانقسام الفلسطيني لا يعني اطلاقاً ان هناك من يمتلك الحقيقة كاملة أبداً، وانه لذلك عليه ان يفرض حقيقته كما يريد، الانقسام ليس حدثاً ضد الحقيقة، لأنه ببساطة لا أحد يمتلك الحقيقة، و قد لا يعجب هذا الكلام بعض الذين يعملون في السياسة أو يتعصبون لها أو يتمولون منها. التاريخ أعلى و اشمل و اعمق من حقائق هذا و حقائق ذاك. الانقسام خطأ هذه حقيقة.و الصواب هو ان لا ندير حرباً اخرى من اجل البحث عن الحقيقة.تعالوا بنا نبحث عن تسويات.التسويات ليست هي المنطق و لا الحقيقة و لا الحق و لا الصحيح و انما هي اعادة تركيب للاجزاء الحقيقية التي نؤمن بها. التسوية دائماً هي اعتراف بحقيقة الآخرين بشكل كلي او جزئي. و اذا كنا نبحث عن تسوية مع اعدائنا، فبالاحرى ان نجريها بين ظهرانينا، و الاحرى ان نكون رحماء بيننا اشداء على غيرنا.

اعتقد انه يجب تغيير النظر في أسلوب العمل بمسألة بما يسمى "اعادة اللحمة" و"توحيد الجهد الفلسطيني"، و مع احترامنا لكل الجهود التي بذلت من أجل ذلك، فإنه حان الوقت للحديث بشكل آخر و أسلوب آخر, و حتى لا افهم بشكل خاطئ او متعجل، فإنني لا اقترح هنا أي شيء كما فعل غيري من الكتّاب و المحللين الفلسطينيين و كما نشروا مقالاتهم في الصحف و المواقع الالكترونية. انا لا ادعو اطلاقاً الى "رمزية" المصالحة أو "دولة الامارات الفلسطينية المتحدة" أو "ثنائية الادارة"، انا لا اقول ذلك ولا اجرؤ عليه أبداً ، لأن ذلك يعني ببساطة اننا نرسخ الانقسام و نشرعنه و نبحث عن اطر قانونية أو ادارية أو اعلامية لترسيخه، كما قد نساهم في سياسات اسرائيلية و غيرها في تثبيت مفهوم دولة فلسطينية في غزة و تقاسم وظيفي في الضفة.انا اقول ان كل هذا الكلام فيه عجلة و تعجل و يأس و احباط.

ولا اقترح "حكومة منفى" في الخارج لتكون حلاً وسطاً ومخرجاً يحفظ ماء الوجه للجميع، ولا ادعو الى توزيع الجهد الدبلوماسي الفلسطيني في جغرافية ممتدة، فبعد كل هذا الدم و العرق، لا بد من قرار فلسطيني واحد وتمثيل فلسطيني واحد في حدوده الدنيا على الأقل.

أنا أزعم انه اذا ظلت الامور على حالها في الضفة و القطاع، فإن شروط المصالحة كما تفترضها الاطراف ذات العلاقة لا يمكن جسرها أو تدويرها في المستقبل المنظور على الأقل.يجب أن نواجه الحقائق, حماس و فتح حركتان مختلفتان في المرجعية و الأسلوب و الأداء و التجربة و النتائج، فإذا اضيف الى ذلك اشتراطات المنطقة و الاجندات و التحالفات و الضغوط، فإن الخلاف يزيد و الفروق تتسع، فما هو المخرج اذن بدون تسوية ما. أقول بثقة كافية ان المصالحة بين الأطراف المختلفة تحتاج الى تسوية حقيقية. ليس فيها فرض للحقائق بقدر ما فيها من خضوع للمصلحة. والمصلحة الفلسطينية تستحق مصالحة من نوعٍ ما. لأن المنطقة مقبلة على تغييرات جذرية حقيقية، و لأن المنطقة قد تدخل حرباً سريعة لتسوية الأوضاع و ترتيب جدول الأولويات... وسلم الويلات أيضاً. ان المنطقة العربية التي تغلي وكأنها على فوهة بركان تحتاج من الفلسطينين حقاً ترتيب جدول اولوياتهم و استبعاد ويلاتهم بأسرع ما يمكن من الوقت.أقول لا بد من تسوية ما تحدد على الأقل ما الذي لا نريده وليس ما نريده . اليس هذا اقل ما يمكن التوصل إليه.. في هذا الوقت على الأقل.

http://www.miftah.org