شعوان جبارين: ما يقترف من انتهاكات داخلياُ أكبر تهديد للقوة والمناعة الفلسطينية والنسيج الوطني
بقلم: مفتاح
2021/7/24

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=15532

  • اغتيال نزار بنات فجّر مجموعة مسائل أهمها الفشل السياسي ونظرة الناس للأمن وانعدام العدالة الناجزة
  • ليس لدينا مؤسسة أمنية جامعة وهذه مسألة خطيرة على الجميع بما فيها فتح
  • أخطر شيء في الأمن: إذا غابت عنه الرقابة والمساءلة من جهة مستقلة ومحايدة يتحول الى أداة قمعية تؤسس لنظام سياسي شمولي ديكتاتوري
  • حان الأوان لتحديد موعد جديد للانتخابات، وإعادة الاعتبار ل م. ت. ف، وإدماج جيل الشباب في الحياة العامة الفلسطينية، وأن يأخذ مكانه، وضرورة صياغة أداة مساءلة حقيقية لمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان <\ul>

     

    مقدمة:
    أظهرت عملية الاغتيال الأخيرة للناشط نزار بنات وما أعقبها من ردود فعل وقمع للحريات، طال النساء والصحفيين، من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية واقع حال الحريات في فلسطين، بالرغم مما يصدر من تصريحات عن كبار المسؤولين في السلطة حول احترام حق المواطن في التعبير عن رأيه وحفظ كرامته وصونها.
    ووصف ناشطون في مؤسسات حقوق الإنسان التدهور الحاصل حالياً في واقع الحريات العامة بأنه تهديد خطير للنسيج الوطني والاجتماعي الفلسطيني، محذرين من تداعياته ونتائجه على الواقع الفلسطيني بشكل عام في ظل تصاعد عمليات القمع والاستهداف من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي يواصل سياسة الاستيطان ومصادرة الأراضي والاعتقالات اليومية.

    واقع الحريات العامة
    في هذا السياق، تحدث الناشط الحقوقي شعوان جبارين، المدير العام لمؤسسة "الحق"، وأمين عام الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان لزاوية في ضيافة "مفتاح" عن آخر التطورات المتعلقة بواقع الحريات العامة في فلسطين وما آلت إليه بعد اغتيال نزار بنات من قبل قوة أمنية فلسطينية ذهبت لاعتقاله.
    يقول جبارين مشخصاً هذه الحالة: "هناك قاعدة عامة تقول بأنه عندما يشتد العنف، فتلك إشارة إلى ضعف وانهيار المنظومة. ونحن هنا نتحدث عن عنف وقمع يمارس ضد شعبنا، في حين أن الوضع الطبيعي هو تمثيلهم وأن تقوم السلطة بدورها بالمعنى القيادي في التنظيم والحماية. فشلت السلطة في نقطتين أساسيتين وهما أولاً الحماية من العنف ومن الظلم والفقر والخوف فما مبرر وجودك حيث لا تستطيع أن تحمي مواطنيك من عنف الاحتلال، ولا أن تحمي حياته وممتلكاته وبيته، كما لا تستطيع أن تحمي الأرض التي يصادرها الاحتلال، ولا المؤسسة المسجلة لديك بموجب قوانينك، وثانياً المواطن ينتظر من السلطة حمايته من العنف المجتمعي الداخلي، ومن عنف السلطة التنفيذية وما تمارسه من تعذيب وسوء معاملة، وأن تمنع المس بكرامته وتحمي خصوصيته. إذا نظرنا إلى هذه المسائل كافة، فإن المواطن الفلسطيني غير محميّ، بل بالعكس يهان في الشارع حين يدلي برأيه ويعبر عن نفسه، وملاحق في لقمة عيشه إن تجرأ على إبداء رأيه؛ حيث تلاحقه السلطة في الوظيفة العمومية من خلال الفصل او الإنذار وغيرها من العقوبات".
    ويضيف جبارين "هناك نقطة مهمة جدا للقارئ السياسي والاجتماعي للمنظومة الاجتماعية وما شهده العالم من متغيرات فخلال العشرين سنة الأخيرة حدثت ثورة تكنولوجية هامة جداً في وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الاعلام لها انعكاسات هائلة على الكرة الأرضية وليس على فلسطين فحسب. ولدينا جيل جديد يتقن التعامل مع هذه الوسائل ويكتسب منها معارف ومهارات ويشارك الآخرين مهاراته ويتشارك معهم ولديه فضاء واسع جداً جداً يعبر فيه عن رأيه، حيث تكونت لدى هذا الجيل ثقافة جديدة يستطيع من خلالها التعبير عن وجهة نظره".


