مقاطعة ومصالحة
بقلم: بركات شلاتوة
2012/9/29

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14170

حملة المقاطعة ضد الكيان الصهيوني التي تجري في غير مكان في العالم تمثّل بعض العزاء للشعب الفلسطيني الذي بات وحيداً في مواجهة الاحتلال وبطشه وجبروته وإجراءاته التعسفية والقمعية، لأنه في ظل هذا العالم مختل الموازين الذي تنطلق توجهاته من حسابات الربح والخسارة والمصلحة الذاتية فقط، الدارج أن تقف الدول وحكومات العالم إلى جانب الكيان الغاصب، كونه صاحب النفوذ والقوة ما يجعل التملق له هدفاً لكسب وده واسترضائه، أما أن تجد دولة أو حكومة أجنبية تناصر الشعب الفلسطيني وقضيته، فذلك يستدعي الوقوف والتأمل، لأن مثل هذه المواقف النادرة تضع الأمور في نصابها الصحيح، لذلك فإن هناك تفسيراً واحداً لمثل هذه المناصرة وهو القاسم المشترك الإنساني لبعض ممن لم يفقد بوصلته الإنسانية بعد . دولة مثل جنوب إفريقيا، عندما تقاطع منتجات المستوطنات فإنها بذلك توجه رسالة للاحتلال بالكف عن الغطرسة والاستهتار بحياة الفلسطينيين وسرقة أرزاقهم ومقدراتهم ونهب أرضهم لمصلحة الاستيطان، وتجعل الكيان متيقناً من أن المستوطنات لن تكتسب يوماً صفة الشرعية وستبقى لا شرعية مهما لف الاحتلال ودار .

في المقابل، فإن مقاطعة هيئات أكاديمية وأساتذة جامعات للكيان خاصة في بريطانيا، أحد معاقل الصهيونية ومناصريها، يؤكد أن مرحلة تفرد الكيان بالدلال والرعاية الدولية أخذت بالتلاشي وبدأت بعض الضمائر تصحو وتقف إلى جانب الضحية من أجل إعادة الحقوق إلى أصحابها، منطلقها الوحيد هو الحس الإنساني ورفض الظلم وسلب الحريات والحقوق .

ما يجعل هذه المواقف مثار انتباه واهتمام أنها لم تكن ظاهرة أو موجودة على الصعيد العالمي حتى عهد قريب، حتى إن القضية الفلسطينية ذاتها كانت مطمورة ولم يكن يدري العالم ما تعنيه، إلى أن جعلتها انتفاضة الحجارة في صدارة الأخبار العالمية، وحرّكت مياهها الراكدة منذ عقود .

وعليه، فإن هذا الصعود لفلسطين وقضيتها ينبغي أن تقابلهما حملات دبلوماسية مكثفة لكسب المزيد من الدعم والمناصرة، خاصة أن هذه التحركات كشفت كذب الاحتلال وجعلته محاصراً ووضعته في مواقف لا يحسد عليها، لأن »إسرائيل« لم تتعود أن يقول لها أحد »لا« بعد عقود من الدلال و»الدلع« السياسي في غالبية عواصم العالم وأروقة منظماته الدولية، فالعديد من حصونها وقلاعها في أوروبا بدأت تتساقط، وليس أدل على ذلك من تصويت 27 دولة أوروبية لمصلحة انضمام فلسطين إلى منظمة اليونسكو مؤخراً .

الآن، وفي ظل التحركات الفلسطينية للحصول على صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة فإن ذلك يستدعي شحذ الهمم الدبلوماسية والتحرك جيداً على هذا الصعيد، لأن ذلك، يوماً بعد آخر، يحاصر الاحتلال مع تراكم المنجزات وتحولها في نهاية المطاف لخدمة القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الذي تراجع كثيراً في السنوات الأخيرة لغياب استراتيجية واضحة .

لذلك فإن من ضرورات المرحلة أن يكون هناك توافق فلسطيني من أجل إقناع العالم بوحدة الأهداف والتوجهات، ومهما يكن من أمر فإن بقاء الوطن مقسماً مع تناكف وتراشق إعلامي، فذلك لن يستطيع في أي لحظة إقناع أي من دول العالم بأن البيت الداخلي جاهز للاستحقاق، طالما أن »حماس« تستأثر بغزة و»فتح« تلوذ بالضفة .

http://www.miftah.org