إعدام خارج القانون
بقلم: أمجد عرار
2012/11/26

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14345

تناقلت وسائل الإعلام خلال العدوان على غزة خبراً وصوراً تظهر إعدام ستة أشخاص في غزة بتهمة التخابر مع الاحتلال . وجاء في الخبر أن مجموعة من عناصر المقاومة ضبطت هؤلاء متلبّسين بحيازة أجهزة اتصال متطوّرة وتزويد المخابرات “الإسرائيلية” بمعلومات عن مواقع حساسة ومقاومين، وأنها أعدمتهم ونكّلت بهم وسحلتهم في الشوارع . من الطبيعي أن يثير هذا الخبر جدلاً في أوساط حقوقية بعضها حقيقي والآخر مغرض، وأيضاً في أوساط أناس يخشون على المقاومة وطهارتها . وحسناً فعل الرجل الثاني في حركة “حماس”، موسى أبو مرزوق حين رفض عملية الإعدام خارج القانون، بل طالب بمعاقبة الفاعلين . وما من شك أن القتل بهذه الطريقة، إذا ما سمح به واستفحل، يفتح الباب على مصراعيه لتصفية الحسابات والقتل على خلفيات شخصية أو تقسيمية، عرقية وطائفية ومذهبية وعائلية وجهوية، وهذه ظواهر كارثية من شأنها إجهاض أية ثورة مهما بلغت من عدالة الأهداف ومشروعية المقاصد .

ظاهرة الإعدام الميداني للعملاء في لحظات الاشتباك الثوري ليست طارئة على تجارب الشعوب المناضلة ضد الاستعمار، بل عرف الكثير من التجارب حالات أقدم فيها ثوار على إعدام عملاء متلبسين بمساعدة العدو، في إطار ما عرفت بالمحاكم الثورية . وعلى نحو عام، كان الإعدام ينفّذ بالعملاء لا الخصوم، ووفق ضوابط مبدئية وأخلاقية، وليس وفق أهواء الأفراد والمجموعات، وفي ظروف لم تكن فيها أصلاً محاكم، وغالباً ما كانت في الأدغال والغابات وليست في بيئة مدنية .

حالة غزة وظروفها لا تنطبق عليها النماذج المشار إليها في التجارب التاريخية، حتى وإن كانت القوى المقاتلة فصائل ثورية وليست جيشاً نظامياً، ذلك أن في غزة حكومة وأجهزة أمنية وقضائية، وكان يمكن اعتقال هؤلاء الأشخاص واحتجازهم في مكان آمن إلى حين انتهاء العدوان، ومن ثم تقديمهم لمحاكمة عادلة يأخذ القانون فيها مجراه، ولا شك أن العقوبة المنتظرة للخيانة هي الحد الأقصى، إذ إنه ليست هناك من جريمة ترقى إلى مستوى خيانة الوطن ومساعدة العدو بأي شكل من الاشكال .

عندما يجري الحديث عن عملاء قد يظن البعض أنهم فقط أولئك الذين يقدّمون معلومات للعدو في زمن الحرب أو السلم، وهذا خطأ شائع أو جزء من الحقيقة . لا تتوقّف أهداف الاحتلال “الإسرائيلي” عند الحصول على المعلومات، سيما بعد تقدّم التكنولوجيا ووسائل التجسس التي لم تلغ الحاجة للعملاء بطبيعة الحال، بل تتعداها إلى أهداف أبعد تطال النسيج الداخلي لأي مجتمع عربي يقع تحت الاحتلال، كما هي فلسطين والجولان وما تبقى من أراض لبنانية محتلة، وحتى المجتمعات العربية التي يظن البعض أنها بعيدة عن الاستهداف “الإسرائيلي” .

كما ينقل العملاء معلومات للعدو، ينقلون منه تعليمات وينفّذونها على شكل مهمات تخريبية قذرة أخطرها الفتنة واللعب على الانقسامات الطائفية والعرقية وأي نوع من الخلافات التي إن لم تكن موجودة فإنهم يعملون على خلقها بشتى الوسائل والأحابيل الشيطانية التي تستوجب يقظة استثنائية وقوة استشعار دقيقة .

“إسرائيل”، كأي مستعمر، تدرك أن الخلافات والانقسامات في الطرف الآخر تقدّم لها خدمات جليلة، لذلك نرى أن من بين الدوافع الكامنة خلف الانتقادات الموجّهة لحكومة الكيان في عدوانها على غزة، أن العدوان الذي فشل في تحقيق أهدافه، من شأنه بالمقابل أن يدفع باتجاه وحدة الفلسطينيين . لذلك يضع الفلسطينيون، من وحي تجربتهم، علامة استفهام كبيرة حول أصحاب النبرة العالية في التحريض على الفتنة، مهما تغلّف كلامهم بالمبادئ الدينية أو الوطنية، ومهما رفعوا من شعارات عالية ظاهرها إنساني .

http://www.miftah.org