    تفعيل وتنشيط دور الشباب
    عن دور الشباب وضرورة تفعيله وإعطائهم المساحة التي يستحقونها من الحضور يقول جبارين:" برأيي أن هذا واقع موضوعي ومعاش ونلمسه نحن جميعاً في البيت وفي المدرسة وفي حياتنا الاجتماعية، ويبدو أن هذه الأمور غائبة عن المسؤولين، حيث نتحدث عن جيل فلسطيني كامل مقصى من السياسة العامة الداخلية مع أنه فاعل ونشط وقوي في الشارع ويعبر عن نفسه، بل يشارك بقوة في الفضاء الإلكتروني، لكنه يمنع من الدخول إلى الحياة العامة ثم يكبت صوته وحريته في إطار التعبير عن رأيه عبر الفيسبوك وغيره، والوضع الطبيعي أن تعزز هذه القيمة وتتفاعل معها كما يجب.
    الآن أنت تتحدث عن نظام سياسي فلسطيني السلطة القضائية والتشريعية بين يدي سلطته التنفيذية، وهذه أفضل وصفة لنظام بوليسي للديكتاتورية، وبالتالي هي أفضل وصفة للسقوط، وعند إقصاء الشباب الفاعل من المشاركة في الحياة العامة السياسية عليك أن تتوقع أن يصطدم معك في هذه المسألة.
    هناك أمران، إما أن تصطدم مع واقع موضوعي متمثل في شعب وإرادته وحريته وجيل جديد يريد أن يقود، وبين جيل آخر يمثله اليوم من هو في سن الثمانين عاماً، حين بدأ في منظمة التحرير كان عمره 25 عاماً، بينما جيل الشباب الحالي من عمره ثلاثة وثلاثون عاماً في فلسطين اليوم لم يشارك في انتخابات عامة في حياته بالمطلق، ولم ينتخب ممثلاً له في مجلس تشريعي أو غيره.

    صراع الأجيال
    هذه الحالة، كما يصفها جبارين، تعكس في الواقع صراع الأجيال بين القديم والجديد. ويضيف: "نقطة أخرى في السياق الفلسطيني يحب أن نراها بعناية وتجب معالجتها، وهي أن جيل السبعينيات سلم القيادة لجيل الثمانينيات. وجيل الثمانينيات سلم القيادة إلى جيل التسعينيات، وانقطع التواصل منذ ذلك الحين لأننا دخلنا في مرحلة جديدة وهي مرحلة أوسلو وانقسام المجتمع، وبالتالي بات هناك جيل كامل بعيد عن الحياة العامة وهو يحصد اليوم الحصاد المرّ لهذه المرحلة؛ فالأراضي تصادر، وفضاء المشاركة أمامه يتقلص، وحتى درجات باب العامود في مدينة القدس تقلصت أمام هذا الجيل وصارت ممنوعة عليه، وكل ذلك نتيجة أوسلو وحصاد هذا الاتفاق الذي كان من نتائجه أيضاً المزيد من الاستيطان ومصادرة الأراضي، ومزيد من القمع والإغلاقات.
    هذا الجيل يريد أن يأخذ دوره في الحياة السياسية وهو غير معطى هذا الحق، لذلك نرى اليوم صراع الأجيال، وصراع الفضاء والبرامج. في حين أن لدينا عقلية قديمة جداً بوسائلها وخطابها وأدواتها وفشلت بالمعنى السياسي، وهي تتمسك حتى الآن بمواقعها وتغلق الباب على نفسها وتمنع الآخرين من الدخول إلى الملعب، وبينما هي كذلك فلربما هذا الجيل الجديد سيدخل بطرقه الخاصة إلى حيث يتمترس الجيل القديم، ولذا، فإننا أمام خيارين: إما أن نذهب إلى اصطدام لأن هذا مسار موضوعي وطبيعي في مسار المجتمعات، أو أن نذهب إلى خيار سلمي وديمقراطي وهو الانتخابات.
    الانتخابات يمكن أن تستوعب الجميع ويصبح هناك حراك وتفاعل يبرز طاقات الشباب ويفجر موضوع الحقوق والحريات مع وجود ضامن لهذه الحقوق والحريات وهو المجلس التشريعي. بالإضافة إلى قضاء عادل ومستقل، وبهذه الطريقة يمكن أن تعيد بناء الوطن وبناء المنظومة بحيث تستوعب مستجدات العصر والتاريخ. في حين أن هناك أناساً لا تزال تعمل خارج نطاق التاريخ وخارج إطار العصر وترى في ممارسة الحريات أمراً يمسها فتطلب منك أن تمارس حقك صمتاً وألا تمارسه في ميدان المنارة بل في خلية تحت الأرض وهذا خطير جدا".

