آفاق تطوير حقوق الإنسان وتعزيز ارتباطها بعملية التنمية
بقلم: د. حازم الشنار
2012/12/10

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14389

ينعقد في رام الله اليوم المؤتمر الأول لحقوق الإنسان في دولة فلسطين بمناسبة إعلان حقوق الإنسان الذي تصادف إعلانه العام الذي وقعت فيه نكبة فلسطين، بينما يتصادف انعقاد هذا المؤتمر بعد أيام على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة منح العضوية المراقبة لدولة فلسطين. ويتصادف انعقاد هذا المؤتمر أيضا بعد 46 عاما على إعلان عهد الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والذي تم بعده بحوالي نصف عام الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة.

كما يتصادف انعقاد هذا المؤتمر مع مرور 26 عاما على إعلان الحق في التنمية الذي رفضت إسرائيل توقيعه دفاعا عن ممارساتها في الأرض الفلسطينية المحتلة وإنكارا لحق شعبنا فيه، فقام بعد عام بانتفاضته الأولى، والتي خاضها بالأساس نتيجة حرمانه من حريته ومن بقية حقوقه المشروعة بما فيها حقه في التنمية.

كما يتصادف هذا المؤتمر أيضا بعد مرور اثني عشر عاما على مؤتمر الألفية الذي طالب الدول بوضع الخطط اللازمة لتطوير حقوق الإنسان فيها، والذي بادرت السلطة الوطنية في ضوئه بوضع الخطة الوطنية الأولى لتطوير حقوق الإنسان في فلسطين2000-2004، حيث تعطلت بسبب محاولات إسرائيل فرض تسوية مجحفة للنزاع وإمعانها في ممارساتها المتجاهلة لحقوق الشعب الفلسطيني وبينها حقه في التنمية، واجتياحها للأراضي الفلسطينية بعد الانتفاضة الثانية التي تسببت بها تلك الممارسات.

ويتصادف انعقاد المؤتمر بعد أكثر من تسع سنوات على قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد بناء الجدار العنصري الفاصل و بعد ثلاث سنوات على تقرير جولدستون الذي أدان ممارسات إسرائيل في اجتياحها غزة قبل نحو عام منه.

وبالنظر إلى أهمية المؤتمر والنتائج المرجوة منه، نستعرض هنا خلفية عن بعض المفاهيم الأساسية التي سيتناولها و للوضع الراهن لحقوق الإنسان وارتباطها بالتنمية، واهم الاقتراحات لتطويره خصوصا في مجال التنمية الاقتصادية بعد الحصول على العضوية المراقبة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة.

مفهوم التنمية وارتباطه بحقوق الإنسان

التنمية هي مجموع عمليات التغيير الإيجابي في المجتمع الهادفة لتحسين مستوى الحياة فيه من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمستندة إلى خطط وبرامج علمية معدة ومدروسة سلفا للوصول إلى الأهداف المرجوة باستخدام مجموعة من الوسائل والطرق الكفيلة بتوحيد جهود القطاعات الخاص والأهلي والعام والاستخدام الاكفأ للموارد المتاحة لإحداث تلك العمليات.

حيث يقوم القطاعان الخاص و الأهلي بالجهود التي تبذل في الأنشطة الفردية و الجماعية لتحسين مستوى المعيشة بصورة إيجابية، بينما تساهم الحكومة والهيئات الدولية بتقديم الخدمات الفنية والمادية لتشجيع تلك الجهود وإنجاحها.

