براءات اختراع صهيونية بامتياز
بقلم: مأمون كيوان
2012/9/15

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14112

تعددت الحملات السياسية والإعلامية “الإسرائيلية” المدعومة أمريكياً والرامية إلى إدراج ملف “قضية اللاجئين” اليهود من الدول العربية المفتعلة، على جدول أعمال الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، ولتمرير تشريع يعترف بما تسمى معاناة اليهود الذين أجبروا على الخروج، أو الذين فروا من الدول العربية وذلك خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر . وكانت وزارة الخارجية “الإسرائيلية” قد أطلقت حملة جديدة تحت عنوان “أنا لاجئ يهودي”، تطالب بتعويض اليهود الذين غادروا الدول العربية واستعمروا فلسطين بتشجيع من الوكالة اليهودية والحكومات “الإسرائيلية” المتعاقبة، على غرار المطالبة بتعويض اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجروا من وطنهم إلى الشتات . وطالب عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي وأعضاء برلمانات دولية يهودية بتدويل الاعتراف بما تسمى قضية “اللاجئين اليهود” وفي مؤتمر رعته خارجية الكيان والمؤتمر اليهودي العالمي ووزارة المسنين في القدس المحتلة مؤخراً تحت عنوان “العدالة للاجئين اليهود من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” دعا إلى تفعيل المبادرات التشريعية الدولية لدعم وتعويض هؤلاء . ووفق المصادر “الإسرائيلية” فإن “اللاجئين اليهود” من الدول العربية يقدر عددهم ب865 ألف يهودي وهو أكبر من عدد اللاجئين الفلسطينيين منذ العام 1948 والذين يقدر عددهم ب730 ألف لاجئ فلسطيني، كما أن الأمم المتحدة قدرت في العام 1951 قيمة الممتلكات الفلسطينية التي استولى عليها اليهود في العام ،1948 بما يساوي 150 مليون جنيه إسترليني، بينما تقدر قيمة الممتلكات اليهودية في العراق وحدها بملياري جنية إسترليني .

وادعت دراسة حديثة أصدرتها وزارة الخارجية “الإسرائيلية”، أنه بين عامي 1948 و1951 هجرت الدول العربية 850 ألفاً من اليهود، إما بالطرد المباشر وإما بإجبارهم على المغادرة، وأن اللجنة السياسية للجامعة العربية أوصت بعد قيام “إسرائيل” في مايو/أيار 1948 باتخاذ إجراءات انتقامية ضد اليهود العرب، كسحب المواطنة أو الجنسية منهم ومصادرة أملاكهم وفرض قيود على تشغيلهم في الدوائر الرسمية . وأن نصف اليهود في “إسرائيل” اليوم قدموا أصلاً من العالم العربي، فيما غادر فلسطين من جراء حرب 1948-1949 نحو 600 ألف فلسطيني مقابل 850 ألفاً من اليهود الذين هُجّروا من الدول العربية، ما يعني أن عدد اللاجئين اليهود يفوق عدد اللاجئين الفلسطينيين .

وسبق لمنظمة “ووجاك” (WOJAC) المنظمة العالمية لليهود المولودين في الأقطار العربية)، التي تأسست في سنة 1975 بجهود اليهودي العراقي مردخاي بن بورات، وهو عضو كنيست ووزير “إسرائيلي” سابق من حزب “مباي” ولاحقاً من حزب “رافي”، الحصول على دعم مباشر، مادي ومعنوي، من وزارة الخارجية “الإسرائيلية” ومن الوكالة اليهودية . وكانت تستدعي، بين الفينة والأخرى، العديد من السياسيين والباحثين الأكاديميين ذوي الأصول العربية لحضور جلسات هيئتها الإدارية والإسهام في رسم وبلورة سياستها .