    نظرة استراتيجية: إلى أين نحن ذاهبون؟
    يقول جبارين:" للأسف، نحن ذاهبون إلى جهنم. وإلى مساحة خطيرة جداً جداً لا نرغبها ولا نريدها لأبنائنا أو بناتنا. نحن ذاهبون إلى مزيد من القمع، فالعصا والمسدس وعبوة الغاز لا تثبّت أي سلطة. من هذه الزاوية أنظر إلى الأمور استراتيجياً، وأناقش كل هذا مع المسؤولين في القيادة وأقول لهم أنتم بهذا الأداء والخطاب وبطريقة التعامل أصبحتم خارج التاريخ. هذا عصر يحتاج إلى منطق وأدوات جديدة في التعامل مع هذا الجيل واستيعابه. ويجب أن نتعلم من جيل اليوم، وهو ما أفعله شخصياً في مؤسستي. أنا لا أتقن مسائل هم يتقنونها بشكل عالي جداً، وقد أثبتت معركة غزة الأخيرة، ومعركة الشيخ جراح أن هذا الجيل ذكي وقادر ويقف خلف حقوقه بقوة ويؤثر في العالم ويجب ان نثق به".

    العقيدة الأمنية والعنف في التعامل
    أين المعضلة فيما جرى مؤخراً من قمع وانتهاك للحريات. ولماذا هذه الحدية في ممارسة الأمن لدوره؟
    يقول جبارين: “في هذه المرحلة أصبح لدينا جهاز أمني مقتصر على أبناء تنظيم معين، ومعنى ذلك أنك تتحدث عن نادي مغلق تحكمه الصداقة والأيديولوجيا والتنظيم الواحد، وبالتالي هذا ليس مؤسسة، أو على الأقل قد تكون مؤسسة خاصة بفريق، ولكن إذا أردت أن يكون الجهاز الأمني خاصاً بوطن فهناك ثلاثة مسائل يجب التركيز عليها: أولا، إذا أنت أردت تمثيل الوطن عليك أن تخرج من إطار عباءتك المتعلقة بالتنظيم، وبالتالي لا بد من أن ترى شعباً وليس تنظيماً أو حزباً، ولكن للأسف هم يرون حتى الآن أنفسهم حزباً ولا يرون شعباً. الأمر الثاني وتأسيساً على الأول، هناك ضعف في أدوات المساءلة والمحاسبة بسبب علاقة الصحبة والعلاقات الشخصية، وحين تريد محاسبة الكل، فالكل هذا سيغطي على الكل. وأنت ترى ذلك حين يكون هناك نقاش سياسي حي يدافع أي كان عن حزبه، لكنه لا يسأل نفسه السؤال التالي: هل فعلاً ما يتم عرضه وطرحه من الشارع ومن الجيل الجديد من شباب وصبايا يخدم الوطن أم لا؟ وبالتالي هو لا يقول ذلك.
    الشيء الآخر، تم تعبئة عناصر هذه الأجهزة لحماية النظام السياسي وحماية مشروعه المتمثل بأوسلو، ولأن أوسلو فشل، كان مطلوب من هذه الأجهزة أن تظل تحمي هذا المشروع. إذن، فعقيدة هذه الأجهزة مرتبطة بمشروع سياسي فاشل ستنتقده الناس وستصطدم معه، وعليه أصبحت العقيدة الأمنية لا ينظر إليها من المنظور الوطني، لذلك كنت أسأل وأنا أتحدث معهم: هل عقيدتكم وطن وكرامة وحقوق؟ وإذا كانت كذلك فإن لها مسارات أخرى، ومعنى ذلك أنني أريد أن أرى مواطناً في الجهاز الأمني، ولا أريد أن أرى حزبياً فقط، وهذا أخطر ما يكون.
    النقطة الأخرى، تكمن بأن تطور الأداء والإمكانيات في الأجهزة الأمنية معتمد بالأساس على مساعدات الغرب سواء في التدريب أو البناء أو التمويل، وبرأيي هذا خطير جداً. وأنا هنا لا أشكك بولاءات، ولكن أقول قد ينشأ عند البعض مصالح في هذا الجهاز. ثم هناك مسألة أخرى. أعطني دولاً يمكن أن يبقى فيها رئيس جهاز أمني في منصبه عقدين أو ثلاثة. لعل أخطر شيء في الأمن أمران؛ غياب الرقابة من جهة مستقلة ومحايدة وهذا ما يحول الجهاز إلى غول يأكل صاحبه، والثاني عدم وجود إرادة سياسية بالانتقال في المؤسسة الأمنية من واقعها الحالي إلى مؤسسة أمنية مهنية وفاعلة ومحترفة، وبالتالي نطرح السؤال الأهم وهو الأمن لمن؟ أو على من؟ وهذا سؤال يطرح بقوة في الشارع خاصة أن قوى الأمن ال تستطيع حماية مواطن في منطقة "أ" أو حماية أرضه، ولا تستطيع منع جنود الاحتلال من اقتحام واعتقال وتدمير البيوت تزامناً مع اختفاء الأمن الفلسطيني بواقع الحال. كل هذا يضعف مهابة ومكان الأمن في عيون الناس، ويصبح رد الفعل النفسي عكسياً لدى المواطن بأن الأمن ضعيف وهناك من يحاول أن يعوض شعور ضعفه بطريقة عنيفة مع شعبه وناسه.
    ببساطة نحن حالة غير موجودة في العالم. نحن حالة سيريالية غريبة جداً والأمن ضحية مشروع سياسي ثبت فشله ومطلوب منه حمايته، اختصرها بأنه ليس لدينا مؤسسة أمنية جامعة، وهذه مسألة خطيرة على الجميع بما فيها على فتح، لأن حصر كل هذه المسائل ما بين سلطة وجهاز أمني وتشريع هي في نظر الناس تنعكس على فتح، ولذلك فالموضوع هنا متعلق بالعلاقات التنظيمية. أما بما يتعلق بغياب أداة المساءلة، فمثلاً التعذيب مجرّم عالمياً، وقد انضمت فلسطين إلى اتفاقية مناهضة التعذيب، ولا يوجد أي شيء تم دمجه في القانون الوطني المحلي، وهم يعرفون تماماً أن هذه الجريمة تشكل جريمة ضد الإنسانية، وفلسطين عضو في المحكمة الجنائية الدولية، بمعنى آخر إن هذه المحكمة ستلاحقنا حيال هذه الجريمة، خاصة أنه ليس لدينا تحقيقاُ داخلياً، كما ليس هناك إجراءات تحقيق أخرى.

