معيار نزاهة المرشح وأثره في سلوك الناخب الفلسطيني
2005/2/19

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=2582


تمر فلسطين في ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية تحولية بعد أكثر من أربع سنوات من الانتفاضة، ويشكل رحيل الرئيس ياسر عرفات والانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية أحد أبرز سماتها، وفي الحملات الانتخابية عادة تزداد فرص المشاركة الشعبية والمراجعة النقدية والمساءلة عن أوجه الأداء الحالي للمسؤولين ومدى استعدادهم للالتزام بشفافية العمل ونزاهته بالمستقبل، وفي هذا السياق بات من المؤكد أن موضوع الإصلاح بشكل عام وموضوع مواجهة الفساد بشكل خاص سيشكل أحد المهام الرئيسية التي ستشغل المجتمع الفلسطيني، من خلال إطلالة سريعة على ما جرى حتى الآن في هذا المجال سوف يمكنا من تحديد مجموعة الأهداف الموضوعية والأولويات في معركتنا لواجهة ظاهرة الفساد في المرحلة القادمة.

وقد أظهر "التقرير العالمي للفساد 2004" والتي تجريه المنظمة العالمية للشفافية من كل عام، تدهور ترتيب فلسطين عالميا وعربيا حيث تراجعت ثلاثون خطوة على الترتيب العالمي وذلك من المرتبة 78 في عام 2003 إلى 108 في عام 2004، أما عربيا فتراجعت فلسطين مرتبتين وذلك من المرتبة الثالثة عشر في عام 2003 إلى المرتبة الخامسة عشر في عام 2004.

وسبق أن دلت الدراسات والاستطلاعات الرأي المحلية التي اجريت على ظاهرة الفساد وأشكاله في المجتمع الفلسطيني تمركزه بشكل خاص في المواقع العليا للسلطة الفلسطينية.وطغيان شكل استخدام الموقع العام للإثراء اللاشرعي ودل أحدث استطلاع للرأي أجري لصالح ائتلاف أمان حول موضوع الواسطة والمحسوبية في الأراضي الفلسطينية، في الفتره ما بين 30-31 كانون أول (ديسمبر) 2004، أن 82% من المستطلعة آرائهم يعتبرون أن الفساد منتشر بشكل اكثر في القطاع الحكومي. وفي استطلاع سابق لائتلاف أمان أجري لصالحه حول موضوع الفساد في المجتمع الفلسطيني،في الفترة ما بين 3-7 نيسان (إبريل) 2003، أجمع المستطلعون على ان اكثر تأثير للفساد هو في الحياة السياسي بنسبة 68%.

أشكال الفساد

تتجلى ظاهرة الفساد في المجتمع الفلسطيني في مجموعة من السلوكيات التي يقوم بها بعض من يتولون المناصب العامة، ومن أبرز هذه الأشكال الحصول على مكاسب مالية من خلال استغلال المنصب بواسطة العمولات أو الدخول في الشركات أو منح التراخيص أو الاحتكارات بغير وجه حق مقابل عمولة .

وقد شكلت الواسطة ((Wasta – "التدخل لصالح فرد ما أو جماعة دون الالتزام بأصول العمل وشروط الكفاءة اللازمة، مثل تعيين شخص في منصب معين لاسباب تتعلق بالقرابة أو الانتماء الحزبي رغم كونه غير كفؤ" أكثر أشكال السلوك المجتمعي الفساد وانتشارا.

وقد أظهر احدث استطلاع للرأي أجري لصالح ائتلاف أمان خلال الفترة 30-31 كانون الأول 2004 حول موضوع الواسطة والمحسوبية في المجتمع الفلسطيني ، بأن 52% من العينة ترى بأن الواسطة هي الشكل الأبرز انتشارا في المجتمع الفلسطيني.

وللواسطة في المجتمع الفلسطيني مجالات كثيرة من أبرزها:

1. الواسطة في طلب وظيفة، حيث أظهر الاستطلاع السابق أن 23% من المستطلعة آرائهم بأنه طلب منهم أو من أحد أفراد عائلاتهم أو أصدقاء لهم التوسط لدى موظف عام أو مسئول في السلطة للحصول على خدمة عامة.