وأقامت المنظمة فروعاً لها في نيويورك ولندن وروما وزيوريخ، كما عقدت مؤتمرات دولية في باريس 1975 ولندن 1982 وواشنطن 1987 . وعقدت أربعة مؤتمرات في “إسرائيل” . وتوقف عملها عام ،1999 بسبب توقف أموال الدعم من طرف وزارة الخارجية “الإسرائيلية” والوكالة اليهودية . كما نشطت جهود منظمة يهودية أمريكية تعنى بشأن اليهود الذين هاجروا من الدول العربية، وتطلق على نفسها JJAC، حيث ادعت أن عدد “اللاجئين” اليهود يفوق عدد اللاجئين الفلسطينيين، وأن ما تكبده اليهود “اللاجئون” من خسائر يفوق 100 مليار دولار، وأن الأراضي التي كانت بحوزة “اللاجئين” اليهود تفوق مساحة فلسطين ذاتها! . . وأخيراً، أعلنت هذه المنظمة أنها تسعى إلى تأسيس صندوق لتمويل حماية المقابر، وإعادة تأهيل الكنس اليهودية وإعادة كتب التوراة الموجودة في بعض الدول العربية، إضافة إلى توفير منح دراسية لدارسة الوجود اليهودي في الدول العربية .

ومما لا بد من ذكره أن الوثائق الرسمية الصهيونية ذاتها تؤكد أنه لم تكن هناك مشكلة لاجئين يهود . فالوثائق الصهيونية تؤكد أن رئيس الوزراء “الإسرائيلي” الأول ديفيد بن غوريون هو الذي قرر جلب يهود الدول العربية، بعد أن كانت الحركة الصهيونية قد استبعدت جلبهم . وتذكر الوثائق الصهيونية أن مؤسسي الحركة الصهيونية خططوا لإقامة الكيان الصهيوني اعتماداً على اليهود الغربيين فقط، لكن مع اندلاع الحرب العالمية الثانية ومع كل ما حصل لليهود إبان الحرب وخلالها، شعرت الحركة الصهيونية بأنها تحتاج إلى تهجير اليهود في الدول العربية من أجل تحسين الثقل الديموغرافي لليهود في مواجهة الثقل الديمغرافي للفلسطينيين .

ومن أجل تحقيق هذا الهدف، أمر بن غوريون بإرسال بعثات من المستشرقين اليهود إلى الدول العربية التي يوجد فيها اليهود لجمع معلومات عنهم، ثم الشروع في محاولات إقناعهم بالهجرة . وعندما تبين لبن غوريون أن هذه البعثات لم تحقق النجاحات التي كان يأمل بتحقيقها، أمر جهاز الموساد بتنفيذ عمليات إرهابية ضد الوجود اليهودي في العالم العربي، مثل تفخيخ وتفجير المعابد واغتيال الشخصيات اليهودية النافذة من أجل بث الفزع في نفوس اليهود ودفعهم إلى الفرار للكيان الصهيوني . ويضاف إلى ما سبق نشاط المنظمات الصهيونية في أوساط يهود البلاد العربية وتنفيذ سياسة ركائزها هي: الترغيب والترهيب والتغرير وفبركة “مسألة يهودية” . وأسمتهم قادمين جدداً واحتفلت بهجرتهم . إجمالاً، إن اختراع “قضية اللاجئين” اليهود من الدول العربية، وقبل ذلك اختراع ما يسمى “الشعب اليهودي” أو “شعب الله المختار” أو “الأمة” أو “القومية اليهودية”، واختراع “أرض الميعاد” ورزمة الأساطير والخرافات المؤسسة للكيان الصهيوني، هو دليل إفلاس الفكر السياسي “الإسرائيلي” الذي ما انفك عن إصدار براءات اختراع لأوهام وأضاليل محورها توظيف واستخدام بائس للدين اليهودي وتحويل أتباعه إلى عبيد أو عمال سخرة في أحسن الأحوال لخدمة طغمة سياسية ذات تلاوين علمانية ومتدينة، كان قادة أجيالها المتعاقبة لا يتوانون عن شن الحروب ضد اليهود المناوئين للصهيونية بحجة أنهم يهود يكرهون أنفسهم .

http://www.miftah.org