مرجعيات مقدسية لـ 'مفتاح': استغلال جائحة كورونا يكرس سياسة الاحتلال العنصرية تجاه المقدسيين
بقلم: مفتاح
2020/9/30

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=15456

رام الله – 23/9/2020 – اتهمت المرجعيات المقدسية الاحتلال الإسرائيلي بتطبيق سياسات عنصرية بحق المقدسيين من خلال الإجراءات الوقائية المتخذة لمكافحة فيروس كورونا، وتوظيف هذه الإجراءات بما يخدم مصالح الاحتلال في المدينة.

وأشارت المرجعيات خلال لقاءات حوارية ضمن زاوية "في ضيافة مفتاح" إلى أن أي قرار تتخذه حكومة الاحتلال يكون له انعكاسات سلبية على المجتمع الفلسطيني، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال انتشار وحدات الشرطة والجيش في كل شوارع المدينة، دون القيام بأي وظيفة إرشادية أو توعوية بمخاطر انتشار الفيروس، ما يفيد بأن الاحتلال يتعامل مع المقدسيين كمواطنين من الدرجة الثالثة، وينعكس بالضرورة على طبيعة الخدمات الصحية والاجتماعية المقدمة لهم بالإضافة إلى المحاكم والتعليم.

حاتم عبد القادر: توظيف عنصري

قال حاتم عبد القادر وزير القدس الأسبق والقيادي في حركة فتح: "أي قرار تتخذه الحكومة الإسرائيلية على الصعيد العام له انعكاسات سلبية على المجتمع الفلسطيني في القدس المحتلة. فمثلا حين تصدر الحكومة قراراً يتعلق بالصحة، تحاول إظهاره على أنه للمصلحة العامة، إلا أن هذا القرار يكون له انعكاسات سلبية على المقدسيين؛ فقد وظفت الحكومة إجراءاتها الوقائية العنصرية لشل الحركة الاقتصادية في البلدة القديمة من القدس، ومنع المصلين من دخول الأقصى، بينما واصلت السماح لمستوطنيها المتطرفين باقتحامه يومياً، دون التقيد بإجراءات السلامة العامة".

وأشار عبد القادر أنه في الوقت الذي تكثف فيه شرطة الاحتلال حملات فرض المخالفات والغرامات المالية على من تصفهم بالمخالفين في القدس الشرقية بحجة عدم ارتداء الكمامات أو عدم وضعها في أماكنها المحددة وتحرر مئات المخالفات اليومية، نجد شرطة الاحتلال لا تحرك ساكناً في ملاحقة المخالفين في القدس الغربية حيث الحركة التجارية تسير كالمعتاد إلى حد ما، دون أن يتعرض الإسرائيليون هناك للمساءلة أو الملاحقة أو فرض المخالفات المالية عليهم.

وأكد عبد القادر أن المقدسيين يمارس عليهم المزيد من الضغوطات بشكل يخلق بيئة طاردة لهم، خاصة بالنسبة لمئات العائلات المقدسية التي يكون أحد أفرادها من حملة بطاقة هوية الضفة الغربية، حيث جمدت سلطات الاحتلال ضمن إجراءاتها الوقائية الحالية منح تصاريح الدخول والإقامة لهؤلاء، متذرعة بفيروس كورونا وإجراءات الوقاية.

راسم عبيدات: تمييز عنصري

أكد المحلل السياسي والاعلامي المقدسي راسم عبيدات من خلال رصده اليومي لإجراءات الاحتلال المطبقة في القدس وجود بعد عنصري في قضية التعاطي مع المقدسيين بما يتعلق بانتشار جائحة "كورونا"، ويكمن ذلك في انتشار وحدات الشرطة والجيش الإسرائيلي في كل زقاق وزاوية وشارع وحي وحارة في مدينة القدس، دون القيام بوظيفة الإرشاد والتوعية بمخاطر انتشار الفيروس أو التحذير والتنبيه من مخاطر عدم التقيد بإجراءات الأمان والسلامة والتباعد الاجتماعي، بل تعمل الشرطة على تصيّد من لا يضع كمامة أو لا يضعها بالشكل الصحيح من الفلسطينيين المقدسيين لتقوم بمخالفته بمبلغ 500 شيكل. في حين تعامل شرطة الاحتلال مع غير الملتزمين بوضع الكمامة او اتخاذ وسائل الوقاية والحماية من اليهود يقتصر على تحذيرهم بأن عليهم وضع الكمامة لضمان الوقاية والسلامة من انتشار الجائحة.