وتتضمن عملية التنمية جانبان متلازمان ومتوازيان الاول هو الجانب الاقتصادي ويشمل برامج التنمية الهادفة إلى تحسين الظروف المادية والاقتصادية من أجل رفع مستوى معيشة الأفراد، ويعنى هذا الجانب بالأسس التي تعتمد عليها عملية التنمية والأساليب التي تمارسها والمقاييس التي تتخذها معيارا للرفاهية. والثاني وهوالجانب الاجتماعي المعني بتحسين الأحوال الاجتماعية وتنمية القدرات البشرية، وهو بذلك يساهم في رفع وعي الجماهير إلى المستوى الذي يجعلهم قادرين على المساهمة الفاعلة في عملية تنمية المجتمع الشاملة، وينبغي أن تخضع نتائج برامج التنمية إلى عمليات تقييم مستمرة ودائمة وأن تركز شموليتها على عدالة توزيع مكاسب التنمية وضرورة وصولها إلى الفئات الأقل حظا لا سيما النساء.

إن مفهوم الحق في التنمية يعني أنه حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف ويحق بموجبه لكل فرد ولجميع الشعوب أن تساهم وتشارك بشكل كامل في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وأن تتمتع بنتائج هذه التنمية بصورة متكافئة، بما في ذلك إعمال جميع حقوق الإنسان وحرياته الأساسية إعمالا تاما، كما يشمل الحق في التنمية الإعمال الكامل لحق الشعوب في تقرير مصيرها غير القابل للتصرف والذي تمارس فيه الشعوب حقها في السيادة التامة على جميع ما يتوفر لديها من ثروات وموارد طبيعية.

والحق في التنمية هو حق للدول وواجب في نفس الوقت بأن تقوم بإرساء ووضع سياسات إنمائية وطنية يكون هدفها التحسين المستمر والمتواصل لرفاهية جميع السكان، وذلك على أساس عملية المشاركة الكلية والجزئية وبشكل حرفي من قبل الأفراد والجماعات في التنمية وفي توزيع فوائدها الناتجة توزيعا عادلا.

والحق في التنمية يتسم ببعدين داخلي وخارجي، أما البعد الداخلي فيقصد به أن المسؤولية في ضمان احترام وتعزيز حقوق الإنسان تقع على عاتق الدولة تجاه الأفراد الذين يتمتعون بحق المواطنة فيها بالدرجة الأولى. وأما البعد الخارجي فيتمثل في مسئولية الدول الغنية تجاه الدول الفقيرة لمساعدتها في أحداث التنمية فيها. حيث أن التنمية بإطارها الإنساني البشري تستهدف العنصر البشري برمته، وربط الحق في التنمية بالإنسان باعتباره محور عملية التنمية، لذا فالجهود الدولية يجب أن تعمل على الربط بين النمو الاقتصادي والتنمية البشرية بهدف توزيع تمار التنمية بعدالة على البشرية جمعاء.

الوضع الراهن لحقوق الإنسان والتنمية

وخلال هذه العقود التي مرت بعد إعلان حقوق الإنسان وإعلان حقه في التنمية وخصوصا عقب قمة الألفية قامت إسرائيل بتكثيف حملتها للاستيطان في الأرض الفلسطينية المحتلة ومصادرة مواردها الطبيعية خصوصا في المنطقة ج وتهويد القدس والخليل القديمة، كما قامت بتعطيل عملية التنمية من خلال عمليات الحصار والإغلاق وعرقلة حركة المواطنين والبضائع وتعطيل المبادلات التجارية وعمل المصانع والمزارع وتدمير الممتلكات والبنية التحتية والتنكيل والاعتقال وقلع أشجار الزيتون....الخ

ونتيجة لذلك فقد تعرقلت عملية التنمية في فلسطين في تلك الحقبة وزاد اعتمادها على المساعدات الدولية خصوصا بعد التسريح التعسفي من إسرائيل لعشرات الألوف من العمال الفلسطينيين الذين كانوا يعملون لديها واضطرار السلطة لتوظيف قسم منهم في صفوفها وفي النتيجة ارتفعت معدلات البطالة والفقر ووصلت مستويات عالية خصوصا في قطاع غزة، كما زاد العجز في الميزان التجاري بشكل كبير، واختل التركيب البنيوي في الاقتصاد لصالح القطاعات الخدمية على حساب القطاعات الإنتاجية من صناعة وزراعة. ولم تستعد المؤشرات الاقتصادية مستواها الذي بلغته قبل الانتفاضة إلا بعد عقد من الزمان، وحتى معدلات النمو والتحسن التي بلغها الاقتصاد الفلسطيني في السنوات الأخيرة اخذ في التراجع بسبب تقلص الالتزام من المانحين بتقديم المساعدات التي التزموا بها.

