جَذْر المسألة كلها
بقلم: خيري منصور
2012/9/11

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14097

ليس جديداً أو طارئاً على سلطات الاحتلال في فلسطين أن تسعى إلى تصدير أزماتها إلى الفلسطينيين، وذلك يتطلب أمرين لا انفصال بينهما وقد يُنْتج أحدهما الآخر، هما البدء من آخر السطر بحيث تنقطع أزمات الفلسطينيين في الداخل عن أسبابها الحقيقية، وتصوير ما يجري على أنه من نتاج عوامل محلية، وحقيقة الأمر أن الاحتلال هو جذر البلاءات كلها، وليس البلاء الوحيد المتجسد في السطو على الأرض واقتلاع الشعب من جذوره . وإذا قرئت أية أزمة أو ظاهرة في فلسطين بمعزل عن الاحتلال وضغوطه وحصاره، فإنها ستبدو بمرتبة تبرئة لهذا الاحتلال، لأن الأصل والسبب الأول في التهاب السحايا المميت، هو الحمى في حالة إهمالها وتفاقمها، لهذا فأي انقطاع للنتائج عن السبب الجذري هو ليس قراءة ناقصة وعوراء فقط، بل يصب أخيراً في الاطروحة الاحتلالية والاستيطانية المضللة التي تسعى عبر مختلف الأساليب، إلى تبرئة نفسها من الدم والتشريد، وأخيراً الحصار والتجويع . وما يقال عن أن البعض يريدون تحويل الاحتلال إلى مشجب يتسع لكل ما يقترفه الفلسطينيون من أخطاء، ينسجم مع الدعاوى التي يبثها الإعلام الصهيوني العابر للقارات واللغات، لكن الأشبه بالزبد الذي لا يمكث في الذاكرة، خصوصاً بعد أن اتضح للعالم بأسره أن المشروع الاستيطاني هو إباديٌّ بالضرورة، وعلى نحو مزدوج، لأنه لا يستهدف تجريف الأرض فقط، بل الهوية والذاكرة والموروث القومي .

بالطبع ما من أحد يزعم أن سلطات الاحتلال هي التي شطرت بسكينها أو دمرت بجرّافاتها الوحدة الوطنية الفلسطينية منذ بدأ الانشقاق يتعمق بين فتح وحماس، لكنها تستثمر وبشكل بالغ الذكاء والمهارة هذا الوضع، لأنه في النهاية يصب في مصلحتها، وتجد في خصومها التاريخيين من ينوب عنها بمعزل عن النوايا، لأن النوايا في هذا السياق لا قيمة لها، خصوصاً إذا جنت براقش من حيث لا تعلم، على نفسها وأبنائها وأحفادها أيضاً .

وقد دأب الكيان الصهيوني منذ عقود على إحداث قطيعة بين جذر الأزمات التي يعيشها الفلسطينيون ونتائجها الميدانية، وهناك من سقطوا في هذا الفخ الاستراتيجي وتناسوا الاحتلال ليبدأوا من نتائجه، وهنا أيضاً تسقط قيمة النوايا لأنها تصبح طريقاً معبداً إلى مزيد من الاستيطان .

فالاحتلال هو مصدر الحصار والتجويع وخلخلة النسيج الاجتماعي، وهو الذي حول المدن والقرى إلى “ثآليل” بعد أن خنقها بخطوط المواصلات التي جسدت على الأرض استراتيجية العزل، وإقامة المصدّات داخل الدورة الدموية للبلاد .

وما يفرزه الاحتلال عندما يستمر لأكثر من ستة عقود، يصعب حصره في النتائج المرئية والقابلة للرصد من خلال مختلف الحواسيب، لأن له آثاراً سيكولوجية مدمرة وتداعيات تطول النسيج كله بشكل بنيوي، كما أنه عندما يطول يحدث ما يسميه علماء النفس حالة من الإرهاق العاطفي التي تؤدي بمرور الوقت وتراكم الإحباطات، إلى تفريغ الأمل وهو طاقة المقاومة الأولى التي من دونها تنعدم الجدوى لكل أشكال التصدي . لهذا يخطئ من يتصور أن الاحتلال في أي زمان ومكان هو جذر بلاء واحد، يقتصر على سرقة الأرض وانتهاك مَنْ وما عليها، إنه جذر متوالية من البلاءات تشمل أدق تفاصيل الحياة .

http://www.miftah.org