أكاذيب ومؤامرات
بقلم: عوني صادق
2012/10/23

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14240

ما قالته سوزان رايس، المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن، عن تقديم طلب السلطة الفلسطينية في رام الله الحصول على »دولة غير عضو« في الأمم المتحدة، أعاد إلى ذاكرتي عبارة وردت في مقال للكاتب الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي نُشِرَ مؤخراً، وجاء في معرض التعليق على »ورشة« انتخابات الكنيست المقبلة، حيث وصف السياسة »الإسرائيلية« بأنها »حقيبة من الأكاذيب« . وكان سيكون أقرب إلى الحقيقة لو أضاف إليها كلمة »والمؤامرات« . والسياسة الأمريكية، مثلها مثل السياسة »الإسرائيلية«، كلتاهما لا ينفع معهما حقيبة واحدة، ولا حقائب عدة، بل تحتاج الواحدة منهما إلى مصنع للحقائب، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار ما تنطوي عليه الأكاذيب والمؤامرات من عمليات متعددة تصل إلى الحرب الشاملة .

بداية، إنني ممن لا يرون فائدة ترجى من سعي السلطة الفلسطينية إلى عضوية، ناقصة أو كاملة، في الأمم المتحدة، ما دامت حالة العجز الفلسطينية الراهنة باقية . وما يقال عن هذه »الفوائد« مشكوك جداً في حدوثه، وإن حدث فلن يُغير شيئاً قبل أن تتغير الوقائع على الأرض، فما يجري على الأرض هو ما يقرر نتائج القاعات . لقد حرمت الصين من مقعدها الطبيعي في المنظمة الدولية عقوداً، بفضل الولايات المتحدة الأمريكية التي أعطته لعميلها شان كاي تشيك، ولكن كيف، ومتى، وماذا كانت النتيجة؟

عودة إلى المندوبة الأمريكية، التي اعتبرت محاولة السلطة ضمن »الإجراءات المنفردة« التي تعرض »عملية السلام« للخطر، إذ قالت: »الإجراءات المنفردة، ومنها المبادرات الرامية إلى منح وضع المراقب كدولة غير عضو في الأمم المتحدة ليس من شأنها سوى تعريض عملية السلام للخطر، وتعقيد الجهود الرامية لإعادة الجانبين إلى المفاوضات المباشرة« .

هل يتصور القارئ كم كذبة في هذه العبارة القصيرة؟ لنحاول أن نعرف . لم تفعل السلطة الفلسطينية أكثر من أنها قدمت طلباً للحصول على العضوية، فاعتبر ذلك »إجراء منفرداً« . حسناً، ماذا عن كل »إجراءات« الحكومة »الإسرائيلية« التي تصادر الأرض وتُقِيم وتوسع المستوطنات؟ أليست هذه »إجراءات منفردة«، مع الفارق الكبير؟ الكذبة الثانية، اعتبرت المندوبة الأمريكية أن »الإجراء المنفرد« للسلطة الفلسطينية يعرض »عملية السلام« للخطر . أليس المطلوب أولا أن تكون هناك »عملية سلام« حتى تتعرض للخطر؟ الكذبة الثالثة، زعمت المندوبة الأمريكية أن »الإجراء المنفرد« للسلطة الفلسطينية يُعَقد الجهود الرامية لإعادة الجانبين إلى المفاوضات . مرة أخرى، أليس يفترض أن تكون هناك »عملية سلام« حتى تكون هناك مفاوضات؟ ثم ماذا أنتجت 20 سنة من المفاوضات؟ ولماذا المفاوضات وعلام، ما دامت مصادرة الأرض والاستيطان مستمرين؟ بعد أقل من أربع وعشرين ساعة من هذا الكذب الصريح الذي أدلت به رايس، ذكرت الإذاعة »الإسرائيلية« أن بنيامين نتنياهو قرر اعتماد تقرير إدموند ليفي في يوليو/تموز الماضي، الذي يشرع البؤر الاستيطانية العشوائية، وإزالة العوائق القانونية لتوسيع المستوطنات في الضفة، ويقرر أن »»إسرائيل« ليست قوة احتلال«، وأن القانون الدولي لا يمنع إنشاء وتوسيع المستوطنات . هذه الوقاحة »الإسرائيلية« تذكرنا بقرار محكمة لاهاي الدولية بشأن الاحتلال والاستيطان والجدار العازل . وكما تقدم الولايات المتحدة قوانينها على القانون الدولي، يقدم الكيان الصهيوني قوانينه عليه .

كانت مواقف الإدارات الأمريكية من الاحتلال والاستيطان »متفقة« مع القانون الدولي إلى أن وصل جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض، فتغيرت المواقف بحجة »الوقائع الجديدة« التي قامت على انتهاك القانون الدولي . جاء أوباما فرفض الاستيطان، واعتبره مخالفاً للقانون الدولي حتى أجبره نتنياهو، بطريقة مَهِينة، على التراجع والسكوت . ألم يكن تواصل الاستيطان هو ما جمد المفاوضات المباشرة؟ لا يجوز لنا أن نستغرب السياسية الأمريكية، فهي لم تكن يوما إلى جانب قضية الشعب الفلسطيني، ولا إلى جانب أي قضية لأي شعب في العالم، منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية . لقد رفعت شعارات »الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان« في وقت كانت تتآمر فيه على قضايا تلك الشعوب، وتدبر المؤامرات وتخوض الحروب في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، من أجل إخضاع من تستطيع في القارات الثلاث . والمضحك المبكي أن إدارة أوباما أعلنت وقوفها إلى جانب الشعوب العربية التي انتفضت ضد أنظمتها الاستبدادية، وهي إذ تسيء إلى هذه الشعوب وانتفاضاتها، لا تعمل إلا على احتواء الانتفاضات وإبقاء سيطرتها على الأنظمة الجديدة .

مواقف إدارة أوباما لا تختلف عن مواقف الإدارات السابقة، تنبع من قناعات راسخة . وفي لقاء مع قادة من يسمون »اليهود الأرثوذكس« في البيت الأبيض، في الخامس من يونيو/حزيران الماضي، قال أوباما: إنه من الممكن أن لا يكون رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (!) والفلسطينيون معنيين بالتوصل إلى سلام، وإنه يخشى من انغلاق شباك التوصل إلى اتفاق! هكذا!! مؤكداً أن تصريحات الإدارة الأمريكية القائلة إن احتياجات »إسرائيل« هي الأهم في »حل الدولتين«، تعني أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب »إسرائيل«، ومشيراً إلى أنه يرى أن »من أجل فهم »إسرائيل« يجب الوقوف إلى جانبها« .

ماذا بقي أن يفعل، أو يقول أوباما، ليسقط الرهان على السياسة الأمريكية؟ هل نذكر بمواقف إدارته من (اليونسكو) لأنها قبلت عضوية فلسطين فيها؟ أو موقفها من (مجلس حقوق الإنسان)؟ أو من المصالحة بين (فتح) و(حماس) . . . أم ماذا؟ لنتذكر فقط أن حقائب السياسة الأمريكية لا تحتوي إلا على الأكاذيب والمؤامرات، دفاعاً عن »إسرائيل« وفي خدمة أطماعها .

http://www.miftah.org