يحدث في القرن الـ21: يعاقب الشعب تحت الاحتلال... وتكافأ دولة الاحتلال!!!
بقلم: مهند عبد الحميد
2012/11/13

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14301

منذ بدء التوجه الفلسطيني إلى هيئة الأمم المتحدة لطلب الاعتراف بدولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67، قامت الدنيا ولم تقعد. كم هائل من الضغوط السياسية والاقتصادية الممارسة من أجل ثني القيادة الفلسطينية عن طرح هذا الموضوع. الرئيس الأميركي اتصل مبلغاً معارضته الطلب الفلسطيني. ومنظومة من العقوبات المتنوعة أعدتها حكومة نتنياهو لوضعها في حيز التطبيق بمجرد التصويت على مشروع القرار. لقد جرى قلب المعادلة في ما يشبه مفارقة غريبة وعجيبة: الشعب الذي مضى عليه 45 عاماً من الاحتلال و64 عاماً من الطرد والتطهير العرقي والنكبة يتعرّض للضغط والعقوبات علناً وعلى رؤوس الأشهاد. والتهمة هي: المطالبة الفلسطينية بإنهاء الاحتلال المدان وغير المشروع بحسب القانون الدولي ومجموعة طويلة من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومطالبة المجتمع الدولي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية كتجسيد لحق تقرير المصير. أما الدولة المحتلة (إسرائيل) التي داست وتدوس على القانون والشرعية الدوليين وعلى الاتفاقات والمعاهدات، فهي في عداد الدول التي تمارس الضغوط والعقوبات، لا تتعرض للمساءلة والمحاسبة ولا للضغط والعقوبات.

مفارقة غير مسبوقة تلخّص افتقاد الدول التي تمارس الضغط وتستعد لتنفيذ العقوبات إلى أبسط أشكال العدالة، بل هي تقدم نموذجاً للإفلاس السياسي والأخلاقي إزاء شعب يطالب بحريته. التهمة التي سيعاقب عليها الشعب الفلسطيني هي إنهاء الاحتلال ونيل الحرية، تهمة مضحكة مبكية تنتمي لعجرفة الإمبراطوريات البائدة، وتشكل إدانة تاريخية ووصمة عار على جبين تلك الدول، والأسباب كثيرة أهمها:

جاء الطلب الفلسطيني بعد 20 سنة من المفاوضات الفاشلة برعاية الولايات المتحدة الأميركية. مفاوضات لم تحقق أي تقدم في العملية السياسية بسبب الرفض والتعنت الإسرائيلي وبسبب الانحياز الأميركي للمواقف الإسرائيلية في كل شيء. على الضد من ذلك استخدمت المفاوضات من قبل الحكومة الإسرائيلية لتعميق الاحتلال والاستيطان ونسف مقومات الدولة الفلسطينية. وجاءت الاستعانة الفلسطينية بهيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها، بعد أن استبدلت الحكومة الإسرائيلية القانون والشرعية الدوليين بادعاءات أيديولوجية "كالعودة إلى أرض الميعاد وأرض الأجداد" وشعب الله المختار" .... وما يعنيه ذلك من شطب الحقوق الوطنية المشروعة المقرة للشعب الفلسطيني جملةً وتفصيلاً وتعريضه إلى خطر وجودي حقيقي. وكانت المشكلة الكبرى هو تغاضي النظام الدولي عن سابقة الاستبدال، والهرطقة الإسرائيلية، بل لقد صفق الكونغرس الأميركي طويلاً لخطاب نتنياهو الاستبدالي. وثمة ما هو أكثر غرابة في منطق الرافضين للتوجه الفلسطيني نحو الجمعية العامة، وهو عدم تقديم بديل مقنع عبر تدخل دولي لتصويب المفاوضات واستكمالها من النقطة التي توقفت عندها، ووضع خطة زمنية للحل السياسي الموعود، وتقديم عناصر ثقة في مقدمتها وقف الاستيطان والاتفاق على حدود الدولة الفلسطينية، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإزالة البؤر الاستيطانية، وفتح الطريق بين قطاع غزة والضفة الغربية ومدينة القدس. لم يحدث أي شيء من هذا القبيل، ولم تقدم حتى وعود بالتغيير والتبديل. بقي الموقف على حاله بتكرار الدعوة إلى المفاوضات التي تحولت إلى نوع من أنواع "الفوبيا" بالنسبة للمواطن الفلسطيني. وكان من شأن الذهاب للمفاوضات بمواصفات وشروط نتنياهو ليبرمان تدمير آخر جسور الثقة بين الشعب الفلسطيني وقيادته.