وأشار عبيدات إلى أن اختلاف العقوبات بناءً على المنطقة يظهر جلياً في كيفية التعامل داخل بؤر الاحتكاك المباشر بين الفلسطينيين واليهود المتدينين "الحريديم" مثل أحياء "مئة شعاريم"؛ ففي حين لا يلتزم المتدينون اليهود بالحد الأدنى من التعليمات المتعلقة بمكافحة كورونا مثل الكمامة، ويستمرون بالذهاب للكنس وإقامة الأفراح وبيوت العزاء، يتم اتخاذ عقوبات تحذيرية ووقائية فقط بحقهم، أما على الجانب الآخر فتداهم شرطة الاحتلال الأفراح وبيوت العزاء للفلسطينيين وتقوم بتحرير مخالفات للعريس والعروس أو ذويهما بمبلغ 5000 شيكل وللمدعوين 500 شيكل.

وأكد عبيدات أن مواقع التمييز تصل إلى صرف التعويضات للمتضررين من جائحة كورونا بين ما يتم صرفه للمواطنين العرب من مؤسسة التأمين "الوطني" الإسرائيلية، أو من قبل أرباب العمل في مختلف القطاعات.

اسماعيل مسلماني: التمييز وصل قطاع الخدمات

قال الناشط السياسي والمختص في الشؤون الإسرائيلية إسماعيل مسلماني أن سياسات التمييز العنصري لم تتوقف منذ عام 1967 وصولاً إلى الطرد "الناعم" خارج جدار الفصل العنصري، وأضاف مسلماني "تتعامل اسرائيل معنا على أننا مواطنون من الدرجة الثالثة، ومن أبرز أشكال التمييز ما نلمسه في الخدمات الصحية والاجتماعية اوالمحاكم والتعليم بشكل واضح. وخلال العام والنصف الأخير حاول الاحتلال ومن خلال أعضاء كنيست وبعض الوزراء عزل المقدسيين وحرمانهم من التوجه إلى المستشفيات مستخفين بحياتهم وبحقهم في الحصول على العلاج، ولم يتم التوجه لإجراء فحوصات الفيروس إلا مؤخراً بعد تدخل الأعضاء العرب في الكنيست، بالإضافة إلى ملاحقة النشطاء المقدسيين الذين تطوعوا لخدمة مواطنيهم.

وأشار مسلماني إلى أن التمييز العنصري تجاوز العناية الصحية وتقديم الإرشادات وصولاً لبعض الهيئات الخدماتية مثل شركة "بيزك" للاتصالات التي منحت فلسطينيي القدس خدمة انترنت تراوحت بين 25-100 ميغا، بينما منحت الإسرائيليين بالمقابل 1000 ميغا، ما شكل عائقاً أمام الطلبة المقدسيين الذين توجهوا بالضرورة للتعليم عن بعد خلال الجائحة.

المحامي مدحت ديبة: عزل المدينة وإفراغها من ساكنيها

أشار المحامي مدحت ديبة لضيافة مفتاح إلى الممارسات المختلفة للاحتلال في القدس المحتلة، وقال ان إسرائيل "لا تدخر جهداً من أجل استثمار واستغلال جائحة الكورونا حتى تمرر وتطبق سياستها العنصرية ضد الفلسطينيين. فهدفها الأول من فرض الاغلاق هو عزل المدينة المقدسة وإفراغها من زوارها العرب وتركها لرعاع المستوطنين. فعلى سبيل المثال حين استعدت دائرة الأوقاف الإسلامية لإغلاق المسجد الأقصى في وجه المسلمين بسبب جائحة كورونا، رفضت شرطة الاحتلال إغلاق باب المغاربة في وجه المقتحمين اليهود بينما شددت الإغلاق على المناطق الفلسطينية وقامت خلاله بتحرير المخالفات بالجملة حيث تم تحرير مخالفات بما يقارب مليون و٨٠٠ ألف شيكل في أول أيام الإغلاق.

