عن العدوان و”الرد”
بقلم: محمد عبيد
2012/11/19

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14314

العدوان الشامل الذي تشنه “إسرائيل” على قطاع غزة، لا يمكن النظر إليه إلا من زاوية وحيدة، مركزها الرغبة الجامحة والمضمرة مسبقاً للتدمير والقتل وكسر إرادة الشعب الفلسطيني، وضرب إمكانات المقاومة في مقتل، في تعبير شديد الوضوح عن العقلية الصهيونية التي لا تكتفي من الإيغال في الدم الفلسطيني .

ولا أدل عن التوجه الدموي هذا من تصريحات وإعلانات قادة الكيان المتذرعين سلفاً بحجج “الأمن”، وغيرها من الأكاذيب المعلنة عن “تهديد وجودي” تواجهه هذه القوة المحتلة، لكن المؤسف والمثير للاستهجان والاشمئزاز في آن واحد، رد الفعل الغربي على هذه الحملة المسعورة، وما سمعناه ونسمعه من تصريحات وإعلانات تساوي بين الضحية والجلاد .

الاتحاد الأوروبي “قطع قول كل خطيب”، ولم يترك مجالاً لمشكك أو متفائل لتفسير توجهه بشكل مغاير للنص الواضح والصريح، الذي دعا “إسرائيل” إلى ما سماه “رداً متناسباً” أو “متكافئاً”، على الدفاع الفلسطيني المشروع عن النفس، الأمر الذي قلب الصورة بين المعتدي والمعتدى عليه .

والاتصالات الدولية والإقليمية، خصوصاً الموجهة إلى مصر، تناولت بصيغ مختلفة تحمل المضمون ذاته، أمراً وحيداً وثابتاً وكأنه متفق عليه ضمناً بين أصحاب الخلافات العميقة في مختلف قضايا المنطقة، وهذا ما تركز في الدعوة إلى جهد مصري في تحقيق تهدئة وهدنة، والتعبير عن القلق من التصعيد، وكأن الأمر ليس عدواناً مفتوحاً من طرف واحد، معلوم للجميع نهجه الدموي .

إنها محاولات مكشوفة لتطويق أي رد “خارج عن السياق” تقوده مصر، ولعلها تتعدى ذلك إلى مسعى لجر المنطقة لتجريم المقاومة الفلسطينية بطريقة أو أخرى، وإعادة استنساخ مواقف غير شعبية طالما خذلت الفلسطينيين وشاركت في حصارهم وفرض الأمر الواقع عليهم .

لكن السؤال الملح الذي يطرح نفسه بقوة في هذا المجال، يتلخص في البحث عن خلفيات هذا “التواطؤ” الدولي على الشعب الفلسطيني، وأسباب الانحياز المكشوف لكيان الاحتلال والقتل والدمار الشامل، وماهية الرد الأنسب عربياً وفلسطينياً على هذه التوجهات الدولية لحماية “إسرائيل” بأي ثمن كان، حتى لو تم دفعه من دم الفلسطيني ومقدراته وأرضه .

ما الذي يحاول الغرب والمجتمع الدولي عموماً الوصول إليه؟ وإلامَ تهدف هذه الاتصالات المحمومة بين القوى الدولية، ومع مصر على وجه الخصوص؟ وهل ثمّة موقف موّحد فلسطينياً وعربياً يوقف هذه الحملة الموجهة مسبقاً لمصلحة “إسرائيل”؟ أم أننا أمام خيبات جديدة سيتجرعها الفلسطينيون المحاصرون في أكبر سجن في العالم، والرازحون تحت القصف والغارات والعدوان؟

إنه اتساق غريب في مواقف أصحاب الأجندات المختلفة، وحتى المواقف الخارجة عن النسق الهادف إلى تطويق الفلسطينيين والمقاومة، وحملهم على تهدئة تخدم طرفاً وحيداً معروفاً مسبقاً هو الاحتلال “الإسرائيلي”، لا تتعدى كونها خطباً سياسية موجهة إلى الداخل لا إلى الخارج، تهدف للتغطية على النهج والموقف من قضايا أخرى شائكة ومختلف عليها .

وأيا كان الموقف الدولي عموماً والغربي خصوصاً، وهو المتوقع مسبقاً، وغير القابل للتغيير حالياً، نتيجة عدم وجود تغيير حقيقي على المستوى الرسمي العربي، فإن هذا الأخير يحتاج إلى ما هو أكثر من مواقف الإدانة والتنديد والشجب، إلى ما هو أكثر من الدعوات إلى دعم الفلسطيني مادياً ومعنوياً، إنه يحتاج إلى ضغط شعبي حقيقي يخرج المستوى الرسمي من خانة اجترار المواقف .

الفلسطينيون لن يتركوا وحيدين في مواجهة مصيرهم، فالمجتمع الدولي غير النهج في التعامل مع القضية، من التغاضي عن جرائم “إسرائيل” والتغطية عليها، إلى نهج تطويق الفلسطينيين بدعوات التهدئة والهدنة التي لن تخدم إلا طرفاً واحداً ومعلوماً مسبقاً، فأي موقف هذا؟

http://www.miftah.org