زوبعة طهران واللعب بالنار
بقلم: عبد المجيد سويلم
2012/8/30

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14059

سواء كانتت هناك دعوة لحضور السيد هنية قمة عدم الانحياز أم لا، وحتى لو أن الدعوة جاءت بصورة شفهية ودون أن تكون صريحة من مكتب المرشد الأعلى أو غيره من المستويات الدينية والسياسية فإن الزوبعة التي حاولت طهران إثارتها قبل عقد المؤتمر، أو التي حاولت حركة حماس افتعالها قبل هذه القمة هي لعب بالنار. وهي محاولة لجسّ النبض، وهي في مطلق الأحوال بروفة سياسية ستلحقها محاولات قادمة وبصورة أكثر وضوحاً وأقل تردداً وربما بصورة صريحة وعلنية وفوق رؤوس الأشهاد.

إخراج هذه الزوبعة كان سيئاً للغاية، فطهران سلمت الدعوة للرئيس منذ شهور عدة وطهران تعرف حق المعرفة أن دولاً كثيرة كانت ستنسحب من المؤتمر لو أن الرئيس الفلسطيني قاطع هذه القمة (إن لم يكن لسواد عيوننا) فلأنها أصلاً تنتظر مثل هذه 'الحجّة' للمقاطعة، وهي ليست متحمّسة لهذه المشاركة أصلاً، وهناك الكثير من الدول التي تأتي مشاركتها على مضض وهي ليست راغبة في إضعاف المؤتمر أو إضعاف هذه الكتلة الدولية الهامة في عالم اليوم. وهي ليست مستعدة للنيل من هيبة هذه المنظمة الدولية حتى ولو كان مكان انعقادها طهران، ولكنها مع كل ذلك ليست على أي استعداد لتحويل هذه القمة إلى أحد أجندات إيران الخاصة في موضوع حساس كالموضوع الفلسطيني.

تفجير انعقاد القمة كان سَيُعَدُّ فشلاً فاضحاً للدبلوماسية الإيرانية ونيلاً مباشراً من مكانتها المتردية أصلاً، وكان سيعتبر بكل المقاييس مؤشراً على العزلة والتطرف السياسي، وكان يمكن أن يؤدي هذا اللعب بالنار إلى هزيمة سياسية لإيران في ظل حساسية وضعها الدولي وفي ظل تعقيدات 'ملفها' النووي وتشديد الحصار عليها.

تراجع إيران عن الدعوة (حتى ولو أن هناك محاولات للتنصل من الدعوة أصلاً) يعني بأن إيران كانت على استعداد للمغامرة بالمؤتمر من أجل ضرب وحدة تمثيل الشعب الفلسطيني، وكانت ترى في هذه 'الدعوة الغامضة' نقطة استقواء جديدة في مدى تأثيرها ومكانتها في المنطقة وعبر البوابة الفلسطينية وفي مسألة هي الأكثر حساسية في اطار هذه المسألة.

إيران اعتقدت أن الوضع الداخلي للقيادة الشرعية بات ضعيفاً وهشاً على المستوى الداخلي في ظل الهجمة الإسرائيلية عليها وفي ظل حصار العرب مالياً وفي ظل تعنّت المواقف الأميركية وانحيازها التام والشامل للمواقف الإسرائيلية، وأن الوقت أصبح مناسباً لإلقاء هذه القنبلة، وقياس ردود الأفعال عليها.

المفاجأة الكبيرة لإيران جاءت من ردود الأفعال القوية التي ردت بها القيادة الفلسطينية على هذا التدخل السافر وهذا التطاول غير المسبوق على وحدة تمثيل الشعب الفلسطيني وعلى مسلّمات وثوابت وحدة الشعب والأرض والقضية الفلسطينية.

بهذه الدعوة تعلن إيران الحرب على القيادة الوطنية الفلسطينية وعلى هوية الشعب الفلسطيني وعلى وحدة أرضه وأهدافه وحقوقه الثابتة.

وبهذه الدعوة يتبين أن إيران تحولت بالفعل إلى معولٍ للتدمير والتفتيت السياسي وهي ماضية في كنتنة المنطقة، وتحويلها إلى محميات إيرانية صغيرة يتم توظيفها في خدمة الدور الإقليمي لإيران وفي خدمة أهدافها في تقويض الوحدة القومية لشعوب الأمة كلها، وحركة حماس مع الأسف الشديد التي تتمسك بكانتون غزة على حساب وحدة الشعب والأرض والحقوق والمصير والهُويّة ستقع آجلاً أو عاجلاً في فخ هذا المخطط طالما هي لم تدرك العلاقة القوية والمباشرة ما بين استمرار الانقسام وما بين تمرير هذا المخطط.

إيران تعرف أن 'أخونة' مصر ستؤدي في نهاية المطاف إلى قبول النظام السياسي الجديد بقطاع غزة كقطعة 'مستقلة' تحت شعار أنها 'محرّرة' وسيتم التعامل مع هذا الكيان كأمر واقع قائم، ولهذا فإن إيران وجدت لديها 'الشجاعة' الكافية للتطاول على الشعب الفلسطيني والعبث بثوابته الوطنية.

إيران تعرف وتراهن على انتصار 'إسرائيل' في الضغط على السلطة الوطنية وإيران تعرف وتراهن على 'تخلّي' العرب عن القضية الفلسطينية بحجة الأوضاع السائدة في بعض البلدان العربية، وإيران تدرك أن اختراق الموقف الفلسطيني ممكن في ظل تمسك بعض قيادات حركة حماس بالانقسام مهما كان الثمن ومهما كانت النتائج.

على القيادة الفلسطينية أن تدرك الآن وقبل فوات الأوان أن مخطط الضغوط على الشرعية الفلسطينية ليس إلاّ في بداياته، وأن العبث بوحدانية تمثيل الشعب الفلسطيني ليست مسألة خارج نطاق هذه الضغوط.

إذا لم تبادر القيادة الفلسطينية في أسرع وقت ممكن لقبر هذا المخطط وهو في المهد وقبل أن تزداد الضغوط، وقبل أن تتكالب كل الحلقات فإن شق وحدة التمثيل الفلسطيني سيكون عنوان المرحلة السياسية القادمة والفصل الأهم في مخطط إنهاء المشروع الوطني.

وإذا لم تبادر القيادة الفلسطينية إلى مراجعة وطنية شاملة وإلى تجديد خطابها الوطني وإعادة بناء المنظمة وتقوية مؤسساتها فإن التطاول والعبث في مسلّمات القضية الوطنية سيصبح على جدول أعمال هذه المنطقة.

لم يعد ممكناً السكوت على هذا العبث ولا يجوز أبداً أن نبقى في مرحلة المراوحة والانتظار.

http://www.miftah.org