انتهى التسجيل فهل تجري الانتخابات
بقلم: د. عاطف أبو سيف
2013/2/18

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14581

تنتهي اليوم مرحلة تحديث السجل الانتخابي في الضفة الغربية وقطاع غزة وسط حالة متفاوتة في تقدير حجم الاقبال، ويظل السؤال البسيط الذي سألته امرأة عجوز لموظف التسجيل "فكرك يا بني يصير انتخابات!!" هو السؤال الأكثر الحاحاً في الراهن الفلسطيني وهو مقياس نجاح المصالحة الوطنية الحقيقية القائمة على أسس ديمقراطية. ربما يمكن القول ان مرحلة مهمة قد انتهت وبدأ البحث الجدي في المرحلة الجديدة التي تظل هي جوهر عملية الانتقال من حالة الانقسام إلى حالة التوحد. كما يظل سؤال المرأة العجوز هو سؤال الكل الفلسطيني، كما أن اجابة موظف التسجيل ايضاً هي الاجابة غير الشافية التي يواجه بها المواطن كلما بدر عنه سؤال عن المستقبل: "الله اعلم".

ثمة جملة من الملاحظات واجبة التأمل هنا كي نستطيع ان ننطلق بسرعة اكثر في عملية "هدم" الانقسام والتحول إلى مرحلة المصالحة الحقيقية على قاعدة العودة للمواطنين في تقرير مصيرهم، لأن شعباً مسلوب الإرادة من قبل قواه الذاتية ومشلولة المقدرة على الاختيار، شعب لا يستطيع أن يقنع العالم بعدالة نضاله التحرري. ولأن البحث في الحالة الوطنية اعمق من مجرد أسئلة نقوم بإلقائها ومن ثم ندير ظهورنا، فثمة حاجة أخرى لتعقب وتحليل ما حدث لنصبح اكثر مقدرة على البناء عليه. ورغم عدم مقدرة أي منا على الإجابة إذا ما كانت الانتخابات ستجري ام لا فإنه من المهم ان نسلم بأن ما تم مهم ولا بد من تحليله كي نتعمق في فهم كيفية الوصول إلى هذه الانتخابات.

بداية لابد أن حالة الخمول التي شهدها أول يومين من عملية التسجيل وتحديداً في قطاع غزة وما نتج عنها من انخفاض نسبة التسجيل لم يكن إلا انعكاسا لعدم ثقة المواطنين بأن عملية التسجيل ستجري فعلاً. وهي ثقة معدومة بشكل عام فالمواطن الذي تابع عملية الحوار الوطني وعاش لحظات الامل ومن ثم لحظات الخيبة والانكسار لم يعد يقتنع كثيراً بأن شيئاً من هذا قد يحدث. فهو لم يعد متأكداً إذا ما كان الحديث فعلاً يدور عن مصالحة حقيقية أم ان مجرد ما يتم حوار لا يفضي إلى نتيجة. وشواهد ذلك كثيرة وعلى رأي المثل العربي" كيف أصدقك وهذا أثر فأسك". فالمواطن الذي قيل له ان لجنة الانتخابات ستعمل وستفتح أبوابها في الصيف الماضي لم يعرف كيف أغلقت اللجنة وكيف تعطلت عملية التسجيل في غزة. في الصباح كان يرى صورة الدكتور حنا ناصر في غزة يلتقي النخب السياسية من كافة التنظيمات ويتحدث عن إطلاق عملية تحديث السجل الانتخابي وفي نشرة المساء كان المذيع/ة يعلن عن قرار حماس في غزة عدم السماح باستكمال عملية تحديث سجل الناخبين. في مثل هذه القضايا لا تهم التفاصيل ولم يكن سبب إغلاق ووقف عمل اللجنة سبباً مهماً للمواطن. النتيجة الأهم أنه تراكمت لدى المواطنين تلال من الاحباط جثمت على صدورهم فلم يعودوا يصدقون فعلاً أن عملية تسجيل الناخبين قد تتم فعلاً على وزن قصة الراعي والذئب، حيث لم يخرج أحد لينقذ الراعي من الذئب حين جاء حقاً. وتأسيساً، فحين دقت ساعة الصفر حقاً ووصل الدكتور حنا وطاقمه إلى غزة لم يكن الامر بالنسبة للمواطنين اكثر من استعادة دقيقة لمشهد سابق ولم تعن تطوراً حقيقياً في عملية المصالحة. وعلى اهمية ما حدث لم ينجح المواطنون في تصديق أن ما يتم هو عملية حقيقية وأن "خازوقاً" لن يظهر في الطريق يعكر صفو العملية. لذا لم تشهد الأيام الاولى عملية اقبال حقيقية.

