الانتخابات البلدية رافعة وطنية متعددة
بقلم: حماده فراعنه
2012/8/30

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14056

أكثر من سبب جوهري، وطني سياسي، واستحقاق قانوني، تفرضه وقائع الحياة في فلسطين لإجراء الانتخابات البلدية، وحدها، وفي الضفة الفلسطينية تحديداً.

أولاً: يحتاج المجتمع الفلسطيني وقطاعه السياسي، من الفصائل والأحزاب، لحالة تنشيط، للخروج من حالة الاستكانة واليأس وانسداد الأفق السياسي أمام الحركة الوطنية الفلسطينية، برمتها وبجناحيها، في الضفة والقطاع، مثلما تزداد المعيقات أمام المشروع الوطني الفلسطيني برمته، بسبب قوة الاحتلال وتفوقه، وضعف المجتمع الفلسطيني ومحدودية خياراته، ويزداد ضعفاً بسبب انقسامه وتشتته وعدم استفادته من التعددية التي يتمتع بها.

ولذلك يحتاج المجتمع الفلسطيني لماكنة تُحرك مفاصله، وتدب الحياة في تفاصيله، وتجديد دماء مؤسساته الأهلية، ورفدها بالقيادات الشابة القادرة على جذب الناخبين وانحيازهم، وبذلك يتم تجديد شرعية مؤسسات المجتمع المدني وفي طليعتها البلديات، وحينما تكتسب البلديات شرعيتها عبر صناديق الاقتراع كقيادات محلية مسيّسة، وهي الأقدر على ضبط التوازن في المجتمع ودفعه نحو احتياجاته وضروراته بقياداته المحلية، وربط نضالاته المطلبية بنضاله الوطني من أجل الحفاظ على الأرض ورفض الاستيطان وجلاء الاحتلال وصولاً نحو الاستقلال.

لقد لعبت البلديات، ورؤساؤها في ظل هيمنة الاحتلال وتسلطه وتفوقه الدور الأساسي والسياسي لحسم معركة التمثيل الفلسطيني في قمتي الجزائر والرباط عامي 73 و74، لمصلحة منظمة التحرير، ولولا موقف رشاد الشوا وإلياس فريج وفهد القواسمي ومحمد ملحم وبسام الشكعة وكريم خلف وعبد الجواد صالح وغيرهم من عمداء الحركة الوطنية الفلسطينية لما انتزعت منظمة التحرير حقها في تمثيل شعبها الفلسطيني.

اليوم تحتاج منظمة التحرير، وسلطتها الوطنية، وفصائلها الذين تحولوا إلى موظفين على أغلبهم، ونضالهم الرزين، يحتاجون إلى فعل الشارع وإلى تجديد علاقتهم بالشارع وبشعبهم، بعد فقد العديد منهم صلته بالعمل اليومي التراكمي الكفاحي عبر الناس وعند الناس وفي مواجهة الاحتلال.

الانتخابات البلدية وسيلة كفاحية لتجديد النضال المدني الديمقراطي، وضخ دماء جديدة في شرايين الحياة السياسية، طالما هناك توقف للكفاح المسلح، وتعطيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بقرار من حركة حماس، فرضته على كافة الفصائل، بما فيها حركة فتح التي تتجاوب مع رغبات 'حماس' وشروطها في رفض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

ثانياً: الانتخابات البلدية، توفر الفرصة للتمييز وإبراز الفرق الجوهري بين إدارة حركة حماس الانفرادية الحزبية الأحادية المتسلطة على قطاع غزة، وبين حركة فتح وإدارتها الجبهوية التي أعطتها القوة في تاريخ إدارتها لمنظمة التحرير، والعشر سنوات من عمر السلطة الوطنية، وبعد انقلاب 'حماس' في غزة حيث تتشكل الآن حكومة ائتلاف وطني في رام الله، تقودها شخصية وطنية مستقلة ومعه 'فتح' والجبهة الديمقراطية وحركة فدا وجبهة النضال وقطاع واسع من الشخصيات المستقلة، مما يوفر إدارة جبهوية وائتلافاً وطنياً عريضاً، تميزت به منظمة التحرير وقواها، وجعلها عن حق ممثلة شعب، وليس مجموعة من المتنفذين.

إن ميزة 'فتح' أنها تستند لهذا الائتلاف، وأحد المآخذ على 'حماس' أنها لا تؤمن ولا توفر هذا الخيار، الذي يحتاج دائماً للتجديد وصناديق الاقتراع، وأحد أسباب معاقبة الشعب الفلسطيني لحركة فتح عام 2006 عدم إجراء الانتخابات التشريعية لعشر سنوات خلت من عام 1996 – 2006.

ولذلك لمواجهة الانقلاب، وتعرية التفرد، وتجديد الشرعية، ومع تعذر إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، تشكل الانتخابات البلدية النافذة التعويضية للاستدلال على أن حركة فتح وتحالفها الوطني ما زال يستند في شرعيته إلى صناديق الاقتراع، ولا وسيلة أخرى لهذه الشرعية وتجديدها سوى صناديق الاقتراع.

ثالثاً : لمواجهة الاحتلال ومشاريعه التوسعية وسياساته لتقويض السلطة الوطنية وحسرها وتقويض شرعيتها أمام المجتمع الدولي، وفي ظل غياب الكفاح المسلح لإجبار الاحتلال على التسليم بمتطلبات الحياة والحرية وحق تقدير المصير، يحتاج المجتمع الفلسطيني وحركته الوطنية وفصائله وقواه الحية ومؤسساته إلى صناديق الاقتراع للحفاظ على شرعية المؤسسة الفلسطينية، وشرعية مطالبها واحتكامها لخيارات الفلسطينيين ورغباتهم ومصالحهم وتطلعاتهم، ولن يتم ذلك ولن يتوفر إلا عبر صناديق الاقتراع، والفرص الواقعية المتاحة الآن لفرز مؤسسات تمثيلية وطنية في مواجهة مشروع الاحتلال الاستعماري التوسعي هو الانتخابات البلدية، باعتبارها الأداة والوسيلة والعنوان لتجديد الشرعية والحفاظ عليها.

بالإضافة إلى هذا كله إن نجاح البلديات المنتخبة الشرعية، سيفتح آفاقاً أوسع لجهودها وعلاقاتها العربية والدولية، كي تحصل على مزيد من الدعم المالي والإسناد السياسي، لبناء المؤسسات على الأرض.

إن الزائر لبلدية الخليل ومؤسساتها وملاعبها وكذلك لمدينة رام الله ومنشآتها يلحظ المدى الذي حققته شخصيات وطنية محلية لبلداتها وأهلها مما يؤهلها لتوسيع دائرة تحصيلها بما يلبي تطلعات شعب بأكمله، إذا تم نقل التجربة والاستفادة من العلاقة مع الأوروبيين واليابانيين وغيرهم من بلدان وشعوب العالم التي تتفهم معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وحاجته للتنمية والتطور تمهيداً للاستقلال.

http://www.miftah.org