قمة المصالحة الفلسطينية
بقلم: ناجي صادق شراب
2013/4/11

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14740

أثار اقتراح دولة قطر في القمة العربية الأخيرة، بعقد قمة عربية مصغرة، تساؤلات ونقاشات كثيرة بعثت الشك في جدوى القمة قبل أن تعقد . وأكتفي من هذه التساؤلات بثلاثة: الأول يتعلق بمدى فعالية وقدرة هذه القمة على وضع نهاية لهذا الملف الفلسطيني المؤلم ليس فلسطينياً بل عربياً، وترتبط بهذا التساؤل تساؤلات مهمة: ماذا لو أن حماس وفتح تعنتتا في موقفيهما أو رؤيتيهما السياسية التي يرى كل منهما أنها الطريق الوحيد لإنهاء الانقسام؟ هل تملك القمة أن تفرض رؤيتها، وتلزم الطرفين بالاتفاقات الموقعة؟ والأكثر أهمية، هل تملك أن تعلن صراحة الطرف المسؤول عن فشل المصالحة وتعيد التعامل معه، كما مثلاً في الحالة السورية مع الفرق بين الحالتين؟

السؤال الثاني يتعلق بتحديد آليات عمل هذه القمة وجدول أعمالها، ومن سيحضرها، وكيفية توجيه الدعوات وبأي صفة، وخصوصاً الطرفين الفلسطينيين، ودور دولة الرئاسة في الحرص على نجاح هذه القمة قبل أن تعقد، لأن نجاح القمة المصغرة في إنهاء هذا الملف المعقد هو نجاح لرئاستها؟

وهناك سؤال ثالث يتعلّق بمعنى حضور حماس وهو حضور ضروري، وعلاقة ذلك بالتمثيل الفلسطيني؟

هذه التساؤلات في حاجة لإجابات واضحة، وهي إجابات أقرب إلى الإجتهاد قبل الذهاب إلى عقد هذه القمة لمعالجة ملف من أهم الملفات التي تواجه مستقبل القضية الفلسطينية في حقبة تسوية القضية، وتواجه الأمن القومي العربي والعمل العربي المشترك على اعتبار أن القضية الفلسطينية والصراع العربي “الإسرائيلي” من أهم مكونات الأمن القومي العربي، وعلى اعتبار أن “إسرائيل” والحركة الصهيونية ما زالتا تشكلان خطراً على أمن الدول العربية . واستمرار الانقسام الفلسطيني له تداعيات وانعكاسات مباشرة على تصورات ومفاهيم الأمن القومي العربي، ومن ثم إنهاء هذا الملف وصولاً إلى تسوية القضية الفلسطينية، سيفرض نفسه على إعادة صياغة مفهوم هذا الأمن، وتبدل مفهوم العدو أو الخطر المشترك الذي يهدد أمن المنطقة كلها . وهو الأمر الذي يحتاج إلى وضع رؤية جديدة للأمن القومي العربي في ظل تحولات سياسية يغلب عليها فوز الإسلاميين بالحكم في دول مهمة، وما لهذا التحوّل السياسي من علاقة مباشرة بمستقبل هذه النظم، وعلاقتها بحركة حماس في غزة، وأي مصلحة لهذه النظم وخصوصاً مصر في بقاء الانقسام مستمراً؟ والتوجه عن تشكيل تكتل إسلامي محوره مصر وتركيا وإيران، وعلاقة ذلك بحركة حماس وسيطرتها الكاملة ليس فقط على غزة، بل على كل المشهد السياسي الفلسطيني، وإعادة هيكلة منظمة التحرير بما يضمن هذه السيطرة، وهو ما يعني الدخول في مرحلة سياسية مصيرية في مستقبل القضية الفلسطينية .

أما خيار الصراع مع “إسرائيل” وإحياء خيارات الحرب فهو خيار مستبعد .

في سياق هذه التصورات قد نفهم عقد هذه القمة العربية وأبعادها وأهدافها البعيدة، وهو ما ينبغي إدراكه فلسطينياً في الاتجاه نحو المصالحة وليس الانقسام . لا شك أن هذه القمة وإن كان هدفها المعلن هو إنهاء الانقسام، لكنها في الوقت ذاته لها رؤيتها الشاملة لكل التحولات التي تواجه المنطقة، ومستقبل المنظومة العربية . البعد الآخر لهذه القمة العربية أن الدول العربية منشغلة بقضاياها الداخلية التي لها أولوية على أي أولوية أخرى بما فيها فلسطين، فالدول العربية التي اجتاحتها “الثورات” ما زالت تعيش مرحلة من عدم الاستقرار السياسي المصحوب بالعنف، الذي قد يطيح القوى الإسلامية عن الحكم، والدول الأخرى منشغلة بتثبيت أوضاعها السياسية وليست بمنأى عن تأثير هذه التحولات .