ولكن حين تيقن الجميع أن العملية مستمرة بدأت نسبة التسجيل ترتفع بشكل ملحوظ حتى تجاوزت لحظة كتابة هذا المقال ليلة امس الخمسين بالمائة. من المؤكد ان اليوم الاخير قد يشهد ارتفاعاً أكثر بحيث تتجاوز نسبة التسجيل الستين بالمائة. لقد شهدت عملية التسجيل ارتفاعاً يوماً بعد آخر مرده اقتناع الناس بأن عملية التسجيل حقيقية. بجانب التنافس الحاد في الشارع بين فتح وحماس على عملية التسجيل. فرغم عدم وجود ضمانات بأن الانتخابات ستجري إلا أن حجز البطاقة ضروري لحضور الفيلم حين عرضه. لقد جاب العشرات من النشطاء الشوارع في حملة من بيت لبيت لحض الناس على التسجيل بعد اليوم الثاني وبعد الحديث المتكرر عن انخفاض نسبة التسجيل.

ثمة درس لابد من تعلمه من السابق. إن الشيء المؤكد ان المواطنين ليسوا عاجزين عن فهم ديناميكية المصالحة الداخلية، ولما كانوا الاكثر تعرضاً لآلام الانقسام فهم الاكثر رغبة في انهائه. إن تباطؤ عملية التسجيل في البداية ثم تسارعها في النهاية يقترح بأن على المستوى السياسي ألا يخذل المواطنين، ان يكون على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقه. وهذه النصحية ربما تكون موجهة اكثر لـ "حماس" التي اجهضت عملية التسجيل أكثر من مرة فهي مطالبة أيضاً بأن تواصل طريق المصالحة حتى الانتخابات. لأن أي تعطيل في عملية المصالحة بعد انتهاء عملية التسجيل سيعني انتكاسة لروح جديدة بدأت تدب في الشارع، وستعني ان المواطنين سيتأخرون في تصديق خطاب المصالحة بعد ذلك حتى لو تمت.

اما النصيحة الاخيرة في هذا السياق فهي للجنة الانتخابات المركزية بأن تقوم بتمديد فترة التسجيل حتى يتسنى دفع المزيد من المواطنين والمواطنات الذين لم يقوموا بالتسجيل للتسجيل. بالطبع القرار ليس بيد لجنة الانتخابات وحدها لذا فمن المطلوب من الكل الوطني الفلسطيني ان يدفع باتجاه تمديد عملية التسجيل لنصل الى اكثر كم من المسجلين حتى يتسنى للجميع أن يساهم في صناعة القرار حين تأتي الانتخابات. وسيبدو التمديد مناسباً في ظل عملية تصاعد التسجيل يوماً بعد آخر بعد الصحوة التي بدت في الشارع إثر نجاح عملية التسجيل وعدم اجهاضها. ولكن يبقى السؤال الملح الذي سألته المرأة العجوز لموظف التسجيل في مدرسة ابتدائية في مخيم جباليا "فكرك يا بني تصير انتخابات!!!" يبقى هو السؤال الذي لم يجب عنه احد بعد.

http://www.miftah.org