ومع ذلك فقد عملت السلطة الوطنية ومنذ نشوئها على توفير أقصى ما يمكنها لتوفير انسب الظروف الممكنة للقيام بخطط وبرامج التنمية في فلسطين بما في ذلك من تطوير للسياسات وللبيئة القانونية وبناء للقدرات والمؤسسات واستطاعت أن تحقق نجاحات استحقت الثناء من العديد من الهيئات والمنظمات الدولية. لكن الطريق مازال طويلا وشاقا وعملية التنمية الحقيقية و المستدامة للاقتصاد الفلسطيني لا يمكن أن تتم بدون انتهاء الاحتلال، ونيل الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله وسيطرته الكاملة على موارده الطبيعية. وذلك يفرض من الآن وخصوصا بعد الحصول على اعتراف الأمم المتحدة بحدود دولة فلسطين القيام بمجموعة خطوات لضمان عملية التنمية وتطوير حقوق الإنسان فيها، بما يشمل تطوير سياسات وبرامج التنمية الاقتصادية والبيئة القانونية الحاضنة لها وبما يكفل تعزيز حقوق الإنسان وترسيخ ممارستها.

الخطوات المطلوب انجازها

ويشمل ذلك إجراء مراجعة تفصيلية لمنظومة التشريعات الاقتصادية للتأكد من شموليتها ومدى انسجامها وتجانسها والتكيف مع متطلبات الدولة وانضمامها إلى المنظمات الدولية. ومتابعة الإصلاحات الضرورية للقوانين والأنظمة وللتأكد من شموليتها وانسجامها وضمان اعتمادها وتطبيقها (بما في ذلك: العمل اللائق، الضمان الاجتماعي، التجارة الخارجية،، التأجير التمويلي، تسجيل الأموال المنقولة، المنافسة، تسوية الديون، الملكية الصناعية، الوكلاء التجاريين، المؤسسة الفلسطينية لضمان الودائع، ضمان الحقوق في المال المنقول ..واعتماد اللوائح التنفيذية لجميع القوانين والتشريعات الاقتصادية التي تتطلب ذلك مثل نظام الغرف التجارية....الخ) وكذلك التأكد من إزالة العوائق البيروقراطية أمام اعتماد التشريعات الاقتصادية وتطبيقها.

ومن الناحية الأخرى لابد أن تشمل تلك الإجراءات إجراء مراجعة للسياسات والبرامج الاقتصادية للتأكد من مدى التزامها بحقوق الإنسان. وفي هذا المجال إعطاء الأولوية لتوفير بيئة تساعد في جذب الاستثمارات وخلق فرص العمل ومكافحة البطالة والفقر وتحسين ظروف المعيشة و لضمان التوزيع العادل للدخل ولتمكين المرأة والفئات والمناطق المهمشة. ولابد من استكمال تبسيط الإجراءات الإدارية لرجال الأعمال، بما في ذلك إجراءات النافذة الواحدة والتسجيل للشركات وترخيص الاستيراد، وتطبيق آليات الخدمات اللامركزية والالكترونية. وكذلك توفير الحماية للمستهلكين الفلسطينين من خلال التشديد من الرقابة وتطبيق قانون حماية المستهلك. وفي هذا المجال لا بد من تطوير البنية التحتية للمواصفات والمقاييس وضمان شموليتها وموائمتها وموائمتها للمواصفات العالمية ورفع القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية وحصتها في السوقين المحلي والخارجي، مع تقديم كل أشكال الدعم والمساندة للمنتجين المحليين.

http://www.miftah.org