هل يتسع المكان للجميع في مجتمعنا!
بقلم: ريما كتانة نزال
2013/7/10

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14793

تحلقت الشابات المتعطشات للمعرفة على طرفي الأسلاك الموصلة بين الضفة والقطاع، ووقعنا بين غضبهن وحيرتهن في اجتماع أشبه بالمساءلة. الشابات يَدُرْن حول المواضيع الإشكالية بعنفوان وشجاعة، ويفتحن النيران على الجبهات المفتوحة على الواقع الذي يقع في مرماها الجميع دون استثناء. يشتبكن تارة مع الأحزاب السياسية وأطرها النسوية ولا يوفرن الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية من لسعاتهن. ومن ثم ينتقلن لوضع قتالي محْكم مع القوانين السائدة المتقادمة في شطري الوطن، مستوعبات إعادة إنتاجها بطبعات أصولية أكثر تقادما من سابقاتها من "موديلات" قوانين "الربيع العربي" وأخواته.

الفتيات معهن كل الحق، الحقوق والمكتسبات مهددة، وهي تهدد المجتمع وهويته بذات القدر أو أكثر مما تهدد المرأة، ومع ذلك نجد أن المرأة أكثر تخوفا من جملة التراجعات الجارية التي تهبط بالديمقراطية إلى الصفر. فردود الفعل الحزبية على قانون التعليم الجديد وقانون العقوبات تذكر بخطاب المعلقين الرياضيين "لماتش الكورة". أما المنظمات النسائية فتعلّق على استحياء أو تختار أفضلية تجاهل الحدث، هروبا من المواجهات أو للنأي بالذات عن تهمة معارضة الدين ومناهضة الشريعة، في ظل واقع محيط؛ تتغلب فيه اللغة والخطاب الطائفي والمذهبي على الخطاب الانساني الديمقراطي ولغة حقوق الانسان، محاصر بإطار من العنف والتهديد بالحروب الأهلية.

لا أحد يستطيع أن يجر النقاش المجتمعي إلى كلمة سواء، بهدف حمايته من زوايا الترهيب والقمع الفكري، والنأي به عن لغة التحريض واستنفار الغرائز. الكلمة السواء ستقول بأن لا خلاف على الدين في المجتمع الفلسطيني، وبأن العوامل التي أدت إلى الانقسام سياسية صرفة، ولم تكن أسباب الانقسام للدواعي العقائدية والفكرية، على عكس محاولة البعض إلباس الانقسام قسراَ الزي الفكري، وذلك من أجل نفي الأسباب السياسية والمصلحة الحزبية عن دوافعه الدنيوية، وهو نفي سطحي ودفاعي.

ضمن اللغة التحريضية والتضليلية يقع أرضا قانون العقوبات. لقد رُميت عليه عباءة الدين، وجُعل من بعض بنوده نصوصاً مقدسة دون منطق أو وجه حق، حيث اتجهت النوايا إلى تحصينه بدرع واقٍ أمام دواعي التعديل والتغيير، ومن أجل المزيد من التحصين تم ربط بعض بنوده وتم احالتها لمصطلح "الشرف"، بهدف زيادة مناعتها ضد الإصلاح والتعديل، في مفارقة مكشوفة، حيث من باب أولى أن يرتبط الشرف بجرائم العمالة للاحتلال او بجرائم الاختلاس والفساد..

بنود قانونيْ العقوبات المصري والاردني المطبقة أحكامهما في القطاع والضفة، والمتعلقة بجرائم قتل النساء على خلفية ما يسمى "بجرائم الشرف"، لم تشتق من النص القرآني المقدس، فالنص صريح واضح، حيث يتساوى مرتكب ومرتكبة "الزنا" في العقاب على صعيد درجة ونوع العقوبة، التي تتدرج من الجَلْد إلى الرجم لكلا الطرفين، ولم يحلل الدين القتل، ولم يعط عذرا لأحد أو يخفف من فداحة القتل..

المفارقات لم تعد خافية على أحد، والمسؤوليات المناطة بالمرأة تشكو من التناقض، فخيارات المرأة ومسلكياتها وتصرفاتها تحت وصاية العائلة كمخلوق ضعيف وقاصر، بينما تكلفها العائلة بمسؤولية شرفها وحمايته..الجملة القيمية والاخلاقية منظومة متناقضة وكَشَفَ الواقع زيفها وانفصامها عنه. فالواقع المعاش يقدم المرأة الفلسطينية بأدوار جديدة متنوعة، ويجعل منها مسؤولة ومشاركة وحامية لنماء المجتمع وصموده، بينما يضعها النص في وضع لا يستقر على تصنيف محدد لمكانتها في المجتمع، فهي قاصرة ومسؤولة في ذات الوقت.!

استسمحنا الشابات على نقص الإجابات حول الحلول والآليات وموعدها، لكننا اتفقنا أن نعمل على الوصول اليها في كل الظروف والأحوال. قررنا جميعا عدم اقفال الاجتماع، اعترفنا بأن النقاش صعب في ظل العنف الهستيري ضد المرأة في العوالم العربية التي تمضي بنا الى المجهول. واتفقنا أن المكان يتسع للجميع من الاجيال المختلفة، ولكننا لم نكن متأكدات من الإفتاء باتساعه مستقبلا للجميع بوجود الفكر الاقصائي والتمييزي، واستمراره في رفض الاعتراف بوجود المرأة متمتعة بكامل حقوقها.

http://www.miftah.org