شهادة وفاة التسوية
بقلم: أمجد عرار
2012/9/3

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14067

في هذا الشهر تكمل عملية التسوية بين قيادتي منظمة التحرير الفلسطينية و”إسرائيل” عمرها التاسع عشر، وما زلنا نسمع عبارة “دفع عجلة السلام” . لو كانت هذه العجلة تسير بسرعة السلحفاة لأكملت التفافها حول الكرة الأرضية أكثر من مرة خلال السنوات التسع عشرة . لكن الفلسطيني الذي صفق للتسوية في بداياتها، صدم بعد مرور الوقت بأنه لا يستطيع أن ينتقل من قريته إلى المدينة، ولا إلى أرضه التي يفصله عنها جدار الفصل العنصري أو حاجز للاحتلال، إذ إن هذا الاحتلال لم ينسحب لا بعد “خطاب السلام” في مؤتمر مدريد، ولا بعد التوقيع في أوسلو على اتفاق “إعلان المبادئ” على حساب المبادئ الفلسطينية . فشل هذه العملية إذاً لا يحتاج إلى برهان، بل إلى بحث عن البدائل، وإلى إجابة علمية عن السؤال التاريخي “ما العمل”؟ قبل يومين أطلق الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الأسير أحمد سعدات من سجنه دعوة لإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، وهي دعوة يمكن أن تندرج في سياق البحث عن إجابة عن السؤال . لكن هذا البحث يجب أن يكون جماعياً تشارك فيه القوى الفلسطينية كافة، بمن فيها المستقلون، بحيث يجري النقاش والبحث فلسطينياً حتى يكون مجدياً وعملياً في ظل انهيار البعد القومي في هذه المرحلة .

وإذا كانت عملية التسوية لم تسر خطوة واحدة ذات قيمة منذ انطلاقها، فإن المشروع الصهيوني يزداد تسارعاً على حساب الأرض والحقوق الفلسطينية ومقدسات العرب والمسلمين . أحياناً، قد يحتاج شعب ما إلى عشرات السنين من النضال كي يحافظ على مكانه ولا يتراجع، في حين أن الشعب الفلسطيني مهدّد بأن يصبح شعوباً بسبب سياسة الاحتلال التي حوّلت تجمعات الفلسطينيين إلى كانتونات ومعازل تتخللها المستوطنات وشوارعها وجدار الفصل العنصري، وأيضاً بسبب الانقسام الداخلي الفلسطيني الذي أفرز حكومتين وسياستين ومجتمعين .

عملية التسوية التي بدأت إرهاصاتها منتصف السبعينات على شكل مبادرات ومشاريع تتضمن بنوداً غامضة أو واضحة، محدّدة أو معمّمة، أصبحت في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش “خارطة طريق”، وهو مسمى لم يأت من فراغ، إذ إن الخارطة متعددة الخطوط والمقاييس والإحداثيات، وبالتالي من يدخل فيها يضيع بين الخطوط والدوائر ويموت البصر في العيون والبصائر .

في عهد باراك أوباما اختفت الخارطة وبالكاد يسمع أحد منه شيئاً عن “عملية” السلام . وبالمناسبة، ألم تستعجل لجنة نوبل في منحه الجائزة لدور كان مفترضاً في تحقيق “السلام”؟ وإذ أدارت “إسرائيل” ظهرها لكل اتفاقات التسوية، فإن تصعيدها كل أشكال القهر ضد الشعب الفلسطيني يؤكد أنها تبحث عن شهادة وفاة لعملية سياسية ميتة منذ زمن بعيد، أو أنها ولدت ميّتة أصلاً . ف “إسرائيل” تريد عملية سلام ولا تريد سلاماً، وشتان بين الاثنين، فالعملية التي تجري بلا مرجعيات ولا أسس، وتحت رعاية دولة هي أمريكا التي تجاهر بأنها جزء عضوي من “إسرائيل” بكل ما تتبناه من مواقف وتتبع من سياسات وتنفّذ من إجراءات .

البحث الفلسطيني في البدائل ينبغي أن يبدأ من هذه النقطة، لأن أي بحث آخر سيعني استمرار المراهنة على طريق أثبتت التجارب فشله تماماً . وإذا كانت لكل خيار بداية، فالبداية هنا إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية وهذه البداية لا يوجد أي مؤشر يدل عليها . قيادات “فتح” و”حماس” رفضت نقل الحوار (أين هو؟) من القاهرة إلى طهران . جيد ولا داعي لنقل أي شيء، نحن نريد عنباً ولا نريد قتل الناطور، اذهبوا إلى نخلة في الصحراء وتحاوروا تحتها، أو اصعدوا إلى القمر وتباحثوا، فالمهم أن ترتقوا إلى مستوى قضيتكم وتبتعدوا عن أي حسابات أخرى .

http://www.miftah.org