2. الواسطة في تقديم المنح الدراسية، حيث أظهر نفس الاستطلاع السابق الى أن 12.6% من المستطلعة آرائهم يرون بأن طلبات الواسطة تتعلق في مجال القبول والمنح الجامعية.

3. الواسطة في تقديم الخدمات الاجتماعية، فقد أجاب في نفس الاستطلاع السابق حول الواسطة والمحسوبية 6.1% من المستطلعة آرائهم بأن طلبات الواسطة تتعلق في مجال توزيع المساعدات الاجتماعية، حيث يحصل المسئول على نصيب الأسد له أو لعائلته أو حزبه بغير وجه حق.

4. الواسطة في تقديم الخدمات الصحية: يعتبر القطاع الصحي من أكبر القطاعات العامة التي تديرها وتشرف عليه السلطة الوطنية الفلسطينية سواءً على مستوى المستشفيات أو العيادات وغيرها من الإدارات والمديريات الصحية في المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ولهذا يشكل هذا القطاع أهمية كبرى في كونه يتعامل مع كافة شرائح المجتمع الفلسطيني وبأعماره المختلفة، وبالتالي فهو عُرضة أكثر من غيره من القطاعات للفساد وتدخل الواسطة والمحسوبية فيه نظراً لاختلاف البرامج وتنوعها من جهة وتضخم الجهاز الإداري والوظيفي فيه من جهة أخرى.

وفي سؤال في نفس الاستطلاع السابق " هل حصل العام الماضي أن طُلب منك أو من أحد أفراد عائلتك أو من صديق لك التوسط لدى موظف عام أو مسؤول في السلطة الفلسطينية للحصول على خدمة عامة؟ " أجاب 4.8% من الذين قالوا نعم ، انه قد طلب منهم التدخل في أو التوسط في مجال "الخدمات الطبية"

الرشوة (Bribery): أي الحصول على أموال أو أية منافع أخرى من اجل تنفيذ عمل مخالف لأصول المهنة. وقد أظهر استطلاع أمان السابق حول الواسطة والمحسوبية بأن 22% من المستطلعة آرائهم يرون بأنها الأكثر انتشارا .

أهمية محاربة الفساد للمواطن الفلسطيني

أصبح موضوع محاربة الفساد من أهم الأولويات ومعيار رئيسي لدى المواطن الفلسطيني وسلوكه في اختيار المرشحين (رئاسي أو تشريعي أو محلي) حيث يعطي الأولوية للمرشح الأكثر نزاهة وبعدا عن الفساد، وقد عزز هذا الرأي العديد من نتائج الاستطلاعات التي أظهرت اهتمام المواطن الفلسطيني في الحد من ظاهرة الفساد واختيار المرشح النزيه والمستقيم.

ففي استطلاع رأي لجامعة بيرزيت- شباط، 2004- حول الانتخابات الفلسطينية المقترحة، "أكد حوالي 97% أن الأمانة والصدق (النزاهة) عامل ومعيار مهم في إختيار المرشح ". وفي استطلاعا للرأي قامت به جامعة النجاح الوطنية حول الانتخابات القادمة، كانون الثاني 2005، أفاد "37.9% من المستطلعة آرائهم بأنهم لو انتخبوا للرئاسة فأن اول خطوة سيقومون بها هي محاربة الفساد في المؤسسات العامة "

الانتخابات الرئاسية الفلسطينية – بروفة أولية

جرت انتخابات رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية في 9/1/2005 بعد وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات، وفقا لقانون الانتخابات الفلسطيني الصادر عام 1995، تحت إشراف لجنة الانتخابات المركزية وهي لجنة حيادية مشكلة من عدد من القضاة والمحاميين برئاسة الدكتور حنا ناصر الرئيس الأسبق لجامعة بيرزيت. وقد تم تقييم نزاهة الانتخابات الفلسطينية من خلال تقييم مدى الالتزام بقواعد السلوكيات والقوانين والأنظمة والتعليمات المنظمة للعملية الانتخابية من قبل كل المشاركين في هذه العملية، متمثلة بلجنة الانتخابات المركزية وكل من المرشحين وأحزابهم والناخبين.

