الانتصار الفلسطيني يعني المصالحة !!!
بقلم: د. يحيى رباح
2012/11/20

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14321

شاركت مع الدكتور نبيل شعت منذ لحظة وصوله إلى قطاع غزة يوم أمس في زيارة لمستشفى الشفاء الرئيسي في قطاع غزة, وكذلك في زيارة لمستشفى القدس التابع لجمعية الهلال الأحمر, لتفقد الجرحى من الأطفال والرجال والنساء الذين أدماهم هذا العدوان العسكري الصهيوني الدموي الذي بدأ يوم الأربعاء الماضي وها هو يستمر إلى يومه السابع, ومن يدري.

كما شاركت مع الدكتور شعت في زيارة العائلات التي استشهد أبناؤها وخاصة عائلة الدلو في حي النصر التي استشهد أحد عشر فردا منها بمن فيهم أربعة من الأطفال الصغار بعد أن قام الطيران الحربي الإسرائيلي بتدمير كامل منزلهم فوق رؤوسهم.

من بين أنين الجرحى, وحرقة الفجيعة على الأبناء والأشقاء والأحبة الذين استشهدوا, كان هناك قول يتردد مفاده أن هؤلاء المجروحين بقسوة, والمصابين إلى حد العذاب، يريدون أن تزهر الدماء وأن تزهو أرواح الشهداء من خلال شيء واحد وهو إنجاز المصالحة الفلسطينية, وتحقيق الوحدة الوطنية, ودفن الانقسام الفلسطيني وسط هذا الركام الكبير الذي يخلفه العدوان الإسرائيلي المستمر يوما بعد يوم.

أقول لكم بصراحة ان الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الباسل الذي يخوض هذه الأيام التجربة الأصعب, وفي عموم الضفة الغربية, وفي القدس, وفي مناطق الـ48، قدم عن نفسه صورة مشرقة للغاية، أنه شعب واحد, وأنه لن يكون سوى شعب واحد, وأن هذا الشعب يعرف مقاصد هذا العدوان الهمجي الذي رتب له نتنياهو وزمرته في إسرائيل بعقول باردة، والذين يريدون من ورائه تحقيق مآرب خبيثة جدا أكثر بكثير مما هو معلن, وأكثر بكثير من مجرد التهدئة, أو من مجرد وقف الصواريخ التي هي بسيطة جدا بكل أنواعها إذا قيست بأسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها إسرائيل بما فيها السلاح النووي، إنها تدمير القضية الفلسطينية, وإخراج قطاع غزة نهائيا من مساره ومصيره الفلسطيني، لدرجة أن إسرائيل كما يعلم الجميع لم تعد في السنوات الأخيرة تضع سكان قطاع غزة البالغ عددهم مليوناً وثمانمائة ألف, في حديثها عن الأغلبية السكانية حين تحصي عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية !!! وهذا يدل على أن هذا العدوان له أهداف كبيرة ومتعددة، بعضها ظاهر للعيان وهو الجزء التقليدي المتعلق بالقتل والعربدة, وبعضها خفي يتطور بتطور العدوان نفسه وما يثيره هذا العدوان من ردود فعل عربية وإسلامية ودولية.

ونلاحظ في مواجهة هذه الحملة الإسرائيلية الدموية، الدرجة التي وصلت إليها رداءة الموقف الدولي، وخاصة الموقفين الأمريكي والأوروبي، إلى الحد الذي جعل إسرائيل المتوحشة في ظل أقصى درجات انحدارها الأخلاقي ما تزال تحتكر دور الضحية لنفسها في الخطاب السياسي الأمريكي والغربي عموما, وأن حلفاءها في الولايات المتحدة وفي أوروبا يختلقون لها الأعذار حتى لو كانت هذه مصنوعة من خيوط الوهم والزيف والخداع، بحيث ان البيانات الأمريكية والأوروبية تطلب من غزة الضحية أن توقف إطلاق النار, ولا تطلب من إسرائيل شيئا, وهذا هو الذي يسمونه بالنفاق الدولي وازدواجية المعايير, الذي يتجلى بأبشع شكله هذه الأيام في التغطية على العدوان الإسرائيلي وفي الانحياز المفضوح للقاتل ضد الضحية.

المهم، أن الشعب الفلسطيني يجسد أعلى درجات الوحدة في مواجهة هذا العدوان على امتداد أرض الوطن والشتات والمقاومة الفلسطينية من كل الفصائل والألوان والأنواع والأذرع والمجموعات تجسد أجمل حالات الوحدة في الميدان، والسؤال الكبير على كل لسان هو كيف تتبلور وحدة الشعب ووحدة المقاومة في إعادة الوحدة الفلسطينية وإنجاز المصالحة والإفلات من الفخ القاتل الذي نصبه العدو لنا أصلا وهو فخ الانقسام ؟؟؟ والجواب هو أن الوحدة يجب أن تتحقق, تتحقق بالممارسة, تتحقق بتنفيذ الاتفاقات الجاهزة التي وقعنا عليها، تتحقق بتنفيذ سياسة الأبواب المفتوحة, تتحقق بتكريس الثقة الوطنية وليس سياسة التربص والشكوك السوداء, تتحقق بالتأكيد على أن المعنى الوحيد للانتصار في هذه المواجهة الدموية له اسم واحد وعنوان واحد ومضمون واحد وهو المصالحة، وأنه إذا انتهى هذا العدوان الكبير بخسائره الفادحة بالأرواح والممتلكات وبصمودنا البطولي الخارق على مستوى الشعب والمقاومة دون تحقيق الوحدة, فإننا نكون قد تجرعنا الهزيمة الحقيقية.

يا أيها الفلسطينيون توحدوا, لأن نجاحكم في الوحدة وأنتم في قلب المعركة سيكون هو الهزيمة المرة التي يتجرعها عدوكم, عاش الصمود والتحدي والبطولة, وعاشت قداسة الدماء.

http://www.miftah.org