مصر و'إسرائيل' والمعاهدة
بقلم: أمجد عرار
2012/9/25

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14157

في رده على تصريحات الرئيس محمد مرسي عن إمكان البحث في تعديل اتفاقية “كامب ديفيد” مع الكيان الصهيوني، عبر وزير خارجية هذا الكيان أفيغدور ليبرمان عن الغطرسة إياها التي تعودّناها منه ومن أشكاله . نعرف أنه ليس من السهل أن تقبل “إسرائيل” بإجراء تعديل في اتفاقية لمصلحتها، علماً أن أي اتفاق معها سيكون لمصلحتها، لأن اتفاقاً كهذا يكون كمن يتوصل إلى مساومة مع لص، أي شيء يأخذه من مسروقاته يكون مكسباً، لأن كل ما معه مسروق . لكن هذا الليبرمان القادم من روسيا لم يتحدّث بلغة دبلوماسية، إنما تحدّث عن مصر وكأنه يتحدّث عن مزرعة لأبيه في بلده الروسي وهو بلده الأصلي . مصر بنظر ليبرمان وسيلفان شالوم وغيرهما من القادة السياسيين والعسكريين، واهمة عندما تطالب بتعديل اتفاقية “كامب ديفيد”، بل اعتبروا أن هذه المطالبة نوع من التضليل، لأن مكافحة “الإرهاب” في سيناء لا يحتاج إلى مزيد من قوات الجيش، بل إلى قليل من الشرطة وكثير من العمل الاستخباري . وهم بهذا اللامنطق يتجاهلون أولاً مبدأ السيادة الوطنية التي فرّط بها موقّعو “كامب ديفيد” من جانب النظام المصري في حينه، وثانياً مبدأ الندية والتكافؤ في الاتفاقات . سيناء جزء من الأرض المصرية، والأصل أن يكون لمصر حق الانتشار العسكري فيها بغير قيود أو شروط، لكن الاتفاقية قيّدت الوجود العسكري المصري فيها .

عندما يتسابق قادة “إسرائيل” في الرد على مطالبة إعلامية بالتعديل لم تسلك بعد أي مسلك رسمي، فإنهم بذلك يسعون إلى قطع الطريق على ما هو أهم وأكثر جوهريةً، وهو إلغاء المعاهدة وليس مجرد تعديلها . قادة “إسرائيل” يدركون جيداً أن هذا هو موقف الأغلبية الساحقة من الشعب المصري، وأن إرادة هذه الأغلبية كانت مصادرة طوال أربعين عاماً، وقد عادت هذه الإرادة بعد “25 يناير”، وهي لا تقبل بأن تكبحها لا عجرفة “إسرائيل” ولا اعتبارات دبلوماسية خادعة، ولا صفقات جانبية .

“كامب ديفيد” أخرجت مصر من الصراع العربي الصهيوني وأزاحتها عن قيادة الأمة العربية، ومصر ما بعد انتفاضة يناير لم تنتفض لأجل رغيف الخبز وصندوق الاقتراع فحسب، بل لأجل أن تستعيد كرامتها وقيادتها وريادتها ودورها الإقليمي والدولي .

“كامب ديفيد” لم تحقق الرخاء والتنمية للشعب المصري، ولم تحقق السلام كما زعم موقعوها حين قالوا “لا حرب بعد اليوم”، ف “إسرائيل” قصفت العراق بعد سنة واحدة من توقيع الاتفاقية، واجتاحت لبنان عام ،1982 أي بعد الاتفاقية بثلاث سنوات، ثم إن عدوانها على الشعب الفلسطيني وسياستها في الاستيطان وتهويد القدس، لم تتوقّف لا بعد “كامب ديفيد” ولا بعد شقيقتها “أوسلو” .

لقد برهنت تجارب العقود الثلاثة الماضية أن السلام الذي تريده “إسرائيل” لا يتعدى كونه تفكيكاً للجبهة العربية وانتزاع أطراف منها للقضاء على هذه الجبهة بأسافين الاتفاقات المنفردة، فهي حتى على طاولة المفاوضات ترفض الجلوس مع وفد مشترك لدولتين عربيتين . لذلك ما يجري اليوم هو مخاض لولادة وضع جديد، وهذا المخاض الشعبي لا بد أن يفضي إلى ولادة طبيعية تعيد مصر إلى موقعها ودورها التاريخي الذي لا شعبها ولا الأمة العربية ترضى بدور سواه . وعندما تعود مصر إلى الإمساك بدفّة القيادة، لن تكون مطيّة لأحد ولا غطاء لعدوان “إسرائيلي”، ولا شاهد زور على أية مؤامرة ضد الأمة العربية والعروبة، وعندئذٍ سيخرس قادة مثل ليبرمان وشركاه الذين تفرعنوا فقط لأنهم لم يجدوا من يردّهم على أعقابهم خائبين .

http://www.miftah.org