وقال ديبة "أن تشديد الاغلاق واستغلال الجائحة وصل إلى دخول مفتشي وزارة الصحة لمكاتب المحامين ومنعهم من استقبال المراجعين". وأشار ديبة إلى استغلال الشرطة هذه الجائحة والإغلاق على منطقة مخيم شعفاط لتداهم مبنى مركز الشباب الاجتماعي والرياضي واللجنة الشعبية، واعتقال عدد من أعضائه، في محاولة منها لعرقلة افتتاح النادي الرياضي الأكبر في مدينة القدس، الذي قام أهل المخيم بتمويله ذاتياً، بعد أن قامت الأمم المتحدة ببناء المبنى.

مازن الجعبري: الجائحة تحولت إلى حصار

وعلق مازن الجعبري مدير دائرة تنمية الشباب في القدس المحتلة على الإجراءات الوقائية في القدس المحتلة "لم يتوقع الفلسطينيون في القدس بأن ظهور جائحة كورونا سيؤدي إلى تردي أوضاعهم، وقيام الاحتلال بممارسة ضغط عنصري إضافي على معيشتهم وحياتهم. فمنذ قيام الحكومة الاسرائيلية في شهر آذار الماضي بفرض إجراءات الإغلاق لفترة طويلة على الحركة وفتح المحلات التجارية، أغلقت مئات المحلات في البلدة القديمة والتي تعتمد على السياحة بدون تقديم أي مساعدة".

وأضاف الجعبري: "قدمت اسرائيل حزمة من المساعدات الاقتصادية الطارئة للإسرائيليين في حين لم يستفد منها التجار الفلسطينيون في القدس بفعل الإجراءات العنصرية ضدهم، ما حرم آلاف العائلات الفلسطينية من مصدر دخل ثابت لها وأدخلها في ضائقة الفقر والعوز والاعتماد على المساعدات الاجتماعية والإنسانية. "

وأكد الجعبري أن الطامة الكبرى كانت عند انتشار المرض، فقد وجد الفلسطينيون في القدس أنفسهم محاصرين من جهلهم في التعامل مع الجائحة، وعدم قيام المحتل بتوفير المعلومات والوسائل لمواجهة الفيروس، خاصة فحص المصابين وتوفير الخدمات الصحية والتوعوية، وعندما بادر الفلسطينيون إلى فتح مقر للفحص والتعامل مع المرضى في سلوان، قامت قوات الاحتلال بإغلاقه ومصادرة التجهيزات الطبية واعتقال القائمين عليه. علما بأن اسرائيل لم تقم بفتح أماكن لفحص الفلسطينيين المصابين بكورونا في القدس الشرقية إلا عندما توجه مركز عدالة إلى محكمة العدل العليا، فتم في حينه فتح بعض مراكز الفحص الأولية هناك".

وأشار ديبة أن القانون الدولي يحتم على الاحتلال، بحكم أنه القوة المسيطرة، القيام بدوره برعاية السكان تحت الاحتلال، وهذا ما تقوم إسرائيل بمخالفته، ما يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان خاصة في الرعاية الصحية وتقديم الخدمات الطبية والاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى التمييز الواضح في توزيع المساعدات الطبية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ما حول جائحة كورونا إلى ضائقة واضطهاد مضاعف يتعرض له الفلسطينيون خاصة مع الغرامات العالية ومحاصرة الفلسطينيين في أحيائهم واتهامهم الدائم بالتسبب في انتشار المرض.

زياد الحموري: سياسة الكيل بمكيالين

وصف زياد الحموري مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية إجراءات الاحتلال الوقائية من كورونا في القدس بأنها انتقامية وذات طابع عنصري تستهدف حقوق المقدسيين عامة. أضاف في حديثه لـ "ضيافة مفتاح": " لقد تعامل الاحتلال بقسوة مع المقدسيين من خلال ما أعلنه من إجراءات طبقت بمكيالين؛ الأول اتسم باليد الناعمة حين تعلق الأمر بالإسرائيليين، والثاني لجأ إلى القبضة الحديدية في تطبيق الإجراءات على المقدسيين.

