''إسرائيل'' واغتيال ''أبو جهاد''
بقلم: أمجد عرار
2012/11/6

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14272

قبل أيام اعترفت “إسرائيل”باغتيال القيادي الفلسطيني خليل الوزير “أبو جهاد«، وهو واحد من الرعيل المؤسس للثورة الفلسطينية المعاصرة ومنظمة التحرير . انتظرت “إسرائيل«، إذاً، خمسة وعشرين عاماً لكي تعترف بجريمة الاغتيال، وهي مدة تراها كافية كي تبرد الجريمة ولا ينجم عن الاعتراف ردود فعل انتقامية . وعلى هذا النسق اعترفت قبل بضع سنوات باغتيال الأديب والقائد غسان كنفاني، رغم أن حالة إجماع كانت سائدة لأن “إسرائيل”هي التي تقف وراء اغتياله، لكن اعترافها باغتيال القائد الفلسطيني وديع حداد كان مفاجأة من العيار الثقيل، إذ إن الاعتقاد الذي ظل سائداً إلى لحظة الاعتراف، أن الشهيد وديع قضى بمرض السرطان .

صحيح أن الاعتراف باغتيال “أبو جهاد”لم يصدر عن وزير أو مسؤول سياسي أو أمني، لكن هذه طريقة “إسرائيل”القائمة على ما تسميه دائماً “الغموض البنّاء«، وهو أسلوب تنتهجه لحفظ خط الرجعة من محاسبة قضائية محتملة قد يحين وقتها في يوم من الأيام عندما يعتدل الحال المائل في ما يسمى مجازاً المجتمع الدولي، أو قطعاً للطريق على انتقادات محتملة من دول تحاول الظهور بمظهر المتوازن في العلاقات بين “إسرائيل”والنظام الرسمي العربي، مع أن قسماً من هذا النظام العربي يقيم علاقات مع “إسرائيل”أوثق مما تفعل هذه الدول .

تسريب تقرير عبر صحيفة من وزن “يديعوت أحرونوت”يكفي “إسرائيل”لكي توصل رسالة الاعتراف شبه الرسمي بجريمة اغتيال الشهيد “أبو جهاد”. فالصحيفة لم تتحدّث عن تكهّنات أو تحليلات أو معلومات منسوبة إلى “مصادر أجنبية”كما درجت العادة، بل نشرت اعترافات للضابط الذي أطلق النار على القيادي الفلسطيني في “الفيلا”حيث كان يقيم في ضاحية سيدي بوسعيد السياحية في العاصمة التونسية، وقد كان في لحظة هجوم الكوماندوز على غرفة نومه، يكتب رسالة للقيادة الوطنية الموحّدة لانتفاضة 1987-1993 الكبرى في فلسطين، حين وصل قلمه عند جملة “فلنستمر بالهجوم«، لكن هجوم وحدة الكوماندوز “الإسرائيلية”قطع عليه استكمال الرسالة التي أكملها بدمه، إذ إن الهجوم الانتفاضي الذي قاده جنرالات الحجارة لم توقفه جريمة الاغتيال، بل أوقفه اتفاق أوسلو .

منذ نشأة نواتها في أواخر القرن التاسع عشر، مروراً بإنشائها بقرار من الأمم المتحدة عام ،1947 وانتهاء بأيامنا هذه، ظلّت “إسرائيل”محصّنة من المحاسبة الدولية، ويجري التعامل معها باعتبارها طرفاً واحداً في رواية “الجريمة والعقاب«، بل ينظر إليها بأنها فوق أي قانون . من يلمس شعرة منها أو من حلفائها يساق إلى المحاكم الدولية أو تجهّز له الجيوش ويدفع ثمن الشعرة ملايين من البشر علاوة على التدمير والتخريب والتجويع والتشريد . لكن “إسرائيل”التي ارتكبت عشرات المجازر لم تحاسب على أي منها، بل لم تحاسب على النكبة التي جلبتها للشعب الفلسطيني عام 48 .

لهذا السبب وحده تحاول “إسرائيل”إحباط توجه القيادة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة للاعتراف حتى بدولة غير عضو، إذ إن هذه الصيغة تقع تحت السقف السياسي الذي تظهره في خطابها السياسي والإعلامي، وإن على المستوى النظري . لكنها، في الحقيقة، تخشى أن تجد نفسها أمام وضع يتمكن فيه الفلسطينيون من محاكمتها أمام المحاكم الدولية .

لننتظر إذاً، ربع قرن كي نقرأ أو نسمع اعترافاً “إسرائيلياً”بجريمة ما من جرائمها . قد تعترف ذات يوم رسمياً باغتيال جمال عبد الناصر وهواري بومدين وياسر عرفات وجرائم أشد غموضاً . من يدري؟ فقد تخرج علينا باعتراف بأنها هي المسؤولة عن اغتيال رفيق الحريري وكل السلسلة بعده وآخرهم، حتى الآن، اللواء وسام الحسن .

لكن مثل هذا الاعتراف مشروط بانتفاء مفعول الفتنة، فعندها يكون الاعتراف لتفعيل مفهوم “الردع”.

http://www.miftah.org