    اغتيال نزار بنات: حالة تراكمات بين الفشل السياسي ونظرة الناس للأمن
    في تطرقه لقضية اغتيال نزار بنات، يرى شعوان، أن المسألة ليست حدثاً. أضاف:" أنا أنظر إلى ما حدث مع نزار على أنه مفجّر لمجموعة مسائل وحالة احتقان تراكمت طويلاً ما بين الفشل السياسي ونظرة الناس للأمن، وعدم الثقة بالسلطة وانعدام العدالة الناجزة في هذا المجال. هذه الأمور تراكمت وأدت إلى قدر من الاحتقان لدى الناس وانعدام الثقة. وبالتالي يأتي موضوع نزار كمفجّر، خاصة أن صوت نزار كان عالياً ويسمع هنا وهناك، تتفق معه أو تختلف هذا ليس المشكلة. مقتل نزار جاء بسؤال خطير جداً: هل دخلنا نفق التصفيات السياسية؟ موضوع مقتل نزار برأيي موضوع كبير بدلالاته ويجب تقييمه وتحليله بعدسة أخرى، عدسة أوسع وأعمق.
    حتى اليوم، نظرة السلطة لما جرى لا زالت قاصرة يتم النظر إليه من عدسة الأمن فقط، واعتقاد البعض أنه إذا بطشنا بالناس فمعنى ذلك أننا أرهبناهم. هذه مسألة بحاجة لنوع آخر من الدراسة وبحاجة لتغيير مرحلة كاملة شاملة انتهت أو تكاد أن تنتهي، ويجب أن يكون لها الآن شخوصها وخطابها وأدواتها ومؤسساتها.
    الأمر الآخر، هو أين المؤسسة الجامعة للشعب الفلسطيني وهي م. ت. ف. فهذا موضوع أساسي ومفصلي، ولذلك، اغتيال نزار هو محطة لأن الأمور تراكمت ولكنها ليست حادثة يمكن أن، يتم المرور عنها بسهولة، ولذلك لا تثق الناس بتحقيقات السلطة، وطالبوا بلجنة تحقيق محايدة ومستقلة، مع أن الطبيعي في المجتمعات الديمقراطية أن تقوم النيابة العامة بالتحقيق وهو دورها الأصيل في هذه المسألة، لكن يوجد عدم ثقة بالنيابة والقضاء والأمن وحتى بالقيادة السياسية، وحيث الفجوة كبيرة جداً بين السلطة والشارع. فالسلطة من حيث كونها سلطة سقطت في وعي الناس وهي موجودة اليوم بفعل عامل العصا والمسدس والمال، وقد حان الوقت لالتقاط الحلقات لإعادة النظر في كثير من القضايا".
    كرامة المواطن وحرياته العامة في الخطاب الرسمي
    يقول مدير عام مؤسسة "الحق": " لقد التقيت مؤخراً برئيس الوزراء في اجتماع مغلق استمر لنحو ساعة ونصف وتحدثنا في كثير من الأمور، وما لمسته خلال الاجتماع هو أن لديه توجهات وفهماً للواقع، وقد صرّح مؤخراً بما صرّح به حول كرامة المواطن وحقه في التعبير. ولكن هناك سؤال كبير: هل كان ما صرّح به عبارة عن كلمات فقط للاستهلاك الموجّه للناس أو أنه كان يعني فعلاً ما يقول؟
    من جانبي، أرى أنه كان يعني ما يقول. وإذا سألتني لماذا لم يتحقق ذلك بعد ساعات فيما حصل برام الله قبل فترة، فهذا يطرح عليّ سؤالاً كبيراً جداً، حيث أبلغني بأنه لم يكن يعلم ما جرى في منطقة البالوع من قمع واعتقال. وبالتالي إذا لم يكن يعلم حقاُ فالأمر خطير جداً. من الذي يعلم إذن وهو وزير الداخلية وله تتبع الشرطة. والسؤال: من يقف خلف هذا الأمر؟ سؤال يحتاج إلى إجابة وإلى تحقيق. لأن ما حصل جريمة تماماً، واعتداء على أناس آمنين، وعلى أهالي معتقلين كانوا واقفين وقفة يعتز بها كل إنسان فلسطيني. فزوجة أبيّ العابودي وقفت تصرخ بشعار جميعنا نؤيده "يا دولة الحريات لا للاعتقال السياسي".
    عندما أتوجه كمؤسسة حقوق إنسان لزيارة هؤلاء وتطمين الأهالي يمنعونني ويحولون بيني وبين هذه الزيارة لتطمين أهالي المعتقلين عن أبنائهم فأتواصل مع القيادة العامة للشرطة كي تساعدني في الأمر، وأنبه إلى خطورة ما رأيته مسبقاً وقبل الاعتداء على الناس واترجاهم أن لا يخطئوا وأحاول مع قيادة شرطة رام الله لمنع ضرب الصحفيين وسحل النساء وقد رأيت حجم البشاعة فيما اقترف من انتهاكات على هذا الصعيد. لقد رأيت شيئاً خطيراً وهو استمرار هذه الحالة من القمع، وبالتالي هناك شيء فظيع يحدث وهو ازدياد الشعور بأنّ هذه الأجهزة ليست أجهزة الشعب، وهذه مسألة خطيرة حيث باتت الناس تنظر إليها بمنظار أنها عدو وهذا يجب أن يشعل الضوء الأحمر.