وبالرغم من المخالفات والتجاوزات التي حصلت فإن أمان ترى أن العملية الانتخابية التي انتهت في 10/1/2005 بالإعلان عن السيد محمود عباس رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية هي انتخابات حرة ونزيهة وشفافة ضمنت العدالة لكافة المشاركين على امتداد العملية من بدايتها وحتى نهايتها، حيث شكلت وساعدت على ترسيخ ثقة الجمهور بالعملية الانتخابية وبنتائجها.

موضوع الفساد في برامج المرشحين للانتخابات الرئاسية

رصدت أمان بيانات وبرامج مرشحي الرئاسة الفلسطينية خلال فترة الدعاية الانتخابية لانتخاب رئاسة السلطة،وقد اظهر وأبرز جميع المرشحين موضوع الإصلاح ومحاربة الفساد في بياناتهم وبرامجهم الانتخابية باعتبار أن الفساد ظاهرة خطيرة يعاني منها المجتمع الفلسطيني وبشكل خاص مؤسسات السلطة الوطنية، مما يعيق تطوره ونهضته .

وفيما يلي أبرز كلمات وشعارات المرشحين:

"كي نحقق أهدافنا المشتركة لا بد من أسس متينة للبناء عليها وهي: 1- بناء الدولة على أسس الشفافية والمحاسبة والشراكة في صنع القرار وإقتلاع الفساد "

((د. عبد الحليم حسن الأشقر – المرشح الإسلامي المستقل للرئاسة .جريدة القدس 25/12/2004))

" لا هوادة مع الفساد والمحسوبية ، سوف أعمل على تطهير مؤسسات السلطة من الفساد والمفسدين ، وهذا هو محور عملية التغيير. سوف يتم فتح ملفات الفساد التي طويت ، ونشر وقائعها على الملأ ومحاسبة المسؤولين عنها أمام القضاء واستعادة ما نهبوه من أموال الشعب. وسنعمل على سن وتطبيق قانون " من أين لك هذا " لمساءلة كبار المسؤولين . وسوف تجري تصفية الاحتكار التي تملكها السلطة وأقطابها من القطط السمان ؟ ووضع حد للأتاوات والخاوات وخلق مناخ مؤات لتشجيع الاستثمار للنهوض بالانتاج الوطني وخلق فرص العمل. ولن يكون ثمة مكان لمظاهر التفرد واستغلال النفوذ والمحاباة والمحسوبية، بل سوف يضمن تكافؤ الفرص لجميع المواطنات والمواطنين المؤهلين لتوالي الوظائف العامة "

((تيسير خالد – مرشح الجبهة الديمقراطية للرئاسة جريدة القدس 25/12/2004))

" سنعمل بكل جهد لمواصلة ورشة الإصلاح الشامل التي أطلقتها وأكد عليها وحدد مهماتها الرئيس الخالد في خطابه الأخير للقضاء على أية مظاهر للفساد واستغلال المنصب والنفوذ. ولتطوير أداء الجهاز الحكومي وفعاليته، ولتكريس أسس الشفافية والنزاهة والمحاسبة "

(( من برنامجه الانتخابي محمود عباس أبو مازن – حركة فتح ))

"الإصلاح والتنمية يأتي من خلال 1- تجفيف يبنابيع الفساد ، 2-إصدار القوانين والتشريعات التي تمنع استئناف أو استنساخه أو تكاثره من جديد 3-إعتماد الكفاءة والأمانة كأهم معيارين لإشغال المواقع العامة والمراكز الأولى في الوزارات والأجهزة والمؤسسات 4- إستقلالية سلطة القضاء والفصل التام بين السلطات"