وفي قلب ذلك القضية الفلسطينية تفرض نفسها لأنها ما زالت قضية عربية وإسلامية، ومن ثم لا بد من منح الفلسطينيين دوراً مباشراً في إدارة قضيتهم، والاكتفاء بتقديم المساعدات الاقتصادية، والمالية لسلطة واحدة وليس لسلطتين . وبانتهاء الملف السوري الذي قد يعني وصول “الإخوان” للحكم، لا يبقى إلا دائرة الأردن . وباكتمال هذه الدورة نكون أمام حالة سياسية غير مسبوقة، وهذا الدور لن يكتمل أيضاً إلا بحل الملف النووي الإيراني، وهو ما يعني تشكيل تكتل سياسي جديد قد يأتي على حساب بقاء النظام العربي . ومستقبل هذا المشهد مرهون أيضاً بحل القضية الفلسطينية، ووضع حد لإنهاء ملف الانقسام السياسي الفلسطيني، لأن أحد أهم وظائف هذا التكتل هو القبول بأي تسوية سياسية للقضية الفلسطينية، وأي تسوية لا يمكن أن تكون بالانقسام . إذن لا بد من إنهاء هذا الملف الذي قد يقود إلى إعادة هيكلة السلطة الفلسطينية الواحدة التي يمكن من خلالها الوصول لهذه التسوية . التي في سياقها لا تملك حماس رفضها . والوظيفة الأخرى، ولها علاقة أيضاً بإنهاء ملف الانقسام، هو احتواء قوى التشدد والتطرف الإسلامي، لأن التطرف وهذه قناعة أمريكية وأوروبية، لا يمكن التغلب إلا من خلال قوى إسلامية معتدلة . وهنا قد يبرز دور تركيا كنموذج حكم إسلامي معتدل، ودورها في هذه المعادلة السياسية الكاملة، وهذا ما قد يفسر لنا في أحد جوانبه الاعتذار “الإسرائيلي” لتركيا وعودة علاقات التحالف بينهما . وما قد يعزز من هذه التصورات وعلاقتها بالانقسام أن بيئة الانقسام أصبحت متجذرة ولا يمكن تجاوزها بأي اتفاق بل بصيغة التعايش معها .

ما علاقة كل هذه التفاصيل بقمة عربية من أجل المصالحة الفلسطينية؟ العلاقة واضحة لأن القضية الفلسطينية، وهذه قناعة أمريكية، أكد عليها الرئيس أوباما هي أن مفتاح حل مشكلات المنطقة، وقيام الدولة الفلسطينية والقبول ب”إسرائيل” دولة يهودية . والخطوة الأولى تتمثل في إنهاء الانقسام الفلسطيني للذهاب إلى حل الدولتين وتسوية القضية الفلسطينية .

هل من مصلحة عربية في إنهاء الانقسام؟ والإجابة بشكل قاطع وحاسم نعم، لأن القضية الفلسطينية لم تعد قضية أولوية عربية .

إن مصداقية القمة من عدمها سيرتبط بقدرتها على إنهاء الانقسام السياسي الفلسطيني الذي قد يعود بالمصلحة على كل الدول العربية . والحقيقة التي ينبغي التأكيد عليها أن هذه القمة لا تمنح صفة التمثيل لا لحماس ولا لفتح، بل الذي يمنح التمثيل الشرعي هو الشعب الفلسطيني عبر انتخابات فلسطينية يشارك فيها الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج .

وعليه فإن عقد القمة فرصة تاريخية ضرورية لا ينبغي تفويتها، بل على الفلسطينيين أن يوسعوا من دورها وأهدافها ليس بالإعلان عن إنهاء الانقسام الفلسطيني، بل بتثبيت حالة المصالحة التي تحتاج إلى جهد عربي من خلال دور أكبر للجامعة العربية فنياً وأمنياً واقتصاديا، وتشكيل صندوق عربي للمصالحة الفلسطينية، والمساهمة في الوصول إلى تصور عربي فلسطيني شامل لتسوية القضية الفلسطينية، قبل إن تبتلعها رؤى سياسية أخرى .

http://www.miftah.org