    احترام الحقوق والحريات: مسائل مهمة يجب القيام بها
    يقول جبارين أن موضوع الحقوق والحريات مسألة بسيطة جداً بالإمكان استيعابها، ولذلك حان الوقت للقيام بمجموعة من المسائل البسيطة جداً من أبرزها تحديد موعد جديد للانتخابات جاد وحقيقي كي يعبر الشعب عن إرادته ووحدته وأن ينتخب ممثليه بشكل ديمقراطي. كما حان الوقت لإعادة الاعتبار لـ م. ت. ف، من خلال الانتخابات وتجديد الدماء فيها كممثل للشعب الفلسطيني. وحان الوقت أيضاً لنقول بأن التعذيب جريمة يُساءل ويحاسب من يقوم بها ومن يأمر بها أو يتستر عليها، وأن ندمج ذلك في قانون العقوبات. أيضاً حان الوقت لصياغة أداة مساءلة حقيقية جدية في هذه الاتجاه لمن يقترف انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبته، والخروج من عقلية وثقافة "الطبطبة".
    وختم جبارين حديثه بالقول:" أعتقد أن ما حدث أخيراً من انتهاكات وقمع للحريات إنما هو تقسيم للمجتمع وإضعاف للنسيج المجتمعي، وهذا خطير على السلم الأهلي. ولذلك نقول:" ما يتم العمل به عبارة عن قنابل موقوتة تزرع في الجسد الفلسطيني بشكل كامل، وهو أكبر تهديد للقوة والمناعة الفلسطينية والنسيج الوطني".

     

http://www.miftah.org