(الشيخ سيد حسين بركة – المرشح الإسلامي المستقل ، من برنامجه الإنتخابي))

"مكافحة كل أشكال الفساد المالي والسياسي والمحسوبية وسوء الأداء"

"سنعمل على إزالة الفساد وتكريس سيادة القانون"

((د.مصطفى البرغوثي – مستقل، جريدة القدس – 02/01/2005))

" إن الانتخابات تضمن تكافؤ الفرص ووقف التحيز والاستئثار والمحسوبية والفساد"

((بسام الصالحي – مرشح حزب الشعب الفلسطيني للرئاسة، جريدة الحياة الجديدة 03/01/2005))

" لنعمل لمحاربة أشكال الفساد ومساءلة المفسدين ."

((عبدالكريم شبير – مرشح مستقل : جريدة الأيام 28/12/2004)) سلوك الناخب الفلسطيني

أظهرت نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت في يوم الانتخابات الرئاسية والمحلية توجه وسلوك الناخب الفلسطيني في كيفية اختيار مرشحيه ونزاهتهم وموقف المرشح من موضوع الفساد، حيث تركز اهتمام الناخبين في الانتخابات الرئاسية في اختيار المرشح الذي تتوقع منه تحسين الوضع الاقتصادي والعودة للعملية السلمية وتوفير الأمن والأمان ومن قدرته على تأمينها. ثم إضافة لصفة نزاهة المرشح، أما سلوك الناخبين في الانتخابات المحلية فقد اظهر الناخبون في اهتماما بأهمية توفر عنصر النزاهة والاستقامة في المرشحين.

وللتوضيح على ذلك فقد توزع اهتمام الناخبين في الانتخابات الرئاسية بين ثلاثة محاور رئيسية وهي:-

أولا: مواجهة في مشكله تفشي البطالة وانتشار الفقر (33%)

ثانيا:- مواجهة الاحتلال وممارساته اليومية (31%)

ثالثا:- انتشار الفساد وتأمين الإصلاح الداخلي (26%)،

يتضح من نتائج الاستطلاع أن ناخبي السيد محمود عباس يعطون أهمية أكبر لمشكلتي البطالة/الفقر والاحتلال فيما يعطي ناخبو د.مصطفى البرغوثي ثقلا أكثر لقضايا مواجهة الفساد وتأمين الإصلاح.

إما بخصوص الانتخابات المحلية فقد أظهرت النتائج أن سلوك المشاركين في الانتخابات لا يختلفون كثيرا عن سلوكهم عن المشاركين في الانتخابات الرئاسية من حيث تحديد المشكلة الأهم التي تواجه الفلسطينيين اليوم. تذهب النسبة الأكبر (35%) لمشكلة تفشي البطالة وانتشار الفقر يتبعها الاحتلال وممارساته (34.5%) ثم انتشار الفساد وغياب الإصلاح (23%). يظهر المشاركون في هذه الانتخابات في الضفة الغربية اهتماما أكبر بالاحتلال(37%) مقابل المشاركون في قطاع غزة اهتماماً أكبر بانتشار الفساد (26%) مقابل المشاركون في الضفة الغربية (20%).

العامل الأهم في اختيار المرشحين

يعطي المشاركون في الانتخابات المحلية أهمية قصوى لنزاهة المرشح وبعده عن الفساد. حيث يرى 71% هذا العامل "مهم جداً". وترتفع نسبة الاعتقاد بأن هذا العامل "مهم جداً" في قطاع غزة حيث تصل إلى 78% مقابل 66% في الضفة الغربية

نتائج الانتخابات في الهيئات المحلية وبشكل خاص في قطاع غزة أثبتت فوز الشخصيات التي تتمتع بصفة النزاهة من وجهة نظر الجمهور، وبناءا عليه فإننا لا نعتقد بأن الناخبين سوف يغيرون سلوكهم كثيرا في الانتخابات التشريعية العامة والمقرر إجرائها في تموز 2005.

http://www.miftah.org