وأشار الحموري أن الإجراءات المطبقة وقت تشديد الإغلاقات قد أصابت الحركة الاقتصادية بمختلف قطاعاتها بضربة شديدة، واصفاً الحركة الاقتصادية في القدس بأنها تعيش حالة موت، بينما الأمر لا يشابه ما تعيشه المدن الأخرى سواء في القطاع الغربي من القدس المحتلة أو مدن الداخل الفلسطيني عام 48، حيث تنشط إلى حد ما حركة التسوق والعمل، سواء في المطاعم أوالمحال التجارية.

قال حموري "أن التمييز وصل قطاع السياحة أيضاً، ويظهر هذا جلياً بين ما هو قائم في القدس الشرقية والمناطق الأخرى، فهناك مليارات من الشواكل صرفت على القطاعات الاقتصادية المختلفة في إسرائيل، لم يحظ القطاع الاقتصادي الفلسطيني بشيء منها سواء ما تعلق بالمنح أو القروض والتسهيلات الضريبية وغيرها من امتيازات".

وأشار الحموري إلى انعكاسات أخرى للإجراءات العنصرية التي مست حقوق العائلات المقدسية: "بدون جائحة كورونا، هناك على الدوام مشكلة تتعلق بجميع حقوق المقدسيين، ان كانت الحقوق الاجتماعية أو الاقتصادية أو الصحية، أو حق العائلات في لم شملها لتعيش تحت سقف واحد. وأضاف أن هدف إجراءات الاحتلال على هذا الصعيد هو ممارسة الضغط على المقدسيين وإرغامهم على ترك مدينتهم في إطار الصراع الديمغرافي المحتدم، والدليل على ذلك الحملات الأخيرة ضد الأزواج المقيمين في القدس وتهديد حقهم بالإقامة، وما ترتب على ذلك من حرمان لحقوقهم الصحية والاجتماعية والاقتصادية، في مقابل تعزيز الكثافة السكانية الاستيطانية في المدينة المقدسة".

فؤاد أبو حامد: القضية برمتها مرتبطة بالسياسة

يرى فؤاد أبو حامد عضو وحدة مكافحة كورونا في القدس ومدير مركز طبي بيت صفافا، أن جائحة كورونا في القدس مرتبطة بأبعاد سياسية تتعلق بطبيعة ما ينفذ من ممارسات وإجراءات. وقال أبو حامد أن "القضية برمتها مرتبطة بالسياسة، فعند الحديث عن جائحة كورونا فالمتضرر من المقدسيين بشكل مباشر هم أولئك الذين يواجهون مشاكل تتعلق ببطاقة الهوية ومكانتهم القانونية، فيحرمون في الواقع من تلقي الخدمات الصحية الكاملة على عكس من لا يواجهون أية مشاكل بالهوية أو بطلبات لم الشمل.

وقال أبو حامد أن الأمر لا يقتصر على الخدمات الصحية، بل أن هناك أبعاد اقتصادية تتعلق بهذه العائلات حيث لا يمكنهم الاستفادة من الحوافز والمساعدات الاقتصادية التي تقدمها الحكومة والتي وزع منها في الآونة الأخيرة. من هنا، كان موضوع الوقاية والإجراءات المعلنة والمتبعة من المواضيع الحساسة التي تتطلب إجراءات حماية وعناية خاصة، وفرض إجراءات على الأرض ضد من لا يرتدي الكمامة، ومن ينظم الاجتماعات والتجمعات العامة، أو يقوم بزيارة المرضى في البيوت والتأكد من تواجد المعزولين في أماكن عزلهم، ومثل هذه الإجراءات لا تطبقها شرطة الاحتلال في الأحياء المقدسية باستثناء الحملات الواسعة التي يتخللها فرض الغرامات المالية العالية، بينما تعتبر حملات الإرشاد والتوعية ضد كورونا باللغة العربية للجمهور الفلسطيني المقدسي غير كافية بالمطلق".

http://www.miftah.org