التمثيل في حيّز الهواء الناقص..!!
بقلم: عدلي صادق
2012/11/7

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14277

في لُجة ردود الأفعال، على العبارة المجتزأة من حديث الرئيس أبو مازن للتلفزيون الإسرائيلي، وردت إشارات كثيرة، حول الأحقية في التمثيل أو الجدارة به. لكن المفارقة هو أن الرجل كان وما يزال، يريد تمثيلاً للشعب الفلسطيني يستند الى إجماع، بينما أصحاب الإشارات في هذه المناسبة، يمانعون ـ هم أنفسهم ـ ولا يريدون، وقد عبروا في غير مناسبة، عن استعدادهم مقايضة قبولهم باستمرار أبي مازن رئيساً، بقبوله بهيمنتهم المديدة على جزء من الوطن، والتحكم في مصيره وفي مصير القضية. إنهم أرادوا منه الاشتراك معهم في الالتفاف على إرادة الشعب الفلسطيني، والاكتفاء بعود الكبريت الفريد الذي لا ثاني له، بعد استهلاكه مرة واحدة، في ظروف ملتبسة مفعمة احتقاناً..!

الاختلاف في الرؤى والاجتهادات، يُعد من طبائع حياة البشر. ولكن من شروط التعبير الحضاري والسلمي عن هذا الاختلاف، هو نقله الى إطار النقاش، وفق ما يسمونه الديموقراطية. ففي هذا الإطار دون سواه، تنشأ مقاربات لحلول وسط واتفاقات الحد الأدنى التي تساعد على وحدة الكيانية السياسية، وعلى فاعليتها. وفي هذا الإطار، تتأسس استراتيجيات العمل الوطني، ويحظى التمثيل بدعم الأغلبية، التي يتعين عليها أن تلتزم البقاء في إطار النظام السياسي، لا تخرج منه ولا تنقلب عليه، إذ يفتح الإطار السياسي الديموقراطي، الطريق الى مأسسة التمثيل، واتخاذ القرارات على قواعد متفق عليها وطنياً. وهذه طريق لا يفتحها رشق الكلام من خارج إطار النظام السياسي.

فلا أبو مازن، ولا "حماس" في موقعيهما، وحيثما يحكمان؛ في مقدورهما فرض إرادة كل منهما على المجموعات الأخرى، دون عملية ديموقراطية، وهذا ما أدركه أبو مازن، وعلى أساسه ما زال يُلح في دعوته الى انتخابات عامة ورئاسية على قاعدة المصالحة. وفي المنطق المجرد، هو يريد للحكم المستند الى تفويض شعبي، أن يغادر دائرة التعسف الرمزي في ممارسته لعملية اتخاذ قرارات، نيابة عن الآخرين وبتجاهلهم ضمنياً. لكن الطرف الآخر من الخصومة الماكثة، يريد الإبقاء على حال الانقسام، مستمداً شرعية وهمية، من مطولات التخوين للطرف الذي يخاصمه، لذا كان طبيعياً أن "يحتفل" هذا الطرف، بعبارة تساعده على تحقيق ذلك. لكن هذا ليس الطريق الفالح، للاستحواذ على تفويض شعبي، وتمثيل حقيقي، بدون ديموقراطية تمكّن المجتمع من التعبير عن إرادته..!

* * *

بعض الذين هاجموا الرئيس محمود عباس، حول العبارة المجتزأة التي نُقلت ترجمتها، قال إن الرجل لا يمثله، على الأقل فيما يُفتَرض أنه التنازل عن حق اللاجئين؟ هنا نقرر مرة أخرى، أن من يمثل ومن لا يمثل، ليس في مقدورهما التنازل في قضية تتشكل من حقوق فردية للناس. ومن حيث التمثيل بشكل عام، نتساءل: من الذي يمثل هذا البعض ويمثل الآخرين، في موقع المسؤولية الأولى في الكيانية الفلسطينية؟ أم إن كل فلسطيني يمثل نفسه، وإننا بلا إطار سياسي؟ هل يريدوننا أن نعود الى حال اللاتشكل السياسي؟ نعلم أن التمثيل الوطني، لا سيما في موقعه الأول، يتواصل الآن في مناخ من الهواء الناقص، ولكن أين تقع المسؤولية عن هذا النقص في الهواء؟ على الرجل الذي ينكر البعض تمثيله، أم على الطرف الذي ينكر على الشعب الفلسطيني حقه في التمكين لإرادته، عبر انتخابات حرة؟!

إن موضع الاختبار الحقيقي، لصدقية الذين تباكوا على ما ظنوا إنه التفريط بحق العودة؛ يكمن في قياس مدى استعدادهم للمشاركة، في ترميم النظام السياسي الذي شرخوا جدرانه وأحدثوا فيه الشقوق، وفي مدى استعدادهم للتخلي عن حساباتهم الصغيرة وأنانيتهم. فلنذهب إن كانوا مجروحين حقاً من شُبهة التخلي عن حق العودة، ولم يجدوا على لسانهم سوى التبرؤ من التمثيل السياسي القائم على شرعية منظمة التحرير الفلسطينية؛ الى مأسسة مثل هذا التمثيل على نحو رصين ومنيع، من خلال انتخابات حرة ونزيهة.

إن اختبار استعداد الإنقساميين، لتمكين الشعب الفلسطيني من تفويض من يمثلونه، يتعلق ايضاً باختبار استعدادهم لمعالجة الكثير من السلبيات التي يرصدها الراصد، على جانبي الخصومة. ولا تُجدي هنا مداراة النزعة التسلطية وعفونة الحكم بلا إرادة شعبية تعبر عن نفسها في كل أربع سنوات، بمزاودات لا معنى لها..!

http://www.miftah.org