توأم الاستيطان
بقلم: أمجد عرار
2012/9/17

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14117

ثمة معان كثيرة لزيارة وزير من جورجيا، الجمهورية السوفييتية سابقاً، إلى مستوطنات في الضفة الغربية، وهي خطوة لم يقدم عليها أي مسؤول دولي حتى من الولايات المتحدة، الحليف الأوثق ل “إسرائيل” . وزير الشتات الجورجي بوبونا دوديتايا لم يخف زيارته إلى المستوطنات، بل راح يطلق تصريحات منها لكي يتباهى ويتفاخر بوجوده فيها نفاقاً وتزلّفاً ل “إسرائيل” الداعم الأكبر لجورجيا بالسلاح والتدريب في مواجهة روسيا . من الواضح أنه لا الزيارة ولا التصريحات تخلو من التخطيط المسبق الهادف إلى العزف على الوتر الصهيوني في الترويج للمستوطنات، في وقت تشهد بعض الدول، حتى الحليفة ل “إسرائيل”، حملات مقاطعة للبضائع القادمة من هذه المستوطنات أو لمؤسسات أكاديمية موجودة فيها، أو على علاقة بها . الوزير الجورجي دافع بصفاقة عن جولته التي رافقه فيها مسؤولون إعلاميون صهاينة، وقال إنه لا يجد مشكلة في وجوده في المستوطنات، بل قال بالنص “أنا هنا بين أصدقائي وشركائنا الاستراتيجيين” . إذاً، هو يعرف أن زيارته الممقوتة والمدانة من الفلسطينيين إلى شركائه المستوطنين، مستهجنة حتى من جانب بعض القوى والأحزاب الصهيونية، وحلفاء آخرين ل “إسرائيل” أقل تبعية عمياء لها . وإذا كان المرء مضطراً إلى تجنّب النقاش في زيارة هذا الكيان، فذلك لأن مقتضيات المرحلة وموازين القوى تفرض توظيف الوجه المعقول في هذه المقتضيات في معركة الدفاع عن الحد الأدنى من الشرعية الدولية التي تعد المستوطنات غير شرعية وغير قانونية .

فإذا كانت هذه الجولة في المستوطنات لا تمثّل مشكلة للوزير الجورجي، فهذا شأنه، ومن حقه أن يتفاخر بإيواء بلاده لليهود الجورجيين، وأن يتباهى بشهرة بلاده في صناعة النبيذ، لكن بالنسبة إلى الفلسطينيين ومن بقي معهم من العرب، فإن هذه الزيارة تمثّل عدواناً سافراً على الحقوق الفلسطينية والعربية، وعلى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية . هذه الزيارة الجورجية جاءت على هامش الجدل بشأن الاستيطان بين الإدارة الأمريكية و”إسرائيل” . وتأتي جورجيا الآن لتقول إنها مع الجناح الأشد تطرّفاً وعدوانية في الساحة السياسية “الإسرائيلية” .

في مطلق الأحوال، من يعرف طبيعة العلاقة بين جورجيا و”إسرائيل” يدرك أن المواقف الجورجية ليست خيارات سياسية عادية لحكومة ودولة . فمن يعود إلى أرشيف الحرب الروسية الجورجية العام ،2008 يجد أن “إسرائيل” كانت مزوّداً مهماً وأساسياً لجورجيا بالأسلحة بصفقات وصلت إلى عشرات ملايين الدولارات، وبضمنها إلكترونيات حربية للتجسس والتشويش، وطائرات بلا طيار تعمل بإشراف المخابرات “الإسرائيلية” . وباعتراف وسائل إعلام الكيان، هناك شركات أمنية “إسرائيلية” تنشط في جورجيا يرأس إحداها جنرال استقال من الجيش “الإسرائيلي” بعد الهزيمة في لبنان صيف ،2006 وهناك أيضاً ضباط سابقون من المخابرات “الإسرائيلية” ومجموعات أمنية خاصة .

ومن أغرب العلاقات وأشدها إثارة للشبهات أن يهاجر شاب جورجي اسمه ديفيد كزرشفيلي إلى “إسرائيل” وعمره أربعة عشر عاماً ثم يعود إلى بلده الأصلي في عمر الثامنة والعشرين وزيراً لدفاعها قبيل حرب القوقاز مع روسيا، حيث كان واحداً من ثلاثة وزراء في الحكومة الجورجية يحملون الجنسية “الإسرائيلية”، ثم بعد إقالته من منصبه والهزيمة الساحقة لجورجيا، يعود إلى “إسرائيل” ويواصل عمله في عقد صفقات الأسلحة . هذا المسار لعلاقات “إسرائيل” مع جورجيا وعدد من الجمهوريات السوفييتية السابقة ينسجم مع مئات التقارير التي تحدّثت عن الدور الصهيوني في عمليات النبش والعبث الداخلي في الاتحاد السوفييتي، لتفضي تلك العمليات التي ترافقت مع الأخطاء والتكلّس الأيديولوجي والسياسي، ومع ظروف موضوعية وذاتية أخرى، إلى انهيار الاتحاد السوفييتي وهجرة مئات الآلاف من اليهود إلى “إسرائيل”، عملاً بقول شامير في حينه إن “إسرائيل كبرى” بحاجة إلى هجرة كبرى .

http://www.miftah.org