الضغوط والتهديدات والعقوبات على اختلاف أنواعها ومصادرها لا تخيف الشعب الفلسطيني، فلا يوجد لدى السواد الأعظم من الشعب ما يخسره. وكم سيكون الشعب الفلسطيني في موقع التفوق الأخلاقي والمعنوي وهو يعاقب لأنه يطالب بحريته واستقلاله وحقوقه المشروعة. وكم سيجد من المؤيدين والمدافعين والداعمين لنضاله من أجل الحرية في كل أنحاء العالم. يكفي القول إن استعصاء حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً ارتبط على الدوام بنظام الهيمنة والنهب والحرب الذي قاد إلى الأزمة والانهيار الاقتصادي والأخلاقي. في مقابل ذلك فإن إيجاد الحل العادل للقضية الفلسطينية يرتبط بتوجه الشعوب والدول للتعايش والتعاون والاحترام المتبادل ونبذ الحرب والهيمنة، ولم يكن من باب الصدفة أن تضع هذه القوى مهمة دعم القضية الفلسطينية في صلب برنامجها. ولأن اتجاه الهيمنة والنهب والحرب يتراجع لمصلحة اتجاه الشعوب والدول المتحررة والمتعايشة، فلا خوف على المآل الذي ستنتهي إليه القضية الفلسطينية في المستقبل غير البعيد. الشيء نفسه ينطبق على الاستقطاب داخل المجتمع الإسرائيلي. فلا حل للقضية الفلسطينية في ظل صعود اليمين وقوى التطرف والعنصرية. الحل سيرتبط بالقوى والحركات الاجتماعية التي تقف على طرفي نقيض من الكولونيالية والعنصرية الإسرائيلية.

التوقف عن التفاوض العبثي، موقف إيجابي ومهم، والذهاب إلى الأمم المتحدة للحصول على الاعتراف بدولة فلسطينية على الأراضي المحتلة منذ العام 67 موقف إيجابي ومهم رغم العقوبات والضغوط والتهديدات. وهو مهم بالقدر الذي ينجح في إحداث استقطاب مؤيد لنضال الشعب الفلسطيني من أجل تحرره ومناهض لدولة الأبرتهايد الجديدة. إن هذا يتطلب أولاً: توثيق ما جرى ويجري من تغييرات للأرض والسكان الأصليين ومن نظام الحكم العسكري والهيمنة الاقتصادية والنهب المنهجي المنظم للموارد الفلسطينية. وتسمية ذلك بمسماه الحقيقي: استعمار إقصائي يتلبس أيديولوجيا دينية. ثانياً: الربط بين استعصاء حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالطبيعة الاستعمارية المتفاقمة لدولة إسرائيل التي ترفض كل الحلول وكل الحقوق الفلسطينية وكل القرارات ذات الصلة بالحلول. إن هذا النوع من الاستعمار لا يتراجع إلا بضغوط من داخله ومن خارجه وبعقوبات متزايدة، وبالقدر الذي يتراجع فيه منطق الدولة الاستعمارية بالقدر الذي يصبح حل الصراع بكل مكوناته وفي مقدمة ذلك حل قضية اللاجئين أمراً ممكناً وبالقدر الذي يزول فيه جنون الارتياب والتهديد الوجودي لليهود. ثالثاً: الحل لن يكون عبر الوساطة الأميركية ولا عبر الدول التي تأتمر بالموقف الأميركي، فهؤلاء أخفقوا بسبب دفاعهم عن الاستعمار الإسرائيلي.

هل تتحقق هذه النقلة الآن، وعبر الجولة القريبة القادمة في الأمم المتحدة. إن هذا المستوى العميق من التغيير، لا تستطيع البنية السياسية الفلسطينية القائمة حمله والسير فيه. ولكن لم لا تكون البداية، ربما من القوى الحية في الجسم السياسي الفلسطيني، وضمن نخب إسرائيلية ودولية، لا خيار آخر ولا حل آخر.

http://www.miftah.org